“هناك في أرض البطولة أوقف زحفهم.
هناك على مشارف الشويفات ودير قوبل انهزم الأشرار…
هناك صرخ الشيخ علام… الأرض والعرض.
من هناك أرادوا تغيير هويّة لبنان وجعله ولايةً من ولايتهم…
من هناك أرادوا إثبات مقولتهم “نستطيع اجتياح الجبل بساعتيْن”…
هناك انكسرت مقولة “كما وعدتكم بالنصر دوماً”…
هناك رُسمت البطولة…
هناك بقي لبنان”.
بهذه القصيدة تصف صفحة “مشايخ التوحيد” رجالَ الداعي عمار يوم 11 أيّار 2008، وهي التي يروون فيها حكاية بطولة لرمزهم علاّم ناصر الدين أو المعروف باسم الداعي عمّار.
.. اعتقدت غرفة عمليّات حزب الله أنّ السهولة، التي تمّت بها السيطرة على بيروت في 7 أيّار 2008، يمكن أن تنسحب على الجبل، وتحديداً على مدينة الشويفات المطلّة على الضاحية الجنويبة لبيروت. إلا أنّ حساب الحقل عند حزب الله لم يتطابق مع حسابات البيدر، خصوصاً أنّه على الخطّ العامّ الفاصل ما بين مدينة الشويفات وسهلها، وتحديداً فوق معمل البيض، كما يسمّيه أهل المنطقة وسكّانها، كان يجلس شخصٌ مع رفاقه ومريديه يتثقّفون ويقرأون في كتاب الحكمة، وكان اسمه علّام ناصر الدين.
فشل معركة الشويفات ويضاف إليها معركة تلة الـ888، كان الحد الفاصل ما بين المواجهة ووقف اطلاق النار حيث اندفع الجميع بعدها الى التفاوض والتهدئة، حزب الله، الامير طلال ارسلان، ومعهما رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط لتنقشع المعركة عن ثلاثة عشر قتيلاً من مدينة الشويفات
تقدّم مقاتلو حزب الله من عدّة محاور باتّجاه مدينة الشويفات، وذلك بعد قصف مركّز على قرى عاليه، وإثر تواتر الأنباء عن كمين تعرّضت له دوريّة للحزب في تلّة الـ888. المحور الأول كان طريق التيرو. والمحور الثاني كان طريق مركز الدفاع المدني، حيث يقع مقرّ للحزب القومي السوري أيضاً. أمّا المحور الثالث فكان مفرق مدرسة “الشويفات موديرن سكول”، الذي كان النقطة المركزية في خطة حزب الله لاقتحام الشويفات، لا بل كانت غرفة العمليات الرئيسة متمركزة هناك.
الكلّ كان يعتقد أنّ المعركة لن تطول، وأنّ الدخول إلى الشويفات ودير قوبل هو مسألة ساعة واحدة لا أكثر، لكن وقع ما ليس في الحسبان. إذ خرج الداعي عمار ورفاقه من الشقّة التي كانوا يتثقّفون فيها حاملين السلاح المتوافر في منازلهم، رافضين أن يقتحم الحزب قراهم ومنازلهم.
1- تمكّن الداعي عمار ورجاله من إفشال مخطّط حزب الله بدايةً بإسقاط عنصر المباغتة عند القوى المهاجمة للشويفات.
2- صمودهم كان كالنار في الهشيم لجهة حشد شبان ورجال قرى الشويفات ودير قوبل وبشامون بكل ما تيسّر من سلاح وعتاد للدفاع عن مدينتهم، الأمر الذي جعل اقتحام المدينة مشروع مجزرة كبرى.
يستذكر أحدُ عناصر الحزب التقدمي الاشتراكي ذلك النهارَ، رافضاً الكشف عن اسمه، فيقول لـ”أساس”: “الاشتباكات الأعنف حدثت في 11 أيار 2008. تساقطت القذائف على المنازل في الشويفات بشكل كثيف وعشوائي، ثم تقدّم عناصر من حزب الله مستقلّين سيارات رباعية الدفع باتجاه أحياء الشويفات. بدايةً أرادوا السيطرة على مكتب الحزب التقدمي في المدينة. وخلال محاولتهم اقتحامه، صدَّ شباب الحزب هذا الهجوم، ثمّ لاحظنا وقوع اشتباكات خلف القوى المهاجمة في الشارع الرئيس، أو الطريق الدولية كما يسمّونها. وعلمنا أنّ بعض شبان القرية بقيادة علاّم ناصر الدين نصبوا للحزب كميناً كبيراً، سقط فيه قياديون كبار، وأبرزهم شخص معروف باسم “أبي الفضل”، قيل إنّه كان قائد عملية بنت جبيل ضد الجيش الاسرائيلي خلال حرب تموز 2006”.
ويضيف هذا العنصر قائلاً: “احتدمت المعارك كثيراً في حينه، وأوقف الحزب كلّ شابّ من الشويفات، كان في طريق عودته إلى منزله، على الرغم من أنّه لم تكن له أيّ علاقة بالاشتباكات. ثمّ بعد فترة وجيزة، بدأت الاتصالات، فهدأت الاشتباكات نسبيّاً”.
