حكومة انتخابات نيابيّة مبكرة من غير المرشحين

مدة القراءة 5 د

أما وقد علقنا في عنق الزجاجة: رئيسٌ للجمهورية لا يريد الرئيس المكلّف، وفي أحسن الأحوال، يريده على النحو الذي يشتهيه، وبما يوفّر أرجحيّته الوازنة والمؤثّرة في أيّ حكومة جديدة. وفي مقابله رئيسٌ مكلّف يتمسّك بتشكيلته ورؤيته وصلاحياته التي منحه إيّاها الدستور. فيما المشهد السياسي والدستوري يهرول نحو استنزاف كل الخيارات المتاحة، بعد استحكام حالة الإقفال المطبق، والدخول في مرحلة الاستعصاء السياسي والدستوري.

ماذا بعد؟

ثمّة مقترحات وتصوّرات ووجهات نظر كثيرة، بعضها لا يزال يراهن على فتح كوّة في جدار الأزمة الراهنة، على الرغم من الأجواء التصادمية والمواقف الحادّة التي عكستها جلسة مجلس النواب، وبعضها الآخر بدأ يتحدّث عن تقلّص شديد في القدرة على إحداث أيّ خرق. لذا الخيار المطروح لديها هو الانتظار: إمّا تطوّرات إيجابية على مستوى المنطقة، وإمّا نهاية عهد ميشال عون. على أن تتحمّل الحكومة المستقيلة التبعات الكارثية لمسألة رفع الدعم وغيره من تداعيات الانهيار الشامل.

ثمّة مقترحات وتصوّرات ووجهات نظر كثيرة، بعضها لا يزال يراهن على فتح كوّة في جدار الأزمة الراهنة، على الرغم من الأجواء التصادمية والمواقف الحادّة التي عكستها جلسة مجلس النواب

بين هذا وذاك، تضجّ الكواليس والصالونات السياسية بطرح شبه متكامل، يبدأ من الاتفاق على تقصير ولاية المجلس النيابي، بدل الاستقالات الجماعية، يعقبها اعتذار الرئيس المكلّف، وتكليف شخصية وطنية موثوقة من غير المرشّحين للانتخابات النيابية، على أن تُشكّل حكومة مُصغّرة من المستقلّين غير الحزبيين أو المرشّحين للانتخابات، في محاكاة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005. وتكون مهمّتها محصورة في إضافة بعض التعديلات إلى القانون الانتخابي النافذ، في ظل استحالة التوافق على بديل، والذهاب مباشرة إلى إجراء الانتخابات ضمن مهلة محدّدة، قد تراوح بين 3 و6 أشهر على أبعد تقدير.

يؤكّد أصحاب هذه النظرية أنّ الأزمة الراهنة باتت تفرض هذا النوع من المعالجة، على اعتبار أنّه الحلّ الأفضل لإعادة إنتاج السلطة وفق التوازنات الجديدة التي ستفرزها الانتخابات، ولا سيّما لجهة الاحتكام إلى الشرعية الشعبية بعد ثورة 17 تشرين، وما أعقبها من انهيارات متتالية لا نزال نشهد فصولها حتى اليوم. وبناءً عليه، لا بدّ من العودة إلى الناس: أوّلاً ليتحمّلوا مسؤوليتهم المباشرة في إعادة إنتاج العملية السياسية، وثانياً لإفساح الطريق أمام السلطة الجديدة لاتّخاذ الخيارات الصعبة، من رفع الدعم إلى صندوق النقد والإصلاحات المطلوبة، بعيداً من الشعبويّات التي باتت تتحكّم تماماً بكامل المشهد السياسي على عتبة الانتخابات النيابية.

تضجّ الكواليس والصالونات السياسية بطرح شبه متكامل، يبدأ من الاتفاق على تقصير ولاية المجلس النيابي، بدل الاستقالات الجماعية، يعقبها اعتذار الرئيس المكلّف، وتكليف شخصية وطنية موثوقة من غير المرشّحين للانتخابات النيابية

دون هذا الاقتراح عقبات كثيرة، وتفاصيل أكثر، قد تبدأ من طبيعة التعديلات التي ستطرأ على القانون النافذ، ولا تنتهي بعدم رغبة الأكثرية الكاثرة في الذهاب نحو الانتخابات المبكرة، في ظل تشظّي حضورهم الشعبي، أو انعدام قدراتهم المالية، ناهيك طبعاً عن الخشية الحقيقية من تبدّل التوازن السياسي القائم، وهذا تحديداً ما يدفع حزب الله وغيره إلى التريّث قبل الموافقة على خطوة مماثلة، بل ويذهب البعض إلى حدّ القول إنّ الحزب وحلفاءه سيعمدون حتماً إلى تطيير الانتخابات من أساسها، في حال لم تكن نتيجتها محسومة سلفاً لمصلحتهم، على اعتبار أنّ المجلس الحالي موجود وقائم وشرعيّ وممتاز، ومَنْ نعرفه خيرٌ ممّن نتعرّف إليه.

انطلاقاً من هذه الصورة، واستناداً إلى الأزمة السياسية والدستورية المتراكمة على مدى سبعة أشهر، يبدو أنّ خيار الانتخابات النيابية المبكرة هو أبغض الحلال، ولو أنّ الواقعية لا تشي بتغيير كبير في المشهد العامّ، لكنّه يبقى أفضل الخيارات الذي لا بدّ من دعمه وتأييده، بل والضغط لإنجازه بأسرع وقت ممكن، على أن تلحظ التعديلات على القانون الانتخابي 3 مسائل جوهريّة: الصوت التفضيليّ، عبر توسيعه إلى صوتين أو أكثر، والعتبة الانتخابية، عبر خفض نسبتها أو إلغائها وتوسيع الدوائر الانتخابية.

إقرأ أيضاً: “السيّد” أطلق الحكومة لتأجيل الانتخابات؟

تبقى مسألة شديدة الأهمية والحساسية، وهي تتعلّق باختيار رئيس جديد لتشكيل الحكومة، تنطبق عليه المواصفات المطلوبة، ولا سيّما لجهة مقدرته على تحمّل هذه المسؤولية الهائلة في هذا الظرف العصيب، إضافةً إلى خبرته السياسية وتجربته العملية ومواصفاته الشخصية، وطبعاً حكمته وأهليّته وقدرته، ليس على مواكبة الاستحقاق الانتخابي وحسب، بل على توفير الحدّ الأدنى من الغطاء الدولي والتوافق الداخلي، والحدّ المعقول من الهدوء السياسي والاستقرار الأمني.  

ليس مِن مكان للترف أو التنظير أو الانتظار. هلمّوا نحو كسر الحلقة المفرغة التي نتوه جميعاً في أروقتها. ولنشمّر عن سواعدنا وأفكارنا ومشاريعنا السياسية والوطنية عبر انتخابات نيابية مبكرة، وليتحمّل كلٌّ منّا مسؤولية خياراته بعدذاك. هذا هو السبيل الأنجع والأقوَم والأحكم والأسلم والأسرع لتغيير الواقع ولتطوير النظام. وما دون ذلك حفلات جنون أو أضغاث أحلام.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…