متى تنطلق صواريخ الحزب من الجنوب؟

مدة القراءة 5 د

لا يزال حزب الله على استنفاره الشامل في مناطق الجنوب ومختلف مواقعه العسكرية. لم يؤدِّ التصعيد العسكري في فلسطين، ومع حركة “حماس” في غزّة تحديداً، إلى تخفيف الإجراءات العسكرية التي اتّخذها الحزب في الجنوب. هذا على الرغم من وقف إسرائيل مناوراتِها العسكرية الشاملة التي حذّر الأمين العام لحزب الله من أنّها غير بريئة.

كلّ الاحتمالات القائمة في التقدير العسكري على وقع التصعيد في فلسطين، والخطوة الإسرائيلية بتنفيذ ضربات وغارات على قطاع غزّة، لا تعني بالنسبة إلى حزب الله أن يتّجه إلى الاسترخاء على الجبهة الجنوبية، بل هو يترقّب كل الاحتمالات. ومن شأن الواقع السياسي المعقّد داخل الكيان الإسرائيلي أن يترك أبواب هذه الاحتمالات مفتوحة. وغالباً ما حضر الخيار العسكري الإسرائيلي لدى بروز أيّ أزمة سياسيّة في إسرائيل، كمهرب يعيد إنتاج واقع سياسي داخلي جديد لدى الكيان الصهيوني.

طوال السنوات الماضية كان القادة الإسرائيليون يلتفّون على الأزمات السياسية، وضمن الحسابات الانتخابية، عبر اللجوء إلى التصعيد العسكري، الذي تركّز على قطاع غزّة. إلّا أنّ الأوضاع تبدو هذه المرّة مختلفةً وأكثر سوءاً وتعقيداً، مع ازدياد الشرخ والانقسام حول عملية تشكيل الحكومة وإمكان البحث في اللجوء إلى انتخابات خامسة. هذا الواقع قد يدفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى التصعيد لحماية نفسه سياسياً، وفرض أمر واقع عسكري يُجبر القوى المختلفة على الركون إليه وتجميد مباحثات تشكيل الحكومة وغيرها من الاستحقاقات السياسية أو فتح ملفات الفساد المتّهم بها هو شخصياً. ويمكن فرض هذا الأمر الواقع في أيّ لحظة، خصوصاً أنّ ثلاثة عوامل قد تحتّمه:

الأوّل هو الأزمة السياسية التي تعانيها إسرائيل، وإصرار نتانياهو على البقاء في موقعه والذهاب إلى انتخابات جديدة. وسيكون الرجل هذه المرّة بحاجة ماسّة إلى تعزيز أوراقه فيها. وتلك الأوراق غير قابلة للتعزيز إلا من خلال تنفيذ ضربات نوعيّة تصبّ في مصلحته سياسيّاً.

طوال السنوات الماضية كان القادة الإسرائيليون يلتفّون على الأزمات السياسية، وضمن الحسابات الانتخابية، عبر اللجوء إلى التصعيد العسكري، الذي تركّز على قطاع غزّة. إلّا أنّ الأوضاع تبدو هذه المرّة مختلفةً وأكثر سوءاً وتعقيداً

الثاني هو الاستياء الإسرائيلي العارم من المفاوضات الأميركية الإيرانية، وسعي تل أبيب إلى فرض شروطها على جدول أعمال المفاوضات من خلال تحصيل مكاسب استراتيجية تتعلّق ببرنامج إيران النووي. وضمن هذا السياق كانت زيارة وفد إسرائيلي أمني – سياسي كبير والاجتماع بالرئيس الأميركي جو بايدن بعد لقاءات أمنية وسياسية مع أركان إدارته، رشح منها البحث في خيار الحرب بالمنطقة، بعد أن رفضت واشنطن الاقتراحات الإسرائيلية بشأن الاتفاق النووي مع إيران.

الثالث هو الهدف الاستراتيجي الأكبر لدى إسرائيل، أي عدم السماح بكسر قواعد التوازن المتحقّقة، من خلال ضرب أهداف لإيران في سوريا، إلى جانب استمرار إدراج أهداف ومواقع لحزب الله في جنوب لبنان على لوائح الاستهداف، خصوصاً مواقع الصواريخ الدقيقة، ومنع إيران من إنتاج قنبلة نووية.

