في الساعات الماضية تبلور مؤشّران لا يُتوقّع أن يكون لهما تأثير مباشر على مسار المصائب المتراكمة: رسالة رئيس الجمهورية عبر السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. والحراك الخارجي المتجدّد للرئيس المكلّف سعد الحريري والذي لا يزال سياقه، منذ انطلاقه قبل أسابيع، في نطاق “إثبات الوجود” والتفتيش عن غطاء يقي رئيس تيار المستقبل شرّ تخلّي أصحاب القرار عن دوره في المرحلة المرسومة للبنان في ضوء المتغيّرات الإقليمية.
ضمن سلّة الأجواء المعمّمة بصيغة “المصادر المطّلعة على موقف رئاسة الجمهورية”، والتي تنفي كل السيناريوهات التي تقول إنّ ميشال عون يعمل على سحب التكليف من الرئيس الحريري، أثبتت التطوّرات أمرين أساسيّين:
الأول: لا طاقة للعهد على التعامل مجدّداً مع سعد الحريري رئيساً لحكومة الخروج من الأزمة. والدليل الحسّي هو “النداء” الذي وجّهه ميشال عون إلى النواب عشيّة الاستشارات النيابية، ولم يسبقه إليه أيّ رئيس جمهورية، ودعاهم فيه إلى “تحكيم ضميرهم والتفكير جيّداً في آثار التكليف على التأليف”، وسأل فيه: “هل يلتزم من يقع عليه وِزر التكليف والتأليف معالجة مكامن الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح؟”.
في الساعات الماضية تبلور مؤشّران لا يُتوقّع أن يكون لهما تأثير مباشر على مسار المصائب المتراكمة: رسالة رئيس الجمهورية عبر السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. والحراك الخارجي المتجدّد للرئيس المكلّف سعد الحريري
وقد مهّد عون في ذلك ليس فقط لكباش دستوري مع الرئيس المكلّف على تأليف الحكومة، بل لخلافٍ حقيقي على إدارة المرحلة والأولويّات، يدلّ على وجود رفضٍ رئاسي مزمن لتكليف الحريري أصلاً. واليوم، بعد مرور سبعة أشهر من عمر ولايته من دون حكومة، بات عون متيقّناً بأنّ تعثّر التأليف ليس سوى المعركة الأخيرة لإنهاء عهده.
في هذا السياق يقول العارفون إنّ “الحريري فُرِض فرضاً على ميشال عون، لكنّ الأخير لا يملك وسائل إزاحته، ولا يريد أصلاً أن يخوض معركة ستأخذ فوراً منحى طائفياً. يراهن عون اليوم على مساعدة من الفرنسيين، وعلى بعض الخطوات الداخلية التي سيلجأ إليها وستضع الكرة في ملعب مجلس النواب، فيما التكليف بات ساقطاً بحكم الأمر الواقع”.
الثاني: تكوّنت قناعة لدى معظم اللاعبين الدوليين بأنّ التعايش بين “تركيبتيْ” ميشال عون وسعد الحريري بات مستحيلاً، وأنّ مرحلة الفوضى القائمة على كل المستويات لا تحتمل خيارات جذرية تتضمّن البدء “على النظيف” في السياسة والورشة الإصلاحية، بل لا بدّ من حصول مرحلة انتقالية تؤسّس للبنان الخارج من ثوب الطائف والدوحة. وعلى هذا المستوى فقط، تُدرَس الاحتمالات الممكنة، وأوّلها حصول انتخابات نيابية تعرّي الأحجام المضخّمة وتفتح المجال لاختراقات في الطبقة السياسية، وتمهّد للأساس، أي معركة رئاسة الجمهورية، التي باتت حرفيّاً “على الأبواب” وتكتسب أهميّة مضاعفة عن الاستحقاق النيابي لكونها تلي مرحلة ما بعد “العونيّة السياسية” التي خيضت تحت عنوان استعادة الحقوق المسيحيّة.
