حضر “الحدث السوري” في المشهد اللبناني منذ إعلان موعد “الانتخابات الرئاسية” في سوريا يوم الخميس 20 أيار 2021 ليكون محطة انقسام جديدة حول توجّهات اللبنانيين.
هناك فريق يعلن حنينه إلى عودة سيطرة النظام السوري على البلد، ويقوم بالحملات الدعائية والشعبية، وفريق يرفض تلك العودة، ربطاً بالتاريخ الثقيل الذي يحمله لبنانيون كثر عانوا الاضطهاد والملاحقة والحصار في ظلّه. وهذا ما انعكس استفزازاً وصدامات في الشارع، تركّزت بين طرابلس وعكار وجونية وكسروان.
في طرابلس، بدأت الإشكالات مبكراً، مع قيام مجموعات موالية للنظام السوري في بعل محسن باستفزاز أهالي باب التبانة، من خلال تحرّكات التأييد للأسد المبالغ فيها. فأدّت إلى التوتّر بين المنطقتين، وعودة رمي القنابل، وسُجِّل إطلاقُ قذيفة “إنيرغا”، الأمر الذي استدعى انتشار الجيش وتسيير دوريات مؤلّلة في شارع سوريا.
وتحرّكت مجموعة من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وأخرى تابعة لسرايا المقاومة (عبد الكريم النشار)، نحو مكتب حزب الكتائب في شارع عزمي، وألقت قنبلة مولوتوف أسفرت عن أضرار محدودة.
وتعرّض مستوصف “الخيال الخيري”، المحسوب على القوات، والكائن في منطقة ساحة النجمة، لقنبلة مولوتوف، فسارع أهالي المنطقة إلى إطفائها قبل امتداد الحريق الى داخل المستوصف. وامتدّت المحاولات مستهدفةً مركز القوات في محلّة الضمّ والفرز.
في طرابلس، بدأت الإشكالات مبكراً، مع قيام مجموعات موالية للنظام السوري في بعل محسن باستفزاز أهالي باب التبانة، من خلال تحرّكات التأييد للأسد المبالغ فيها
في هذه الأجواء سرت أنباء غير مؤكّدة عن عودة رفعت علي عيد منذ ليل السبت – الأحد 16 أيار 2021 إلى منطقة بعل محسن للإشراف المباشر على إدارة الأحداث، وبهدف الإعداد لعودته والإقامة في المنطقة، بعدما كان قد خرج منها بعد اتّهامه وحزبه بالضلوع في تفجيريْ مسجديْ السلام والتقوى، الأمر الذي اعتبره المراقبون تهديداً بإعادة التوتير إلى طرابلس، في حال كان ذلك صحيحاً.
منسّق القوات اللبنانية في طرابلس جاد دميان يقول لـ”أساس” إنّ “محور 8 آذار، وعلى رأسه “حزب الله” والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي وسرايا المقاومة، كان شديد الامتعاض من الإحراج الذي سبّبته مواكب السوريين المؤيّدين للنظام في المناطق اللبنانية، وطريقة الاستفزاز التي حصلت، ثمّ التعاطف الشعبي الواسع مع الشباب الذين قاموا بالتصدّي لمواكب الأسد في مناطقهم. لهذا حاول الممانعون إعادة استعمال طرابلس صندوق بريد لإخافة القوات ومحاولة إعادة الشرخ الطائفي بين اللبنانيين، لكنهم باؤوا بالفشل، لأنّنا لا نخاف، ولأنّ التعاطف الشعبي معنا في طرابلس وسائر المناطق كان أوسع من المتوقّع”.
ولفت دميان إلى أنّ “ثلاث مجموعات قامت بأعمال الشغب في طرابلس ليل الجمعة 21 أيار 2021. وهي تتكوّن من عناصر ينتمون إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي و”سرايا المقاومة”. وكان لأنصار الحزب العربي الديموقراطي دور كبير في حشد المواكب المتوجّهة نحو بيروت وتنظيمها”.
