على العكس من أجواء الترحيب والإرتياح التي أظهرتها بعض الأوساط الإيرانية، يبدو أنّ أجواء التردد والتشكيك في هذه الأجواء لم تستغرق الكثير من الوقت للتحول إلى حالة من الترقب ممزوجاً بنوع من القلق وبصعوبة الإنتقال إلى إنفراج سهل فيما يتعلق بأزمة العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة. تلك التي لم تتردد في المسارعة للإعلان عن شروطها في التعامل مع الأزمة الإيرانية والتي لا تختلف كثيرا عن شروط الرئيس السابق دونالد ترامب، وإن كانت بأسلوب ولغة مختلفة وأقل استفزازية.
أجواء الإرتياح هذه عكستها أوساط رئيس الجمهورية حسن روحاني مع اللحظات الأولى لحسم نتائج الإنتخابات الأميركية وتولي جوزيف بايدن إدارة البيت الأبيض والرئاسة الأميركية، بالتزامن مع رفع مستوى الرهانات بحدوث تطورات إيجابية تساعد على الخروج من عنق العقوبات التي تحولت إلى ما يشبه الحرب الاقتصادية.
موقف إدارة بايدن من الملف الإيراني، وعودة طهران للتمسك بموقفها الرافض للضغوط الأميركية وشروطها لإعادة إحياء الإتفاق النووي، جاء بالتزامن مع ارتفاع منسوب القلق الروسي أيضاً من السياسات المتوقعة للإدارة الأميركية الجديدة وحجم التحديات التي قد تفرضها على قيادة الكرملين في المرحلة المقبلة، خصوصاً وأنّ الموقف الروسي ذهب إلى توجيه أصابع الاتهام المباشر إلى واشنطن بالوقوف وراء تحركات المعارضة، بالإضافة إلى مخاوف موسكو من مرحلة جديدة من التعامل الأميركي مع الملفات الدولية، خصوصاً في الشرق الأوسط التي تشكّل مناطق اشتباك بينهما.
أجواء الإرتياح هذه عكستها أوساط رئيس الجمهورية حسن روحاني مع اللحظات الأولى لحسم نتائج الإنتخابات الأميركية وتولي جوزيف بايدن إدارة البيت الأبيض والرئاسة الأميركية
هذه المخاوف المشتركة بين طهران وموسكو، التي يمكن توصيفها بأنّها متجذرة كتجذر العلاقات التاريخية بين البلدين والتي يعود عمرها إلى “أكثر من عمر أمريكا” حسب تعبير الوزير الايراني في مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل أيام في موسكو، ودفعت الطرفين إلى التعبير عن حجمها – المخاوف – باعتبار أنّ “الأوضاع الدولية بعد خروج ترامب أصبحت أوضاعاً خاصة، ونحن بحاجة إلى تنسيق مواقفنا وتموضعنا”.
إعادة تنشيط التنسيق بين طهران وموسكو في هذه المرحلة التي بدأت مع بايدن وإدارته الجديدة، قد لا تقتصر على تنسيق المواقف فيما يتعلق بآليات إعادة تفعيل الاتفاق النووي ووقوف موسكو إلى جانب إيران في لعبة الشروط الأميركية الإيرانية المتبادلة، بل تفترض من الطرفين إعادة ترتيب أوراقهما في منطقة غرب آسيا في ظل المستجدات التي طرأت على الموقف الأميركي من هذه الملفات وما يخلقه من تحديات.
فإذا كانت طهران اقتربت نسبياً من غايتها مع الرئيس السابق ترامب فيما يتعلق بوجود القوات الأميركية في العراق وأفغانستان في قرار الانسحاب، إلا أنّ قيادة البنتاغون أعادت الأمور إلى دائرتها الأولى مع قرار إعادة النظر في قرار تقليص عديد هذه القوات في هذين البلدين بما يتناسب مع الاستراتيجية الأميركية. ما يعني أنّ الإدارة الجديدة لن تتساهل في إعطاء إيران نقاطاً مجانية. في الوقت نفسه ستمارس ثقلها ودورها لمنع المنطقة من الذهاب إلى أي نوع من المواجهات العسكرية. وهذا ما برز من خلال التحرك الذي يقوده البنتاغون لطمأنة القيادة الإسرائيلية التي رفعت متسوى التهديدات ضدّ حلفاء إيران في كلّ من لبنان وسوريا والعراق وقطاع غزّة على لسان رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي الذي اعتبر أنّ “العودة إلى الاتفاق النووي 2015 أو حتى التوصل إلى اتفاق مشابه ومعدلاً سيكون اتفاقاً سيئاً على المستويين العملي والاستراتيجي، لذا يجب عدم السماح بذلك”.
