إيران: رفع جزئي للعقوبات مقابل اتفاق نووي معدّل (2/2)

مدة القراءة 8 د

بقلم دنيس روس* Dennis Ross

 

ملخّص ما سبق في الحلقة الأولى: يرى دنيس روس، وهو الباحث السياسي والمستشار في عهود رؤساء جمهوريين وديمقراطيين من رونالد ريغان إلى باراك أوباما، أنّ سياسة الضغوط القصوى على إيران، في عهد ترامب لم تُؤتِ أُكُلها، بل أصبحت إيران أقرب إلى صنع قنبلة نووية، كما أنّ سياسة الاحتواء التي اعتمدها أوباما لم تكن أفضل. ويقترح روس لإدارة بايدن اتّباع سياسة الترغيب والترهيب، أو استدراج إيران شيئاً فشيئاً، لتطوير الاتفاق النووي مع الوقت.

 

اتفاق مؤقت

قد لا يكون كافياً البدء باستشارات مع الجهات المعنيّة بالاتفاق النووي الإيراني في الداخل، ومع الشركاء والحلفاء في الخارج، لكنه أمر ضروري إذا ما أرادت إدارة بايدن التوفيق بين الغايات المتضاربة بهذا الشأن. والنقاشات المبكرة مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ومع القادة الرئيسيين في الكونغرس واللجان ذات الصلة فيه، ومع إسرائيل، والمملكة العربية السعودية والإمارات، ينبغي أن يتزامن مع تقدير الإدارة لمخاوفهم. وعلى المدى الطويل، من المرجّح أن تكون الأهداف مقبولة من معظم تلك الأطراف، ويمكن توظيفها لإنشاء إطار عمل للمناقشات.

وفي حين تواصل إدارة بايدن التعبير عن استعدادها للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) علناً، يمكن لها أن تبعث رسالة مفادها أنّها منفتحة أيضاً على مقاربات أخرى، بما في ذلك عقد اتفاق مؤقت. مثل التوفيق بين احتياجات الولايات المتحدة لاستعادة المبادرة دبلوماسياً، وصياغة نهج مشترك مع الأوروبيين، وكسب ما يكفي من دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، وطمأنة الشركاء الإقليميين. وعلى سبيل المثال، وانطلاقاً من المنطق السائد في الاتفاق النووي لعام 2013، الاتفاق على تجميد أو تقليص مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب، وتفكيك السلاسل التعاقبية من أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة في مقابل السماح لإيران بالوصول إلى بعض الأموال المجمّدة في الحسابات أو – اعتماداً على مندرجات الاتفاق النووي الحالي – إعادة إصدار إعفاءات لعدد محدود من البلدان لشراء النفط الإيراني.

مرّة أخرى، ومن أجل سير الأمور كما يجب، على إدارة بايدن أن تُطلع الكونغرس وشركاء واشنطن الإقليميين في صورة ما يتعلّق بالإجراءات والتفسيرات الأميركية، وإظهار كيف استجابت الإدارة لبعض اقتراحاتهم.

ومن شأن مثل هذه الصفقة المؤقتة أن يكون لها أيضاً فضيلة شراء الوقت لمتابعة الرئيس بايدن هدفه الأكبر، على حدّ تعبيره وهو “تعزيز الاتفاق النووي وتوسيع بنوده، بينما تعالج أيضاً قضايا أخرى ذات أهمية”. “التعزيز والتوسيع” يشيران إلى إطالة بنود الاتفاق التي تنتهي في عام 2030: أي القيود المفروضة على أعداد أجهزة الطرد المركزي وأنواعها، كميات اليورانيوم المخصّب التي يمكن أن تكون متراكمة، ومستوى التخصيب (تصل الآن إلى 3.67?)، وحجم البنية التحتية النووية. ويشمل أيضا تقصير الحدود الزمنية للوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل الوصول إلى المواقع غير المعلنة، وهكذا لا يكون لإيران مهلة 24 يوماً قبل أن تصل اللجنة المشتركة التي شكّلها الاتفاق النووي إلى تلك المواقع. أما “القضايا الأخرى”، فتشير إلى الصواريخ الباليستية الإيرانية، وإلى السلوك الإقليمي.

في حين تواصل إدارة بايدن التعبير عن استعدادها للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) علناً، يمكن لها أن تبعث رسالة مفادها أنّها منفتحة أيضاً على مقاربات أخرى، بما في ذلك عقد اتفاق مؤقت

إذاً، بدلاً من الدفع الآن نحو اتفاق أكبر على الصواريخ وعلى تقييد الأنشطة الخبيثة لإيران في المنطقة، لماذا لا تُربط القضيتان معاً، مع العمل عن كثب على الحدّ من احتمال صراع إقليمي أوسع بكثير مما هو بين إسرائيل وإيران؟

قد تمهّد الخطوات المؤقتة الطريق لتحقيق أهداف الولايات المتحدة مع مرور الوقت، ولكن ينبغي أن يكون رفع العقوبات محدوداً بطريقة تدفع إيران للتفاوض من أجل اتفاقات بعيدة المدى.

من جانب أميركا، يجب إعادة صياغة الاتفاق النووي الحالي، أو ما يمكن اعتباره الاتفاق النووي (2,0) من أجل الحدّ من إمكانية تطوير إيران قدراتها النووية. وطالما أنّ الجمهورية الإسلامية تشكّل تهديداً داخل المنطقة وخارجها، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تضفي الشرعية على توسيع القاعدة الصناعية النووية في إيران، وهو ما فعله الاتفاق النووي الحالي اعتباراً من 2030.

