توسّعت دائرة التفسيرات الباحثة بين سطور خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حين نصر الله الذي استفاض في خوضه ضمن المسائل الداخلية وذهب في مواقفه إلى حدّ التحذير من حرب أهلية، ثمة من يجرّ اللبنانيين إليها، والتلويح بتعديلات دستورية صار لا بدّ منها لمعالجة الثغرات الواقعة في الدستوري، و”النصح” بالعودة إلى حكومة سياسية اذا أمكن… بعض من خصومه، وتحديداً “الحريريين”، اشتموا رائحة عرقلة إقليمية تلمسّها “حزب الله” في موسكو في ما خصّ الملف السوري، أملت على نصر الله اللجوء إلى الخطاب التصعيدي، فيما بعضهم الآخر وجد في تكبير حجر الأزمة، محاولة أخيرة لتحسين موقف الحليف “العوني” على طاولة المفاوضات.
لكن لبعض قوى الثامن من آذار قراءة مختلفة كلياً عن تلك التي يقدمها “تيار المستقبل”، ترتكز بشكل أساسي على مخاوف “حزب الله” مما قد تحمله التطورات على المستوى الداخلي وقد بلغت حداً غير مسبوق من الانهيار الذي قد يهدد الهيكل برمته، خصوصاً أنّ الاعتقاد السائد هو أنّ التسوية الخارجية قد تتأخر، وإلى حينه قد توضع الساحة اللبنانية في مهبّ الريح.
المهمات الملقاة على عاتق الحكومة العتيدة، دقيقة جداً سواء على مستوى مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي أو على مستوى القرارات التي قد تتخذها، فإنّ الحزب يخشى أن تكون الحكومة متفلّتة وغير مضبوطة، ولذا عاد وطرح فكرة الحكومة السياسية
يقول هؤلاء إنّ “حزب الله” يتعاطى مع المرحلة المقبلة بروحية المتحسس من انعدام الضمانات التي يقدمها عادة الحلفاء. فرئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يخوضان معركة مصير الأخير ومستقبله، وصار لهما حسابات مختلفة جداً لا سيما بعد وضع باسيل على لائحة العقوبات الأميركية. ولأنّ المهمات الملقاة على عاتق الحكومة العتيدة، دقيقة جداً سواء على مستوى مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي أو على مستوى القرارات التي قد تتخذها، فإنّ الحزب يخشى أن تكون الحكومة متفلّتة وغير مضبوطة، ولذا عاد وطرح فكرة الحكومة السياسية، أو بالحد الأدنى التكنوسياسية، لا سيما وأنّ الأوروبيين صاروا أكثر مرونة في ما خصّ معايير الحكومة ولم تعد شروطهم محصورة بحكومة اختصاصيين.
ولكن ماذا يعني هذا الطرح؟
بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ باسيل هو من أكثر المتحمّسين إلى حكومة من هذا الصنف، لكنه كان يخشى تسويقها لأنّ “حزب الله” لم ينطق بهذا الكلام، إلى حين فعلها نصر الله. في المقابل، فإنّ الحريري متمّسك بحكومة اختصاصيين لا ثلث معطّلاً فيها. وهذا ما يجعل من المعادلتين خطان متوازيان لا يلتقيان. وبالتالي، فإنّ اللقاء المنتظر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اليوم في بعبدا، مرجّح لينتهي إلى “صفر نتيجة”، بسبب إصرار الفريقين على عدم تقديم أي تنازلات.
ومع ذلك، قاد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط محاولة “الخرطوشة الأخيرة”، كما يقول المطلعون على موقفه. وفق هؤلاء، المعطيات الموضوعة في جيب جنبلاط لا تشي بإمكانية تحقيق خرق في الجدار الحكومي لكنه قام بما تمليه عليه “طبيعته السياسية”. خصوصاً أنّ الرجل يدرك بأنّ التطورات الخارجية تستدعي أن لا يكون على ضفّة الخصومة ضدّ أي فريق. ولهذا عمل الرجل على تسوية يراها باتت أكثر من ضرورية. التفسير الوحيد المتاح لدى المطلعين على موقفه، إزاء حركته السياسية، هي خشيته من التطورات الميدانية، وهي أشبه بنار تحت الرماد، لأنّ الجوع لا يرحم ومن شأنه أن يطيح بكل شيء.
قاد رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط محاولة “الخرطوشة الأخيرة”، كما يقول المطلعون على موقفه. وفق هؤلاء، المعطيات الموضوعة في جيب جنبلاط لا تشي بإمكانية تحقيق خرق في الجدار الحكومي
ولهذا فتح الرجل ممرات الحوار مع مختلف القوى السياسية من باب تطويق أي أحداث قد يشهدها الشارع. وذهب في طرحه التسوية إلى حدّ تحريرها من أي شروط قد توضع من جانبه. بمعنى إذا جرى الاتفاق على حكومة 18 وزيراً فهو لن يمانعها، واذا تمّ توسيعها فهو لن يقف حجر عثرة أمام اتفاق قد يعطي خصمه الدرزي وزيراً، خصوصاً أنّ الروس كما الفرنسيين يشجّعون على التسوية لقيام الحكومة.
وعلى هذا الأساس قصد قصر بعبدا تحت عنوان الترويج لتسوية تُنزل الفريقين عن الشجرة، على قاعدة لا غالب فيها ولا مغلوب، بمعنى أن لا تكون على حساب فريق دون الآخر، خصوصاً أنّه قرّر النظر إلى النصف الملآن من خطاب نصر الله، بمعنى التعاطي مع طرح الحكومة السياسية على قاعدة أنّها نصيحة وقد يتجاوزها “الحزب” اذا توافقت بقية القوى على حكومة اختصاصيين. وتشير المعلومات إلى أنّ رئيس الجمهورية أبدى تحسّسه من خطورة عدم قيام حكومة لكنّه لم يعط جواباً نهائياً بشأن المبادرة الجنبلاطية، ولم يكن أبداً سلبياً. مع العلم أنّه أبلغ الحريري قبل 24 ساعة من لقائه جنبلاط أنّه يريد 8 وزراء في حكومة الـ20، هم 6 مسيحيين، يُضاف إليهم وزير الطاشناق والوزير الدرزي الثاني الذي سيسمّيه طلال أرسلان، و7 في حكومة الـ18، يحذف منهم الوزير الدرزي الثاني.
الأهم من ذلك كله، تهويل “حزب الله” بعصا التعديلات الدستورية. يقول المواكبون للحراك الحكومي إنّ “الحزب” أعاد التلويح بهذه الفزاعة، وهو الذي يعرف جيدًا أنّ الظروف الحالية ليست مؤاتية، ليقنع الآخرين، وتحديداً رئيس الحكومة المكلّف، بأنّ الرهان على الوقت لن يكون لمصلحته، ومن الأفضل حسم الحكومة اليوم قبل غد.
إقرأ أيضاً: ثنائية عون – الحريري خارج الخدمة: لا اعتذار ولا استقالة.. بل مهوار!
هذا كلّه تم تتويجه ليلاً لكلام وزير الداخلية محمد فهمي، الذي كشف عن أنّ “جهات استخبارية تحرّك الفتنة”، و”عندما أقول إنّ الوضع الأمني تلاشى فأنا أتكلم بصدق وأدقّ ناقوس الخطر”.