الرجل لم يعد مجرد شخص لديه مجموعة تؤمن بأفكاره بل تحول الى اسطورة ترويها أمهات الجبل لأطفالها في الليل والنهار. لقد تحوّل علام ناصر الدين هذا الشيخ الذي درس في احدى جامعات لندن إلى أيقونة
فشل معركة الشويفات، مضافاً إليه كمين معركة تلّة الـ888، كانا الحدّ الفاصل ما بين المواجهة ووقف إطلاق النار، حيث اندفع الجميع إثر ذلك إلى التفاوض والتهدئة: حزب الله، الأمير طلال أرسلان، ومعهما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وقد انقشعت المعركة عن ثلاثة عشر قتيلاً من مدينة الشويفات، عشرة منهم هم الشيخ علّام ناصر الدين ورفاقه، ليبقى السؤال هنا: كيف قُتِل علام ناصر الدين أو الداعي عمار؟
روايتان تتنازعان حول مقتل الداعي عمار:
الأولى: بعد تمكّن الداعي عمار ورجاله من إلحاق أذى كبير بمجموعات حزب الله المهاجمة، وتحديداً بغرفة القيادة الرئيسة، حيث قُتِل قائد فوج التدخّل لدى حزب الله ومساعده، إضافة إلى رئيس ما يسمّى بشعبة التذخير، هاجم الحزب المبنى الذي يتمترس فيه الشيخ علام ورفاقه، ونجح في اقتحامه بعد مقتل كلّ من في داخل المبنى.
الثانية: يرويها الكثيرون من أهالي دير قوبل والشويفات، ويتهامسون بها في جلساتهم، وتقول: بعد صمود الشيخ علام ورفاقه، توصّلت المفاوضات، التي رعاها الجيش اللبناني، إلى انسحاب الشيخ علام ومن معه باتجاه الشويفات بحماية الجيش اللبناني. وكما هو مخطّط، حضرت آليّتان للجيش إلى مدخل المبنى المذكور، وتواصل أحد الضباط مع الداعي عمار، الذي خرج من المبنى مع من بقي حيّاً من رجاله، ودخل ملّالة الجيش المتوقّفة هناك، وعندئذٍ انهمر الرصاص عليه من كل حدب وصوب ليسقط مضرجاً بدمائه هو وتسعة من رفاقه. وهم: الشيخ وسيم زين الدين، الشيخ نبيل قرضاب، الشيخ مالك زين الدين، الشيخ مرسل قرضاب، الشيخ ناصر قرضاب، الشيخ معن أبو فخر الدين، الشيخ كفاح حاطوم، الشيخ وائل بيطار، الشيخ هيثم خداج.
بين الروايتين وغياب أي مستند رسمي يدقّق بهما، تحوّل ضريح الداعي عمار (علام ناصر الدين) في دير قوبل إلى مزار يقصده أهل الحيّ وقياداته في الموعد نفسه من كل سنة. الرجل لم يعُد شخصاً لديه مجموعة تؤمن بأفكاره فحسب، بل تحوّل إلى أسطورة ترويها أمّهات الجبل لأطفالهن في الليل والنهار. لقد تحوّل علام ناصر الدين، هذا الشيخ الذي درس في إحدى جامعات لندن، إلى أيقونة معروفيّة، ومن يعرف أنّ الأيقونات عند بني معروف ليست لوحات، بل سير رجال، يدرك أهميّة ما انتهى إليه الشيخ علام ناصر الدين.
إقرأ أيضاً: 7 أيّار: يومَ أصابت بيروتُ قاتلَها في مقتلِه
*من هي جماعة الداعي عمار؟
نشأت جماعة الداعي عمار في السبعينيّات، وسُمّيت بجماعة الداعي عمار نسبة إلى مؤسّسها الشيخ علام ناصر الدين، وهو من كبرى عائلات بلدة دير قوبل. وقد لاقى إطلاق الشيخ علام على نفسه اسم الداعي عمار رفضاً عند غالبية الدروز، وفي مقدّمهم المشايخ الذين رأوا خطأ اتّخاذ علام ناصر الدين اسم الداعي عمار، الذي عاش في القرن الحادي عشر، ولديه منزلة مهمّة لدى طائفة الموحّدين الدروز. ووفقاً لموقع العمامة، الداعي عمار “هو حسن المغربي، وكنيته أبو يقظان. موطنه الأوّل البلاد الليبية، وعلى وجه التحديد مدينة طرابلس الغرب. وكان والده على شيء من الأهميّة في ليبيا، ولكنّ عماراً ترك موطنه، وجاء إلى مصر ودخل في دعوة مولاي بهاء الدين، التي ابتدأت في حدود عام 408 هـ، وانتهت في عام 435 هـ. فكان من أكابرها، وتدرّج في المراتب حتى أصبح داعيةً، وعُرف باسم الداعي المجيد أبي يقظان. وتميّز بشجاعته وتضحيته في سبيل الدعوة التي آمن بها وبالموحّدين من أهلها الذين ارتضاهم إخوةً ورفاقاً.