 

ضبط الصواريخ

ولأن الصواريخ البالستية هي، بحكم تعريفها، وسائل الإيصال المحتملة للأسلحة النووية، فيجب أن تكون جزءاً من مفاوضات الاتفاق النووي (2.0)، وينبغي أن يكون مخزون الصواريخ إيران محدوداً من حيث عددها، ودقتها، ومداها. ويمكن اعتبار حظر الصواريخ التي يتجاوز مداها 2000 كيلومتر هدفاً ممكناً، وخاصة أنّ المرشد الأعلى قد أشار بالفعل إلى أنّ هذه الصواريخ ليست ضرورية. وربما توافق إيران أيضاً على تجميد عدد أنواع معيّنة من الصواريخ أو الحدّ من عدد الاختبارات. لكن مما لا شك فيه، أنه حتى لو كانت الاختبارات محدودة، سيكون من الصعب وقف تحسين دقة الصواريخ مع مرور الوقت.

بدلاً من الدفع الآن نحو اتفاق أكبر على الصواريخ وعلى تقييد الأنشطة الخبيثة لإيران في المنطقة، لماذا لا تُربط القضيتان معاً، مع العمل عن كثب على الحدّ من احتمال صراع إقليمي أوسع بكثير مما هو بين إسرائيل وإيران؟

ومع ذلك، ينبغي أن يعلم القادة الإيرانيون أنّ الولايات المتحدة ستكون مستعدة لفرض ثمن على إيران بسبب تطوير صواريخها، بما في ذلك توفير دعم استخباراتي للضربات العسكرية الإسرائيلية ضدّ مشروع التوجيه الدقيق للصواريخ في سوريا ولبنان. ومن الواضح أنّ تصدير إيران للصواريخ وصواريخ الكروز والطائرات بدون طيار، هو انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 2231، وهو عنصر رئيسي في التهديد الإيراني الإقليمي، ويجب أن تُعالج المسألة، كجزء من المناقشات الموازية لمحادثات البرنامج النووي.

لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أنّ إيران ستقاوم تحقيق الأهداف الأميركية، حتى عندما يصرّ النظام على أنه لن يقدّم شيئاً إلا بمقابل شيء آخر. وهذا سيكون تحدّياً. فتوقّعات القيادة الإيرانية بشأن الفوائد الاقتصادية التي ستنتج عن الاتفاق النووي مُبالَغ فيها من قبل المسؤولين الإيرانيين والأميركيين على حدّ سواء، مع التقليل بشكل خطير من شأن عوائق رجوع الأعمال التجارية الدولية مرة أخرى إلى إيران، ومنها الفساد المستشري فيها، وانعدام الشفافية أو الإصلاحات في نظامها المصرفي، ما جعل صعباً على المؤسسات المالية الدولية الكبرى التعامل مع البنوك الإيرانية.

إقرأ أيضاً: اتفاق مؤقت مع إيران أوّلاً قبل تطوير الاتفاق النووي (1/2)

بالمقابل، ستحتاج إدارة بايدن أيضاً إلى إيضاح موقفها لإيران، من أنها ستثير قضايا حقوق الإنسان وتُبقي على الضغط العام في هذا المجال. وسوف تعمل على دعم الحكومة والجيش في العراق كما أنها ستسعى إلى تعزيز المؤسسات الوطنية والانتخابات، ومحاربة الفساد، ومكافحة تصرّفات الميليشيات المدعومة من إيران؛ وسوف تدعم الولايات المتحدة شركاءها في المنطقة مع تزويدهم بدفاعات صاروخية متكاملة ومطوّرة لحمايتهم من تهديدات الصواريخ الباليستية الإيرانية؛ وسوف تعمل أيضاً مع الإسرائيليين والإماراتيين والسعوديين وغيرهم من أجل توفير دفاعات أفضل ضدّ صواريخ كروز الإيرانية، وكذلك ضدّ الطائرات بدون طيار، والهجمات الإلكترونية؛ وسوف تضع خطط طوارئ مع شركاء واشنطن الإقليميين لصياغة خيارات في مواجهة التهديدات الإيرانية من خلال وكلائها؛ وسوف تشجع على مزيد من التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل؛ وسوف توضح السياسة الأميركية المعلنة بأنّ الإدارة سوف تمنع إيران في أيّ وقت من أن تصبح دولة نووية، وستعلن بصراحة أنّ الولايات المتحدة ستكون مستعدة لاستخدام القوة إن ابتعدت إيران عن التازامها ببنود الاتفاق النووي – وفي إطار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية – وذلك لردعها عن السعي إلى الحصول على أسلحة نووية، أو امتلاكها، أو تطويرها.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

السفير دينس روس: هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن. شغل منصب المساعد الخاص للرئيس باراك أوباما والمدير الأول للمنطقة الوسطى في “مجلس الأمن القومي”، وعمل كمستشار خاص لوزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون لمدة عام. عمل روس أيضاً عن كثب مع وزراء الخارجية الأمريكية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت. وقبل تولّيه وظيفة المنسق الخاص لشؤون الشرق الأوسط في ظل إدارة كلينتون، شغل منصب مدير “فريق التخطيط للسياسات” في وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش. وفي عهد الرئيس رونالد ريغن، عمل مديراً لشؤون “الشرق الأدنى وجنوب آسيا” ضمن طاقم “مجلس الأمن القومي” وتولى كذلك منصب نائب مدير “مكتب التقييم” التابع للبنتاغون.

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…