رَفَع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مؤتمره يوم الأحد لاءات عديدة في ملف تأليف الحكومة: لا استقالة لرئيس الجمهورية في مقابل عدم اعتذار سعد الحريري، لا تراجع عن تسمية القوى المسيحية للوزراء المسيحيين في الحكومة، لا نصف زائداً واحداً لخصوم العهد في الحكومة، لا لانتخابات نيابية مبكرة تعقب استقالة مجلس النواب كـ”آخر الخيارات” لسحب التكليف من الحريري… لكنّ “زبدة” كلام باسيل الحكومي المجاهرة بموافقة التيار على معادلة “الثلاث الثمانيات” على قاعدة، كما أوحى: “رضينا وما رضي سعد”.
وكما أكّد موقع “أساس”، قبل أيام، بأنّ دوائر القصر الجمهوري بدأت درس الاحتمالات المُمكِنة لسحب التكليف من الحريري، فقد عَكَسَ باسيل هذا التوجّه في مؤتمره من خلال الإشارة إلى استقالة مجلس النواب كـ”حالة وحيدة باقية للتفكير فيها من أجل سحب التكليف منه، فيُصبح تكليفه بلا وجود، لكنّ هذا يعني انتخابات مبكرة”.
ومثلما رفع الفيتو على الانتخابات الفرعية، رفع باسيل فيتو مماثلاً على مطلب الانتخابات النيابية المُبكِرة لسببين: عدم تغييرها معادلة الحكم القائمة بسبب النظام الطائفي، و”تعقيدها” الأمور الملحّة كملف الدعم والكهرباء وانهيار العملة، لأنّ الأولوية للإصلاحات، كما قال.
رَفَع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مؤتمره يوم الأحد لاءات عديدة في ملف تأليف الحكومة
لكنّ الأهمّ إشارة باسيل إلى أنّ الانتخابات في هذا التوقيت “ستُسبّب توتّرات كبيرة على الأرض مع خوفٍ من فلتانٍ أمني على خلفية الانهيار الاجتماعي”. وقد ذهب أبعد من ذلك بالإشارة إلى احتمال “تصادم” الأجهزة في الشارع بحكم الفرز السياسي القائم.
استنتاج توقفت عنده مرجعيات بارزة على اعتبار أنّ التوجّس من هذه التوتّرات والتداعيات الكارثية للأزمة القائمة قد يشكّلان حجّة لأيّ فريق سياسي، وليس فقط التيار الوطني الحر، للقفز فوق أيّ استحقاق دستوري مقبل.
لكن فعليّاً كلّ القوى السياسية من دون استثناء تهاب الانتخابات، مُبكِرة أو عامّة. فالأحزاب بمعظمها “تشرشحت” في الشارع، وظهر “نجوم” فرزتهم الأرض ينافسون السياسيّين الذين باتوا من دون مال ولا دولار. والمنطقة تعيش مخاضاً هائلاً. فالانتخابات الرئاسية السورية اقترب موعدها، وتليها الانتخابات الإيرانية في حزيران المقبل. والكباش الإيراني الأميركي مستمرّ، والموقف الخليجي والأوروبي من لبنان أحد أهمّ مفاصل هذا الكباش.
ومع سَرد هذه المسارات سنكون قد دخلنا الأشهر الأخيرة من عمر العهد في ظل أزمة كيانية ستنشغل خلالها القوى السياسية “بتوفير كراتين الإعاشة” لإطعام ناخبيها أكثر بكثير من انشغالها في إعداد تحالفاتها وإجراء حِسبة لحواصلها الانتخابية.
وحتّى الآن يبدو العهد مُمانعاً بوضوح للانتخابات النيابية الفرعية، التي تشمل تسعة مقاعد مسيحية من أصل عشرة، وللانتخابات النيابية المبكرة التي تشكّل ورقة الضغط الأقوى من القوات اللبنانية على رئيس الجمهورية، فيما انتخابات أيّار 2022 باتت في علم الغيب، مع توقّع تدحرج متسارع لحجر الأزمة المالية والمعيشية والاجتماعية، ينبئ بدخول نفق الفوضى الكاملة التي تسقط معها كلّ المحظورات.
استنتاج توقفت عنده مرجعيات بارزة على اعتبار أنّ التوجّس من هذه التوتّرات والتداعيات الكارثية للأزمة القائمة قد يشكّلان حجّة لأيّ فريق سياسي، وليس فقط التيار الوطني الحر، للقفز فوق أيّ استحقاق دستوري مقبل
تقول مصادر قريبة من باسيل إنّ “سحب التكليف تحت أيّ عنوان سيزيد الشرخ الداخلي. ومنذ البدء كنّا نريد من الحريري أن يتحمّل مسؤولياته وأن لا يعتذر. لكنّ هذه المعادلة محكومة بعامل الوقت الذي ضاق جدّاً. وإذا كان المقصود إبقاء العهد حتّى تشرين الأوّل من العام المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية، من دون حكومة، فهذا مشروع سنتصدّى له بكلّ الوسائل، ولا نعتقد أنّ المجتمع الدولي سيقبل به… وقبل تأليف الحكومة ما حدن يحكينا بانتخابات”.
وقد كان لافتاً إيحاء باسيل أخيراً أنّ أجواء محادثات الحريري مع الأميركيين (الأرجح أنّ المقصود هو ديفيد هايل) تصل “طازة” إلى اللقلوق. إذ كشف رئيس التيار عن طرح الرئيس المكلّف المعادلة الآتية أمام المسؤولين الأميركيين والأوروبيين: “Free hands في تأليف حكومتي، وإن لم تنل الثقة في مجلس النواب تتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال”.
إقرأ أيضاً: بعبدا “معزولة”: جبران الأحقّ بالرئاسة بعدي
هو واقع تنفيه مصادر الحريري، مشيرةً إلى أنّ “قواعد الحريري للتأليف باتت واضحة، وكلّ جولاته التي لم يسبق أن فعلها أيّ رئيس مكلّف آخر، نظراً إلى الظروف الاستثنائية، تصبّ في إطار تمهيد الأرض لورشة الإنقاذ فور تأليف الحكومة، من خلال فتح خطوط التواصل باكراً مع الدول القادرة على المساهمة في الحلّ المالي والاقتصادي”. وتقول هذه المصادر: “من سابع المستحيلات أن يمشي الحريري بحكومة تسقط في امتحان الثقة في مجلس النواب لتتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال”.
ولا ترى المصادر في “استمرار باسيل بالاستيلاء على المواقع، من رئاسة الجمهورية إلى وزارة الخارجية، وهو ما تُرجِم أمس من خلال المؤتمر الصحافي المشترك لوزير الخارجية السابق مع وزير خارجية هنغاريا، سوى “بَلعطة” باسيلية تكرّس الانحراف في المسار المُفترض اتّباعه لتأليف الحكومة، وإرساء سوابق لا مثيل لها”. وتؤكّد أنّ “معادلة باسيل باتت واضحة: الحكومة مقابل رفع العقوبات”، يعني لا حكومة ولا رفع عقوبات..