وأشار دميان إلى أنّ “سلوك الجيش وقوى الأمن الداخلي كان جيداً هذه المرّة، فقد كانت الاستجابة سريعة، إذ حضرت قوّتان منهما لحماية مكتب القوات في محلة الضم والفرز”. وأعرب عن اعتقاده بأنّ “مكتب حزب الكتائب كان يمكن أن ينجو من الاعتداء بفارق زمني ضئيل”. وعن الخسائر قال إنّها “محدودة، لكنّها كانت ستتحوّل إلى كارثية لو امتدّت النيران إلى داخل مستوصف الخيال، وأتت على المعدّات والتجهيزات الطبيّة”.
وتساءل دميان عن هذا الانفصام الذي يعيشه محور الممانعة: “إذ كيف يعقل وجود مئات آلاف السوريين خارج وطنهم، ويعلن قسم منهم ولاءه للنظام، في حين يرفض هذا النظام عودتهم إلى مدنهم وبلداتهم ومنازلهم”. ويذكِّر بأنّ “الدولة كانت بتصرّف قوى 8 آذار، من عام 2011 حتّى عام 2016، من خلال المشاركة الفاعلة في الحكم، خصوصاً التيار الوطني الحرّ. ومنذ عام 2018 يسيطر هذا المحور على الدولة بكامل مواقعها، من رئاسة الجمهورية إلى سائر مواقع السلطة، فلماذا لم يتوصّلوا إلى تفاهم مع نظام الأسد لإعادة السوريين، إذا كانوا فعلاً يحبونهم؟”.
منسّق القوات اللبنانية في طرابلس جاد دميان يقول لـ”أساس” إنّ “محور 8 آذار، وعلى رأسه “حزب الله” والتيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي وسرايا المقاومة، كان شديد الامتعاض من الإحراج الذي سبّبته مواكب السوريين المؤيّدين للنظام في المناطق اللبنانية”
ويلفت دميان إلى أنّ “عدد السوريين الذين شاركوا في الاقتراع كان هزيلاً ولا يتجاوز خمسين ألفاً”، متوقّفاً عند المفارقة المستهجنة في أن “يكون الأسد الرئيس الوحيد في العالم الذي يطالبه الآخرون بإعادة الشعب السوري، وهو يرفض”، داعياً مَن يحبّ بشّار إلى الذهاب إليه: “فلا يمكن تحميل لبنان هذه الأعباء المادية والسياسية على حدٍّ سواء”.
وممّا زاد الاحتقان في طرابلس اعتقال استخبارات الجيش شاب من أبناء التبّانة أحرق العلم السوري، الأمر الذي دفع بالناشطين إلى السؤال عن المعايير التي تعتمدها المؤسسة العسكرية في معالجة الإشكالات الحاصلة، ولماذا لم تقمع مؤيّدي الأسد الذين يستخدمون هذا العلم ورمزيّته لإثارة غضب أهالي منطقة عانت القتل والإرهاب على يد نظام الأسد.
إقرأ أيضاً: نهر الكلب: باسيل يقع في فخّ جعجع
وذكّر الناشط خالد الديك الجيشَ بأنّ “البعض نزع العلم اللبناني وزرع مكانه علم “حزب الله”، وخرج مِنْ الفريق المؤيّد للنظام مَنْ يهدّد بقتل جنود الجيش اللبناني، ولم يحاسبهم أحد”، مطالباً بالإطلاق العاجل للشاب الموقوف، وداعياً قائد الجيش إلى التدخّل لوأد الفتنة في طرابلس.
تخشى أكثر من جهة من أن يكون إعلان “فوز” بشار الأسد محطة لتجديد الاستفزاز في طرابلس وعكار ومناطق أخرى، وتحديداً المنية، حيث يُعِدّ كمال الخير لمهرجان غنائي، احتفالاً بالحدث، بهدف تكريس حضور النظام السوري في المشهد اليومي للّبنانيين، ولو من باب الاستفزاز وأعمال التخريب والشغب. وهذا لعب بالنار على صفيح لبنان الساخن.