في الوقت الذي تراجع نسبياً الحديث الأميركي عن مطلب توسيع المشاركة في الاتفاق النووي إلى جانب السداسية الدولية الراعية للاتفاق لتشمل دولا شرق أوسطية وتحديداً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة… ارتفع مستوى التمسك الفرنسي بهذا المطلب وتجاوزه إلى التأكيد على شرط وضع ملفي البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي الإيراني على طاولة أي تفاوض مستقبلي مع النظام الإيراني، عززه البيان المشترك لوزيري خارجية اميركا أنتوني بلينكن ووزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الأخير حول أزمة التفاوض النووي والوضع اللبناني وضرورة الدفع بالمبادرة الفرنسية المتعلقة بلبنان نحو الحلّ.
في المقابل، يبدو أنّ الطموح الفرنسي، خصوصاً لدى الرئيس إيمانويل ماكرون، لتفعيل مبادرته اللبنانية، تصطدم بالكثير من العوائق في جهود إقناع الأطراف المعنية أو التي تمتلك القدرة على التأُثير في الوضع اللبناني لتقديم التسهيلات المطلوبة المساعدة في التوصل إلى المعادلة المطلوبة لتشكيل حكومة جديدة، مع ما يرافقها من بحث آليات المساعدات الاقتصادية والمالية لمنع الانهيار.
ليس خافياً على جميع الأوساط السياسية والمتابعة أنّ مبادرة ماكرون وصلت إلى نقطة معقدة على المستوى المتعلقة بالرهان على تعاون سعودي، عبّر عنها التوضيح الذي خرج به قصر الإليزيه مؤخراً معلناً عدم وجود أي زيارة مبرمجة على جدول أعمال الرئيس ماكرون إلى المملكة العربية السعودية في المرحلة المقبلة في ظلّ جائحة كورونا. ويُضاف إلى هذا زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى باريس.
يبدو أنّ الطموح الفرنسي، خصوصاً لدى الرئيس إيمانويل ماكرون، لتفعيل مبادرته اللبنانية، تصطدم بالكثير من العوائق في جهود إقناع الأطراف المعنية أو التي تمتلك القدرة على التأُثير في الوضع اللبناني لتقديم التسهيلات المطلوبة
الموقف الإيراني لم يتأخّر في الرد على المسعى الفرنسي؟ وهو موقف يقوم على إحباط الطموحات الفرنسية في توظيف المستجدّ السياسي بين طهران وواشنطن لتكريس دور فرنسي على حساب إيران ودورها في المنطقة. فكانت تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني التي توجّت مواقف رئيس إدارته الدبلوماسية محمد جواد ظريف، برفض أي تعديل على الاتفاق النووي، خصوصاً أي محاولة لإدخال شركاء جدد على معادلة مجموعة دول 5+1 والضغط لإشراك السعودية والإمارات وحتى في مرحلة لاحقة إسرائيل بحيث تتحوّل إلى مجموعة 5+3.
هذه المواقف تضع مبادرة ماكرون اللبنانية أمام أسئلة حقيقية حول الدور الفرنسي، وحتى رهانات الرئيس الفرنسي الطامح للتعاون مع الرياض انطلاقاً من قراءتين:
الأولى تقوم على مبدأ تدارك الخطأ التاريخي باستبعاد الدول العربية عن المفاوضات التي جرت مع إيران حول ملفها النووي والاكتفاء حينها بوضع الدول العربية والسعودية تحديداً في أجواء ما يجري بشكل مدروس يخدم أهداف الإدارة الأميركية من دون التمسك بالتأكيد على المخاوف العربية، وبالتالي فإنّ الإعلان عن الرغبة بإعادة إشراك هذه الدول في المفاوضات الجديدة قد يدعم جهود الضغط على إيران للحصول منها على تنازلات في سياق الشروط الجديدة والسعي لفتح ملفات النفوذ الإقليمي والبرنامج الصاروخي التي تشكل مصادر قلق لهذه الدول من الطموحات الإيرانية.
والثانية تسعى لتليين موقف الرياض السلبي من الأزمة اللبنانية من أجل المساعدة في دفع المبادرة الفرنسية للحل في لبنان إلى الأمام، خصوصاً بعدما سمع عدم اهتمام ولي العهد السعودي بالوضع اللبناني الذي يسيطر ويهيمن عليه حلفاء إيران.
هذه المواقف تضع مبادرة ماكرون اللبنانية أمام أسئلة حقيقية حول الدور الفرنسي، وحتى رهانات الرئيس الفرنسي الطامح للتعاون مع الرياض
من جهة أخرى يدرك الرئيس الفرنسي أنّه من دون تعاون إيراني في الموضوعين السابقين (اللبناني والتفاوضي) من الصعب تحقيق أي تقدم. خصوصاً أنّ طهران لا ترى في موقفه السابق حول مشاركة حزب الله في أي حكومة مقبلة في لبنان موقفاً استراتيجياً منها، في ظلّ تأكيد طهران على استقلالية القرار اللبناني واستقلالية حليفها فيما يتعلق بآليات أيّ حلّ يخرج لبنان من أزمته. لأنّ إيران تعرف أنّ حزب الله لا يمكن أن يساوم على أيّ حلّ قد يرتدّ سلباً على موقفها التفاوضي في الإطارين النووي والإقليمي. فضلاً عن أنّ “سياسة الابتزاز” الفرنسية كما تصفها إيران، لا تقتصر فقط على التعامل معها من أجل الحصول على تسهيلات في لبنان إلى جانب شراكات اقتصادية كبيرة وحقيقية تضمن عودة الشركات الفرنسية التي غادرت إيران بعد عقوبات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. يضاف إلى هذا سعي باريس للحصول على ضمانات للاستثمار في قطاع الغاز في إيران ولبنان عبر شركة “توتال”. بل تنسحب سياسة الابتزاز هذه، بحسب طهران أيضاً، على التعامل مع الهواجس السعودية من أجل الحصول على صفقات تجارية خاصة بعد الاتجاه الذي ذهبت إليه إدارة بايدن ومعها بعض العواصم الغربية بوقف توريد الاسلحة إلى السعودية.
إقرأ أيضاً: طهران وموسكو وإعادة التموضع
بعض الأوساط الإيرانية ترى أنّ الأساليب الفرنسية المعتمدة في موضوع الاتفاق النووي لن توصل إلى أي نتيجة بعدما أكدت طهران تمسكها بشروطها في مواجهة الشروط الأميركية، وتذهب هذه الأوساط إلى أنّ الدور الفرنسي بات هامشياً في المرحلة المقبلة، نتيجة عدم اتخاذه خطوات جدية لمساعدة إيران على تجاوز أزمة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب. بالاضافة إلى أنّ جميع الأطراف تدرك وتعلم أنّ حلّ الأزمة القائمة سبيله حوار إيراني أميركي مباشر، وأنّه في حال توصل الطرفين إلى تفاهمات واتفاقيات، ستدفع الأطراف الأخرى للدخول في هذه التفاهمات والالتزام بها.