قبل أسابيع، دقّ مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية ناقوس الخطر: سيكتمل الانهيار في النصف الثاني من هذا العام.
تحذيرٌ لم تلتفت إليه وسائل الإعلام المرئي. أمّا الإعلام المكتوب فقد مرّ عليه مرور الكرام، كخبر عاديّ. في حين تكمن خطورة ما نشره المرصد بإعلانه أنّ الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان آيلان إلى تأزّم كبير خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري وفي مطلع العام الجديد. وكشفت عن اقترابنا من انهيار كامل في بعض القطاعات، حصرتها الورقة البحثية في 5 عناوين رئيسة:
1- ارتفاع كبير في معدّليْ البطالة والفقر مع فقدان 350 ألف وظائفهم في القطاع الخاصّ وانخفاض قيمة الرواتب وصولاً إلى 80 %.
2- تزايد الهجرة بشكل كبير وأزمة أكبر القطاع الصحّي مع هجرة 600 طبيب مطلع العام الجاري.
3- المزيد من التدهور في مستوى التعليم، مع انسحاب آلاف التلاميذ من التعليم الخاصّ هذا العام.
4- زيادة العنف الاجتماعي ومعدّلات الجرائم، مع ارتفاع السرقات 162 % مطلع هذا العام، وارتفاع جرائم القتل 91 % منذ بداية الأزمة الاقتصادية.
5- تنامي النزعات الانفصالية والتقوقع المذهبي.
حاور “أساس” 3 باحثين شاركوا في إعداد هذه الورقة، للاطلاع على الخارطة التي تحرّكوا على أساسها، وخرجوا بهذه النتائج، التي تستشرف ما قد ينتظر اللبنانيين في الأشهر القليلة المقبلة.
تحذيرٌ لم تلتفت إليه وسائل الإعلام المرئي. أمّا الإعلام المكتوب فقد مرّ عليه مرور الكرام، كخبر عاديّ. في حين تكمن خطورة ما نشره المرصد بإعلانه أنّ الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان آيلان إلى تأزّم كبير خلال الأشهر المتبقية
الدكتور ناصر ياسين قال إنّه “لا يمكن التنبّؤ بالنتائج في حال رُفع الدعم عن المحروقات بطريقة فورية وغير منظّمة، لأنّ شحّ الأموال بين أيدي الناس وارتفاع الأسعار السريع سيُدخلنا حكماً في التضخّم المفرط”. وعن قدرة الناس على الاستمرار، كشف أنّ “نحو 35% من السلع حافظت على أسعارها إلى حدّ كبير، وهذا كان عاملاً مساعداً، لكنّ ارتفاع أسعار المحروقات سيؤثّر على أسعار هذه السلع، وقد ترتفع إلى 1000% أو 1200%”.
وحذّر ياسين من أنّ “قطاعات كاملة، مثل الصحّة والتعليم والسكن، هي اليوم قنابل موقوتة معدّة للانفجار في أيّ لحظة”. ويعطي مثالاً ميزانية وزارة الصحة التي بلغت في مشروع الموازنة ما يعادل 65 مليون دولار على سعر الصرف الحالي، فيما دفع مصرف لبنان من احتياطاته على الفاتورة الصحية خلال عام 2020، مبلغ 1.1 مليار دولار.
برأي ياسين أنّ “هذا الهامش يعطي مثالاً صارخاً عن حجم عجز الوزارة التي تقف مكتوفة الأيدي، وترمي بالمسؤولية على مصرف لبنان”، لافتاً إلى أنّ “المؤسسات الاجتماعية الأخرى ليست أفضل حالاً من وزارة الصحة، مثل “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”، الذي قد يعلن قريباً عدم قدرته على توفير التغطيات الطبية والاجتماعية، وهذا أمر لا يتوقّف على القطاع الصحي فحسب، بل ينسحب على كلّ الوزارات، التي أصبحت عاجزة بموازناتها التي بالكاد تغطي رواتب العاملين فيها”.
أمّا عن التفلّت الأمني، فكشف ياسين أنّ “المؤشّرات بدأت تظهر تباعاً، إن من خلال أحداث نهر الكلب حيث جرى التعرّض للحافلات التي تقلّ ناخبين سوريين، أو من خلال أحداث شارع الحمرا في نهاية الأسبوع الفائت وما رافقها من خطاب تحريضي. لقد بدأنا نلمس مؤشّرات من خلال الخطاب واللباس الموحّد، وربّما يتطوّر الأمر مستقبلاً إلى ما يشبه الأمن الذاتي تحت غطاء كشفي، أو مسمّيات أخرى مثل شرطة بلدية وخلافه”.
