أمس سمعنا أسماء شوارع قطعها محتجّون كانت تُقطع في مفاصل محدّدة، حين يريد حزب الله التدخّل في “لعبة الشارع”، أو التأثير على مسارات ثورة 17 تشرين، أو قبلها أو بعدها. ومن محاسن الصدف أنّ هذه الشوارع تقع في المنطقة الأمنية التابعة لحزب الله، بشكل مباشر.
نبدأ من قطع طريق صيدا القديمة، ثم قطع الطريق أمام الجامعة اللبنانية في الشويفات – الحدت والخندق الغميق وزقاق البلاط وأوتوستراد الأسد على مدخل بيروت الجنوبي، مرورًا بالمشرّفية (حاول مدنيون التظاهر فيها العام الفائت وتعرّضوا للاعتداء) وكنيسة مار مخايل، وصولًا إلى النبي شيت، بالإضافة إلى صور ومدخل النبطية.
كذلك كان المحتجّون في وسط بيروت يوجّهون التحيات إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبعضهم تعرّضوا كلاميًّا لمراسلة mtv وشتموا المحطّة.
جاءت تعليمات #حركة_أمل ورفع #حزب_الله الغطاء. الثنائي يضغط في الشارع على الحليف الرئاسي
وتم الاعتداء على قناة الجديد بشخص غدي بو موسى والمصور المرافق و @SawtBeirut
بشخص ربيع شنطف والمصور.بالصوت والصورة “فلّوا من هون نحنا مش ثوار يا *****”#الصحافي_مش_مكسر_عصاpic.twitter.com/17sPnCfbss
— Mariam Majdoline Lahham | مريم مجدولين اللحام (@Majdolineblog) March 2, 2021
ويعرف كثيرون أنّ الحزب بات قادرًا على تحريك مجموعات كبيرة في مناطق مختلفة. من طرابلس التي بات له وللأجهزة الأمنية التي تدور في فلكه، قدرة عالية فيها، كما ظهر في الأحداث الأخيرة خلال إحراق مبنى البلدية ومبنى المحكمة الشرعية. وقد تبيّن أنّ محرّكي الاعتداءات من بقايا سرايا الحزب في البقاع، ومن محازبي “سبعة”، طبعًا إلى جانب الهبّة الشعبية التي تترافق عادةً مع تحرّكات كهذه.
حتّى في جل الديب وجونية والدورة، تؤكد المعلومات أنّ “القوات اللبنانية” كانت “خارج” ما جرى، وكانت التحرّكات مريبة بالنسبة لبعض القواتيّين. وليس خافيًاا على أحد أنّ “حزب سبعة” بات قادرًا على تحريك بعض المجموعات في المناطق المسيحية، إلى جانب المجموعات التي تأتمر من بعض الأجهزة، ومجموعات من “حماة الديار”، الذراع المسيحي المكتوم للحزب.
كان المحتجّون في وسط بيروت يوجّهون التحيات إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبعضهم تعرّضوا كلاميًّا لمراسلة mtv وشتموا المحطّة
كلّ هذا ترافق مع “صدمة” العشرة آلاف ليرة التي ضربت اللبنانيين، بالتزامن مع احتقان شعبي كبير، يحتاج إلى “فتّيشة” في كلّ منطقة كي تستعر النيران الشعبية. فما بالك بالتلفزيونات التي فتحت الهواء باكرًا، وأقفلت الهواء في اللحظة نفسها قرابة 11 ليلًا.
وفي بيروت، من المدينة الرياضية إلى السوديكو وكورنيش المزرعة، اختلط حابل الثوّار بنابل شباب متحمّسين من الطريق الجديدة وبربور، في وقت واحد، كما في مناطق بقاعية اختلط فيها حابل من كانوا في صفوف الثوّار، بنابل بعض قدامى “السرايا”، وكذلك حصل في بعض مناطق الجبل، ممن ينتظرون فرصة كهذه كي يتحرّكوا ويقطعوا الطرق في محاولة لإحياء الثورة.
أما الجيش اللبناني فقد اكتفى بالمراقبة، في حين كان يتدخّل بشكل عنيف في الأشهر الفائتة لمنع قطع الطرق. وقد بدا واضحًا أنّه اكتفى بالمراقبة ومتابعة سير الأمور، أمام المعلومات عن تحرّكات في كلّ لبنان تقريبًا، وفي لحظة واحدة، من البداية إلى الختام، بما يتجاوز قدرة طرف عاديّ، وبما يتجاوز “الصدفة” أو “غضب الأهالي”.
خطّ أحمر: تحرّك عفوي
الناشط في “خطّ أحمر”، وضّاح الصادق، له رأي مخالف لما سبق إذ قال لـ”أساس” أنّ التحرّكات عفوية: “مجموعات الثورة لم تدعُ إلى أيّ تحرّك. الناس هي التي دعت ونزلت في مناطق مختلفة”.
وفيما يعزو الصادق هذا الحراك إلى الضغط الاقتصادي الكبير، يعتبر في المقابل أنّ “الناس تأخروا من الطبيعي أن نجد اليوم كلّ لبنان على الأرض. ولا حاجة لتنظيم أيّ حراك، فماذا سينتظر الشعب أكثر؟ لا حكومة في الأفق ولا حلول؟”.