وقد كان الهدفان الثاني والثالث من العناوين الأساسية التي بحثها مسؤولون عسكريون واستخباريون إسرائيليون في الولايات المتحدة الأميركية. وينظر حزب الله إلى كلّ هذه الوقائع بعين الاهتمام والترقّب، لأن الوضع لا يقبل الاسترخاء في رصد أيّ احتمال لتطوّر العمليات العسكرية.

بالنسبة إلى مصادر قريبة من الحزب، يريد الإسرائيلي التدخّل لعرقلة أيّ تفاهم أميركي إيراني، أو لوضع شروطه على طاولة المفاوضات، وفي حال لم يجد قبولاً أميركياً لهذا المنطق، فسيفرض ما يريده بالأمر الواقع العسكري.

تؤكّد المصادر القريبة من الحزب أنّه عمل على نشر صواريخ بعيدة المدى في مناطق جنوبية متعدّدة جاهزة للإطلاق إذا اقتضت الحاجة أو أقدم الإسرائيلي على أيّ خطوة عدائية

الكثير من التقارير الإسرائيلية تشير إلى حاجة إسرائيل إلى تنفيذ ضربات تستهدف بنك أهداف عسكرية لا تستثني لبنان ومواقع الصواريخ الدقيقة للحزب فيه. لا يعني ذلك بالضرورة أنّ الحرب حتميّة أو فرصها عالية، إذ إنّ الحزب يعتبر أنّ أيّ خطوة إسرائيلية لا يمكن أن تحصل من دون غطاء ودعم أميركيّين شاملين، وحالياً الإرادة الأميركية هي في مكان آخر مختلف كلّيّاً. لذلك يستبعد الحزب خيار الدخول الإسرائيلي في حرب واسعة، لكنّه لا يسقط الاحتمال من حساباته أبداً، ويبدو أنّه متيقّن من أنّ العمليات العسكرية الأمنيّة والمتنوّعة ستستمرّ بشكل متفرّق، خصوصاً في سوريا.

أمّا لبنان فحساباته مختلفة، لأنّ الحزب أبلغ المعنيّين موقفاً واضحاً بأنّ أيّ استهداف للأراضي اللبنانية وأيّ إخلال بقواعد الاشتباك المعمول بها، سيدفعه إلى الردّ بقوّة وكسر قواعد الاشتباك من جانبه أيضاً.

إقرأ أيضاً: سيناريوهات أيّار: سفارات تتوقّع الانهيار وتستعدّ له

وتؤكّد المصادر القريبة من الحزب أنّه عمل على نشر صواريخ بعيدة المدى في مناطق جنوبية متعدّدة جاهزة للإطلاق إذا اقتضت الحاجة أو أقدم الإسرائيلي على أيّ خطوة عدائية.

يعيش حزب الله اليوم على معادلة بين منزلتين: “لا حرب، لكن لا مجال للنوم على حرير السِلم”. هذا الكلام تؤكده وقائع الساعات الأخيرة حين سقطت صواريخ حماس في تل أبيب، وتبيّن أنّ القبّة الحديدية الإسرائيلية ليست حديدية في بداية الأمر. وما سرّبه الإعلام الإيراني عن أنّ حزب الله جاهز لتنفيذ عمليات عسكرية ضدّ اسرائيل في حال طلبت منه فصائل المقاومة في غزّة ذلك، يؤكد أنّ صواريخ حزب الله المنشورة حديثاً في الجنوب هي غبّ الطلب الإيراني في أيّ لحظة.

مواضيع ذات صلة

“إنزال” في البرلمان: التّمديد لقائد الجيش

يترافق سقوط مفاوضات وقف إطلاق النار مع انكشاف أمنيّ وعسكري وسياسي كامل، عبّر عنه بالسياسة النائب السابق وليد جنبلاط بقوله إنّ “آموس هوكستين تآمر علينا…

وقف إطلاق النّار… بين الضّغط الأميركيّ وضغوط الميدان

أُقفِل باب المفاوضات الدبلوماسية لتُترك الكلمة للميدان. بالأساس، لم يكن كبيراً الرهان على تحقيق خرق جدّي قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع في السباق…

نعيم قاسم: هادئ وصلب ومتعدّد المشارب الفكرية

يختلف الشيخ نعيم قاسم عن سلفه السيّد حسن نصر الله، من حيث خصائص الشخصية ومشارب التنشئة، مع أنّ كليهما كانا عضوين قياديين في حركة أمل،…

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….