هناك من اعتبر الخطوة التي أقدم عليها البطريرك الكاثوليكيّ يوسف العبسي، خلال اجتماع الهيئة التنفيذيّة للمجلس الأعلى للروم الكاثوليك، ردّة فعل انفعالية سرعان ما ستهدأ لتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، من خلال إجراء الانتخابات المتنازع عليها ولو بعد تأجيلها قليلًا بحجة الإقفال العام. وهناك من يرى فيها مقدّمة لتعديل النظام الداخلي للمجلس الأعلى، وإعادة رسم دوره ومهامه، بعدما نخرت السياسة عظامه وفرّغته من مضمونه… لكن مهما اختلفت تفسيرات الخطوة، لا يمكن تجاوز حقائق باتت مثبّتة، وثّقها بيان البطريرك الذي صدر أمس، ويُفترض أنّه خطّه بأعصاب هادئة، وإن عبّر عن غضب العبسي مما بلغته أمور الطائفة.
أكثر من نقطة معبّرة لفت إليها البيان، أهمها:
– تأكيد البطريرك أنّ “المجلس لم يعد الناطق الرسمي باسم الطائفة ولا الممثل لها في لبنان”، وهذا ما يُعتبر بمثابة نزع الشرعية الكنسية والمعنوية عن المجلس الأعلى الذي يرأسه البطريرك.
– إشارته إلى أنّ “البطريركية ستشهد قريبًا ورشة عمل هادفة إلى ضخّ دمّ جديد في أوصال الطائفة الغنية بطاقاتها ورجالاتها وشبابها، واستخدام هذه الطاقات لخير أبناء الطائفة والوطن، وليس للتنافس السياسي والشخصيّ”.
وهذا ما يعني أنّ العبسي في صدد استبدال المجلس الأعلى بآلية تعاون جديدة مع أبناء الطائفة، وفي صيغة جديدة يُفترض أن ترث المجلس الأعلى الذي مزّقته خلافات السياسيين، ممن يتّخذون منه منبرًا ومنصة “للوجاهة”، من دون أن يقوموا بأيّ دور فعّال أو مفيد للطائفة وأبنائها.
هناك من اعتبر الخطوة التي أقدم عليها البطريرك الكاثوليكيّ يوسف العبسي، خلال اجتماع الهيئة التنفيذيّة للمجلس الأعلى للروم الكاثوليك، ردّة فعل انفعالية سرعان ما ستهدأ لتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي
في الواقع، وعلى الرغم من الصخب الذي رافق مرحلة الترشيحات إلى الهيئة التنفيذية، فالخلافات التي نُشرت على “سطوح” الكاثوليك واللبنانيين، وحالة القرف التي عبّر عنها البطريرك في كلامه أمام أعضاء الهيئة التنفيذية، هي ما دفعه إلى إعلان استقالته عبر بيان مكتوب، قبل أن يتبيّن أنّ هذه الاستقالة لا تجوز كون رئاسته للمجلس مرتبطة بموقعه لا بشخصه… رغم كلّ هذا، هناك من يرى أنّ جولة الاشتباك الأخيرة، ستنتهي إلى تأجيل موعد الانتخابات. وهي كانت واحدةً من النقاط الخلافية بين الكاثوليك، تمهيدًا للعمل على اتفاق على مرشح وسطيّ. على أن يسحب كلّ من الوزيرين السابقًيْن سليم جريصاتي وسليم وردة عن حلبة المنافسة، ثم تتولّى الهيئة التنفيذية الجديدة مهمة تعديل النظام الداخلي، على اعتبار أنّ الهيئة الحالية منتهية الولاية، وهي تقوم بتصريف الأعمال منذ شهر تشرين الثاني الماضي.
يستند هؤلاء إلى النظام الداخلي للمجلس، كونه جمعيةً مسجّلة في وزارة الداخلية وفق علم وخبر، ويحتّم على ثلثَي أعضاء الهيئة العامة الاستقالة لكي يُعتبر منحلًّا. وثمة آلية قانونية يُفترض اتّباعها. وقد أشار البطريرك في بيانه إلى هذا المُعطى القانوني. وكان النقاش ليل الأربعاء الكاثوليكي العاصف، قد تطرّق إليه قبل أن يتمكّن المجتمعون من إقناع العبسي بأنّ استقالته غير ممكنة قانونًا، ما دفعه إلى استبدالها بتعبير “رفع الغطاء الكنسي”. وقد أشار إلى أنّه سيتشاور مع مطارنة الطائفة حول آليات المعالجة. وتبيّن أنّ العديد من المطارنة لم يكونوا على بيّنة من قرار العبسي، وأنّهم تفاجأوا بما تسرّب من أجواء الاجتماع.
وبالفعل، كما أبلغ العبسي أعضاء الهيئة التنفيذية، فقد وجّه أمس كتبًا إلى مطارنة الطائفة، يطلعهم على ما جرى في الاجتماع وما آلت إليه الأمور، سائلًا إيّاهم عن رأيهم في المجلس ودوره.
يستند هؤلاء إلى النظام الداخلي للمجلس، كونه جمعيةً مسجّلة في وزارة الداخلية وفق علم وخبر، ويحتّم على ثلثَي أعضاء الهيئة العامة الاستقالة لكي يُعتبر منحلًّا
في المقابل، يرى بعض أعضاء الهيئة التنفيذية، خصوصًا ممن عبّروا عن استيائهم ممّا بلغته أمور المجلس الأعلى، أنّ خطوة العبسي أكثر من معبّرة، وسواء كانت استقالة أو رفع غطاء، إلّا أنها تعني نتيجة واحدة: حلّ المجلس الأعلى معنويًّا. إذ لا يجوز لأيّ عضو في المجلس الأعلى أن يتمسك بعضويته طالما أنّ رئيس المجلس “بريء” من رئاسته. ويؤكدون أنّ ما أقدم عليه العبسي لم يكن نتيجة نوبة غضب، وإنما نتيجة تفكير مطوّل وخلاصة تقييم عميق لدور المجلس الأعلى وطبيعة تركيبته ومهمته.
إقرأ أيضاً: هل ينسف البطريرك العبسي المجلس الأعلى للكاثوليك؟
وتكشف معلومات “أساس” عن توجه البطريرك الكاثوليكي إلى إعداد آلية قانونية تنهي المجلس الأعلى، وتحول في المقابل دون لجوء أيّ شخصيات كاثوليكية لتسجيل علم وخبر لجمعية أخرى تدّعي النطق باسم الطائفة.
فهل سيتمكّن السياسيون من ردعه عن مشروعه؟ أم إنّ لجوءه إلى بيان مكتوب كان يهدف إلى قطع طريق العودة؟