لا يختلف اثنان على أنّ ميشال عون عنيد. الرجل يجمع براغماتيّة وصوليّة، إلى عناد شخصي تتفاقم حالته مع أيّ تهديد لما يفترض أنها حصصه بل “أملاكه” في المنظومة، خصوصًا إذا تعلّق الأمر بشخصه، أو بصهره، بما يمثّله هذا الصهر من مرآة لأناه المتضخّمة.
والرئيس العنيد، يُظهر عناده أكثر ما يُظهره، حينما يتعلق الأمر بنفسه و”طموحه” وعائلته ومستقبلها السياسي، ولا يُظهر أيّ عناد في ما يتعلق بالناس ومصير “شعب لبنان العظيم”، و”جحيم” مستقبلهم الذي “بشّرهم” به. وهو إذ يخصّص كلمة، كما وزّع القصر، لمخاطبة اللبنانيين، يتبدّى أنّ الكلمة مخصصة لمخاطبة الرئيس المكلف سعد الحريري، وهي معدّة مسبّقًا و”ممنتَجة” ومحدّد وقتها بـ4 دقائق و7 ثوانٍ، كما وزع المسؤول الإعلامي في القصر “رفيق شلالا” تفاصيلها اللوجستية على الإعلاميين مسبّقًا، للمساعدة في برمجة النشرات الإخبارية، وبثّ الكلمة في وقت متزامن بين جميع المحطات، لتبدو وكأنها مباشرة، وغير مسجّلة، فيما بات اللبنانيون يعرفون جيدًا أنّ رئيسهم غير قادر على الكلام المباشر من دون توليف.
ومع أنّ الكلمة يُفترض أنها مخصّصة للتوجّه إلى اللبنانيين في محنتهم التي أوصلهم إليها عهد عون نفسه، إلّا أنّ الرئيس بالكاد أتى على ذكر اللبنانيين، إلّا من باب الاعتداد بنفسه، والكلام عن صبره وتحمّله، هو الذي “آثر الصمت” إفساحًا في المجال أمام المعالجات على مختلف المستويات، على حدّ قوله.
View this post on Instagram
والرئيس “الصامت”، كما يزعم، تكلم مرات ومرات، وكلما فتح فمه للكلام، تطاير منه لهب، كتنانين الأساطير، ليحرق ما تبقى من أثر لأيّ أمل مستقبليّ بالنجاة. فهو فتح فمه مرة ليقذف بحِمم الجحيم على اللبنانيين، في كلمة لا يمكن لرئيس جمهورية طبيعي أن ينطق بها، إلا إذا كان سيعقبها باستقالة. لكنّ “الرئيس القوي” لا يستقيل، بل يبقى وإذا “الناس مش عاجبهم يفلّوا”، كما قال لنقولا ناصيف وسامي كليب في مقابلته الأولى بعد 17 تشرين 2019. وهو سرّب فيديو لثرثرة بينه وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، تحمل نميمةً ضد الرئيس المكلف سعد الحريري، ويصفه خلالها بأنّه “كذّاب”. وهو ذكّرنا، بتصريح أخير، بعد اجتماع أمني قضائيّ مالي، بعِناده الذي يعود إلى العام 1989، والذي أوصل البلاد حينها إلى الخراب، وأوصله إلى السفارة الفرنسية، ومنها إلى المنفى.
مع أنّ الكلمة يُفترض أنها مخصّصة للتوجّه إلى اللبنانيين في محنتهم التي أوصلهم إليها عهد عون نفسه، إلّا أنّ الرئيس بالكاد أتى على ذكر اللبنانيين، إلّا من باب الاعتداد بنفسه، والكلام عن صبره وتحمّله
والرئيس الصامت، بحسب ادّعائه، يريد من الرئيس المكلّف أن يستقيل، غير منتبهٍ إلى أنه “حامي الدستور”، الذي يعطي شرعية التكليف بأصوات النواب، ولهم وحدهم يعود قرار سحب التكليف، إذا أجمعوا.
كل هذا الكلام، والرئيس في كلمته التي يتوجه فيها بوضوح إلى الرئيس المكلف، طالبًا تنحّيه، يحاول إقناع اللبنانيين أنه “آثر الصمت”، بعد “نشرة أخبار” أذاعها عن الوضع الاقتصادي والمعيشي، بدأها بـ”كل شيء يهون أمام معاناتكم”، لينتهي إلى أنه ما من فائدة من “كل المناصب وتقاذف المسؤوليات، إن انهار الوطن وأصبح الشعب أسير اليأس والإحباط”، بعد أن أكمل في عِناده، ورمى كامل المسؤولية على الرئيس المكلف، رافضًا أن يعترف بدوره الكارثي في إدارة البلاد بالعِناد.
إقرأ أيضاً: جبران… سياسي الأنبوب
كل شيء يهون، إلّا كرسيّ الرئاسة، التي لا يمانع الرئيس أن تحترق البلاد عن بكرة أبيها، شرط أن يبقى جالسًا عليها، غير آبِهٍ بغضب الناس. لكنّ الشعوب على ما يقول “أحمد فؤاد نجم”، بنت كلب ولئيمة، وتقدر تهزّ العروش في ثواني.
طيب كان يبعتلو شي واتساب للحريري ????
— Naim Halawi (@NaimHalawi) March 17, 2021