دخول البنتاغون كشريك على خطّ الجهود السياسية الموضوعة على جدول إدارة البيت الأبيض، يعني أنّ الإدارة الدبلوماسية الأميركية لن تكون مطلقة الصلاحية في ترتيب ملفات الشرق الأوسط وغيرها من الملفات بعيداً عن موقف ورأي القيادة العسكرية المعنية أيضاً وبشكل مباشر بهذه الملفات.
إذا كانت طهران اقتربت نسبياً من غايتها مع الرئيس السابق ترامب فيما يتعلق بوجود القوات الأميركية في العراق وأفغانستان في قرار الانسحاب، إلا أنّ قيادة البنتاغون أعادت الأمور إلى دائرتها الأولى مع قرار إعادة النظر في قرار تقليص عديد هذه القوات في هذين البلدين بما يتناسب مع الاستراتيجية الأميركية
وهذه الشراكة ستكون بمثابة ترجمة للتعاون الذي حصل بين الرئيس الجديد والقيادة العسكرية في الأزمة الداخلية حول نتائج الانتخابات، وأيضا تعويضاً عن سياسة الإقصاء التي مارسها ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو اتجاه البنتاغون فيما يتعلق بالقرار الاستراتيجي الذي اعتمد على الساحة الدولية.
وفي مقابل المحور الذي رسمته تل أبيب على لسان “كوخافي”، والذي يمتدّ من اليونان وقبرص ومصر والأردن والدول الخليجية “حيث تقف إسرائيل داخل هذا التحالف”، تأتي أهمية تنشيط التنسيق الروسي الإيراني الذي لا يستبعد محاولة استقطاب جدية للحكومة التركية، من خلال سدّ الفجوات التي برزت في الأشهر الأخيرة إن كان في أزمة منطقة القوقاز الجنوبي (الحرب الأرمينية الآذربايجانية) أو الأزمة الليبية، أو تطورات الأزمة السورية، وصولاً إلى المخاوف الأفغانية وتعطيل عملية الحوار القائمة بين حركة طالبان وحكومة كابول برعاية أميركية.
إقرأ أيضاً: إيران تريد اتفاقاً نووياً جديدً… كذلك بايدن؟
تزامن وصول ظريف إلى موسكو مع وصول وفد من حركة طالبان بقيادة رئيس المكتب السياسي للحركة الملا عبدالغني برادر إلى طهران، والذي من المفترض أن يتباحث مع المسؤولين الإيرانيين حول المستجدات الأميركية وإمكانية لجوء إدارة بايدن ونتيجة لمواقف البنتاغون الأخيرة إلى إعادة النظر في الاتفاق بين طالبان وواشنطن، وبالتالي سعي هذه الحركة إلى التنسيق مع دول الجوار بهدف دفع عملية السلام الأفغاني الداخلي للوصول إلى نتائج إيجابية. وهي نقطة اتفاق روسي إيراني سبق أن عبر عنها الطرفان بعد تزايد مخاوفهما بعد استبعاد واشنطن – ترامب لهما من أجواء والشراكة في عملية التفاوض.
إعادة الإدارة الأميركية لترتيب الخوف لدى خصومها، قد يدفع طهران إلى فتح ملف الرسائل – المفاوضات التي تقودها موسكو في قاعدة حميميم بين الحكومتين السورية والإسرائيلية للتفاهم على سلام بين البلدين، والتي لم تكن بعيدة عن عيون القيادة الإيرانية، ما يعني إمكانية ذهابهما إلى خيار إبطاء هذا المسار أو حتى تجميده بانتظار اتضاح صورة الموقف الأميركي وآليات تعامله معهما في الملفات التي تشكل مساحة اهتمام مشترك كل من منطلقاته.