وفي السياق نفسه، تقول مصادر نيابية في التيار الوطني الحرّ لـ”أساس” إنّ “الرسالة، التي وجّهها رئيس الجمهورية ميشال عون عبر السفيرة الفرنسية في بيروت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الأزمة اللبنانية ومسار تعثّر ولادة الحكومة والتأثيرات الكارثية للتعطيل المتمادي في عملية التأليف، هي إجراء سيسبق سلسلة إجراءات داخلية أخرى سيلجأ إليها عون قريباً مع استمرار الرئيس المكلّف سعد الحريري في إدارة ظهره لواجبه الدستوري في تأليف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.
يقول العارفون إنّ الحريري فُرِض فرضاً على ميشال عون، لكنّ الأخير لا يملك وسائل إزاحته، ولا يريد أصلاً أن يخوض معركة ستأخذ فوراً منحى طائفياً
وتوضح المصادر: “من ضمن المسعى الرئاسي، الذي لم تُحسم بوصلته بعد، قد يتوجّه رئيس الجمهورية برسالة إلى مجلس النواب، من ضمن صلاحياته الدستورية التي أتاحها له الدستور، لأخذ رأي المجلس في مصير التكليف، وليس في سياق الضغط لسحبه. وهي الخطوة التي سبق أن لوّح باتّخاذها سابقاً. وأيضاً من ضمن الاقتراحات الرئاسية تحديد عون مواعيد لرؤساء الكتل النيابية والنواب لسماع رأيهم في موضوع التكليف، ولمعرفة هل يؤيّدون استمرار الحريري في مهمّته أو فتح الباب أمام ترشيحات أخرى”.
وتفيد معلومات أنّ رئيس الجمهورية بات أقرب من أيّ وقت مضى إلى مصارحة الحريري بضرورة اعتذاره إذا لم ينجح في تأليف الحكومة بعد تخطّيه “المهلة المعقولة” لذلك.
ويقول قريبون من عون إنّ “ولادة حكومة الحريري الثانية في عهد عون استغرقت أكثر من ثمانية أشهر، وتلت انتخابات أيار 2018. ويومئذٍ دُرِست فكرة توجيه رسالة إلى مجلس النواب، فيما كان الحريري، كما هي الحال اليوم، يتنقّل بين باريس ولندن ودول الخليج. لذلك كان رئيس الجمهورية يعلم ما ينتظره في التكليف الثالث”.
وفيما يدور همس في الكواليس عن تفضيل الرئيس عون إحدى الشخصيات المطروحة، إلا أنّه، برأي قريبين منه، لن يضع فيتو على أيّ بديل عن الحريري، طالما أنّ الكرة أصلاً في ملعب الأكثرية النيابية.
إقرأ ايضاً: سقوط المبادرة الفرنسية: هل تبدأ المواجهة في الشارع؟
ويعوّل فريق رئيس الجمهورية على أن تكون رسالة عون إلى ماكرون محطّ متابعة فرنسية ودولية، وسيرصد تداعياتها في الأيام المقبلة، ويبني على أساسها.
بدا لافتاً، في هذا السياق، تأكيد نواب قريبين من حلقة رئيس الجمهورية أنّ “سحب التكليف مُهمّة صعبة جدّاً، والقرار لا يؤيّده سوى فريق الرئيس عون، فيما يقف ضدّه حتّى حلفاؤه، أي الرئيس نبيه برّي وحزب الله. أمّا الحريري فهو صاحب القرار بالاعتذار، إلا إذا فُرِض عليه ذلك”.
لكن مطالعة سليم جريصاتي في شأن سحب التكليف لا تزال حيّة ترزق. وتقوم على أساس ثلاث مراحل قَطَع عون شوطها الأول عبر إبلاغ الحريري سابقاً أنّ “المصلحة العليا لم تعد تتحمّل التأخير في التأليف”، ثمّ التمنّي على الرئيس المكلّف الاعتذار. وفي حال لم يفعل سيوجّه رئيس الجمهورية رسالة إلى مجلس النواب لاتّخاذ الإجراء المناسب.