أمّا الأستاذ زياد عبد الصمد فاعتبر أنّ “الدراسة كانت نوعاً من توقّع للأحداث، يستند إلى تحليل للمعطيات والأرقام والحوادث التي وقعت. فالنظام الصحي، مثلاً، أظهر عدم جهوزيّته لمواجهة المشكلات الصحّية، وكان آخرها جائحة كورونا، التي أدّت مع شحّ الأدوية وهجرة الأطباء والممرّضين إلى بروز مؤشّرات لاشتداد الأزمة في القطاع الصحي”.
وعن التعليم قال عبد الصمد إنّ “لبنان أمام مشكلة حقيقية، إذ يواجه بين 20% و25% من الطلاب من أبناء الطبقات الغنيّة مشكلات في دفع الأقساط، فما بالك بالطبقات الفقيرة؟ إضافةً إلى مشكلة التعليم Online التي تتسبّب اليوم بتراجع المستوى التعليمي. ما بدأنا نتلمّس تبعاته لدى الطلاب، خصوصاً في امتحانات الدخول إلى الجامعات الأجنبية”.
قطاعات كاملة، مثل الصحّة والتعليم والسكن، هي اليوم قنابل موقوتة معدّة للانفجار في أيّ لحظة
وفي الشقّ المتعلّق بالهويّة اللبنانية، لفت عبد الصمد إلى “زيادة منسوب الأعمال غير الشرعية، مثل تهريب المخدِّرات والتوتّرات بين المناطق. وتؤدّي كلّ هذه المؤشّرات تباعاً إلى مزيد من التقوقع المناطقي والطائفي، ولهذا نلاحظ أنّ ضعف الدولة أو غيابها في بعض الملفّات دفع بكلّ زعيم إلى دعم جماعته بتقديم لقاحات تحت مسمّيات حزبية أو بطاقات تموين للمناصرين والمحازبين، أو توزيع أراضٍ زراعية، أو غير ذلك من أشكال الدعم. وهذا كله يتسبّب بزيادة منسوب الاستقطاب والتوتّر، ويترافق مع ظهور نزعات انطوائية مستجدّة مترافقة مع طروحات الفدرلة واللامركزية”.
من جهته، أكّد الدكتور خليل جبارة أنّ “الورقة البحثيّة هدفها تسمية الأزمات بأسمائها ليس إلاّ. وهي أزمات قد تصيب قطاعات كاملة بالانهيارات، مثل قطاع التعليم أو القطاع الصحي أو غيرهما من القطاعات. وقد لا تحصل هذه الانهيارات غداً، وقد لا تحصل أبداً، وربّما تتأخّر، فالورقة ليست إلاّ عملية رصد وتوقّع لمسارات تتنبّأ من خلالها بأزمات ما عاد ممكناً إنكار وجودها، إذ إنّنا نراها ونعيشها، بل نتعايش معها في يوميّاتنا، لكنّنا لا نعرف تأثيرها على المدى الطويل، ونتفاعل معها ونعجز عن قياس تأثيرها النهائي”.
إقرأ أيضاً: سلامة يخرج أرنبه: الإنقاذ… بالتقسيط
ولفت جبارة، في ختام حديثه مع “أساس”، إلى أنّ “اللبنانيين باتوا “مياومين” في كل الملفّات، في الاقتصاد والسياسة، حتى في الاجتماع والأمن. نحن نعيش منذ سنتين في لبنان بلا أيّ سياسات، ونعيش الأزمات يوماً بيوم. وفيما كلّ هذه الأزمات تتفاقم لا أحد يجرؤ على تسميتها باسمها. ومنها، على سبيل المثال، القرارات والتعاميم التي تُوجّه إلى المصارف من دون تسميتها كابيتال كونترول، والحسومات على حسابات المودعين وأموالهم من دون تسميتها هيركات… واللائحة تطول وتطول. كل هذا يحصل وسط تغييب تامّ لفكرة الدولة ودورها، فيما السلطة المفلسة تسعى إلى إعادة إنتاج نفسها، وتتّخذ من الناس دروعاً بشرية ووقوداً في معاركها التي لا يبدو أنّها ستنتهي”.
كلّ هذا يجري في حين تواظب السلطة على ممارسة لعبة تقاذف المسؤوليّات والتحاصص والاقتتال على حقيبة وزارية زيادةً أو نقصاناً، والمواطن غارق في أزماته اليوميّة لا حول له ولا قوّة.
وقد قدّم المرصد تقديراتٍ بحثيّة مبنيّة على أرقام وتحليلات لـ”داتا”، سيقوم “أساس” بنشرها كاملة على ثلاث حلقات ابتداء من مساء الغد، تليها مقالة تحليلية تقدّم قراءة لهذه “الداتا” وتقييماً للاحتمالات التي تبشّر بها.