مجموعات الثورة لم تدعُ إلى أيّ تحرّك. الناس هي التي دعت ونزلت في مناطق مختلفة
إلى ذلك يؤكد الصادق أنّ المجموعات لم تتوقّف عن التواصل، موضحًا أنّ “المجموعات اندمجت في تحالفين، كلّ تحالف يضم أكثر من 10 مجموعات. والتحالفان على تواصل وتنسيق لتسريع العمل وهناك اجتماعات تعقد بشكل دوري”، مضيفًا: “التحالف الذي نحن فيه، يضم إلى جانب خط أحمر، كل من مجموعات: لقاء تشرين، ونبض الجنوب، وحزب الكتائب، وتقدّم، ورابلز، وحركة الاستقلال.. ونحن نجتمع منذ حوالى 4 شهور، ونهدف لتشكيل جبهة للمعارضة السياسية تتفق على كل المبادئ، وجزء من عملنا هو المساهمة في إحداث تغيير عبر الانتخابات. نحن لم نبدأ العمل الجِدّي بعد، ونعمل حاليًّا على إنهاء ورقتنا السياسية والتي سنعلن عنها قريبًا، وطبعاً برأينا التغيير يبدأ من الانتخابات، وعلى الشعب أن يعي أنّ صوته يُحدث فرقًا وألا يقاطع”.
وفي ما يتعلق بالتحالف الآخر، يوضح الصادق أنّهم على تنسيق، وهناك توافق على الأهداف نفسها. أما عن تحرّك الأمس الحاصل وإن كان سيستمرّ، يعتبر الناشط في “خطّ أحمر”، أنّ “من الصعب جدًّا توقّع الناس، ولكنّ المنطق يقول بتصاعد التحركات وبتوسّع الساحات، ومن الواضح أ لا حلّ اليوم. في المرحلة الأولى حين نزلنا إلى الشارع كانوا هم الأقوى، هم يملكون السلاح والمال ووسائل الإعلام، ولديهم وسائل القمع والاتهام بالعمالة ورفع السقف، ويتحكمون بالقضاء والقوى الأمنية، هم يسيطرون على شبكة كبيرة في البلد، وكذلك أتت أزمة كورونا. اليوم الناس اقتنعت أنّ الشارع هو الذي سيتحرّك، ومن المفترض أن نشهد وتيرة تصاعدية، وأتمنى من الشعب الذي كان ضدّنا، أن يكون قد أصبح لديه قناعة اليوم أنّ أحزابهم وزعماءهم الذين تمسكوا بهم في السابق، تخلّوا عنهم اليوم وتركوهم يغرقون بالفقر هم وعوائلهم”.
في المقابل يؤكد مسؤول “حراس المدينة” أبو محمود شوك، أنّ “التحركات في طرابلس كانت متوقعة وجاءت في وقتها”، مشيرًا لـ”أساس” إلى أنّه ضدّ إغلاق الطرقات الداخلية: “إن كان ولا بدّ فليُغلقوا الطرقات الخارجية”.
ويشدد شوك على أنّ “التظاهرات اليوم أكثر من منطقية، فالذين نزلوا إلى الشارع هم أبناء المناطق الفقيرة والمتعبة، هم أناس لديهم وجع”.
من الصعب جدًّا توقّع الناس، ولكنّ المنطق يقول بتصاعد التحركات وبتوسّع الساحات، ومن الواضح أ لا حلّ اليوم
هل ستستمر هذه التحركات؟ يجيب مسؤول حراس المدينة: “وفق معلوماتي سوف تستمر، وما نراه ليس فورة بالمبدأ. فالدولار وصل إلى 10 آلاف، وهؤلاء الناس لا يملكون الدولار وليس لديهم مغتربون يرسلون إليهم الدولارات. ولو كانوا يملكونه لعضّوا على الجرح. ببساطة الناس اليوم تشعر بالاختناق”.
ولا ينفي أبو محمود شوك خوفه من استغلال الشارع: “للأمانة نتخوف. ونحن نعقد اجتماعات لتوعية الشبّان كي لا تحصل اختراقات. لهذا طلبت عدم إغلاق الطرق الداخلية كي لا نصل إلى إشكال مسلّح. وأنا من جهتي سأتواصل مع كل الشبان الذين يغلقون الطرقات كي لا ينجروا إلى أيّ إشكال نحن في غنى عنه”.
إقرأ أيضاً: الثورة تكتشف الحزب: السلاح يستبيح الدولة ويمنع التغيير
الأجواء في صيدا مختلفة، فاليأس يسيطر على ناشطيها، هذا المناخ الذي ينقله إلينا الناشط في مجموعة “صيدا تنتفض” فؤاد بسيوني، موضحًا في حديث لـ”أساس” أنّ “التحركات بوتيرة خجولة والعدد قليل… أنا شخصًّا وصلت إلى مرحلة يأس”. ويضيف: “كنّا نتواصل ونلتقي كمجموعات بين الآونة والأخرى. لكن للأسف نحن وصلنا إلى طريق مسدود، الشعب لا يتقبل قيادات جديدة وفي الوقت نفسه لا يمكن الاستمرار خلف القيادات الموجودة اليوم. ربما نحتاج إلى زلزال أكبر من وصول الدولار إلى 10 آلاف كي نتحرك”.
من جلّ الديب تتحدّث الناشطة في مجموعة “ثوار جل الديب” لـ”أساس”، باسكال نهرا، موضحة أنّ عدد المتظاهرين وصل إلى 700 ثم تراجع إلى 300. وتلفت إلى أنّ “المناخ العام يوحي باستمرار التحرّكات. لكنّ كثيرين يتردّدون في المشاركة بسبب انتشار فيروس كورونا وارتفاع أعداد الإصابات”.