بقلم دنيس روس* Dennis Ross
الشرق الأوسط لن يكون أولوية لدى إدارة بايدن في مقاربتها السياسة الخارجية. لكنّ البرنامج النووي الإيراني سيتطلّب رداً. فمع اعتماد البرلمان الإيراني تشريعاً يقضي بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وتعليق عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا لم تُرفع العقوبات عن إيران بحلول شباط رداً على القتل المتعمّد للعالم الإيراني محسن فخري زاده – ومع مضاعفة إيران الآن مستوى اليورانيوم المنخفض التخصيب 12 مرة عما هو مسموح به بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) – سيكون على الإدارة الأميركية التعامل مع التحدّي الإيراني.
بالتأكيد، ليس البرنامج النووي وإمكانية تحويل إيران دولة نووية هما التحدّيين الوحيدين اللذين تطرحهما الجمهورية الإسلامية، إذ إنّ برنامج الصواريخ الباليستية، والسلوك المزعزع للاستقرار والعدواني في المنطقة، يهدّدان بتصاعد الصراعات عمودياً وأفقياً. لكنّ البرنامج النووي هو الأكثر إلحاحاً.
لقد أوضح جو بايدن، في أيلول 2019، المرشح آنذاك، خططه لمواجهة التحدّيات التي تطرحها إيران، معلناً ما يلي: أولاً، سأتعهّد بالتزام لا يتزعزع لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. ثانياً، سأعرض على طهران طريقاً موثوقاً بها للعودة إلى الدبلوماسية. فإذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم مع الاتفاق النووي، فستنضم الولايات المتحدة مجدّداً إلى الاتفاق كنقطة انطلاق لمفاوضات لاحقة… ثالثاً، سنستمر في صدّنا نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار… سوف نستخدم العقوبات المحدّدة الأهداف ضدّ انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وبسبب دعمها للإرهاب وبرنامج الصواريخ الباليستية.
ليس البرنامج النووي وإمكانية تحويل إيران دولة نووية هما التحدّيين الوحيدين اللذين تطرحهما الجمهورية الإسلامية
مزيج من الضغط والإغراء
فهل يمكن لإدارة بايدن تحقيق هذه الاهداف؟
هناك من يرى احتمالاً ضئيلاً لتحقيق هذه الأهداف أو أيّ أهداف أخرى مع الجمهورية الإسلامية. ويُحاجج بأنّ النظام هو عدواني بطبيعته وغير قابل للتحسين نحو الأفضل، ويعتقد أنّ تغيير النظام هو الإجابة الوحيدة. بالنسبة لهؤلاء، فإن الضغط الذي لا يلين سيدفع النظام إلى الانهيار في نهاية المطاف. ربما، ولكن لا أحد يعرف كم من الوقت سيستغرق هذا. كما أنه لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يحلّ محلّ النظام الحالي: كم عدد الإيرانيين الذين يمكن أن يقتلهم النظام بوحشية، أو سيسجنهم للحفاظ على نفسه. أو ما إذا كان سيسعى لتحويل الانتباه وحشد المشاعر القومية من خلال إشعال صراعات واسعة في المنطقة. وعلاوة على ذلك ، فإن السجلّ الدولي للولايات المتحدة في تغيير الأنظمة في المنطقة – على سبيل المثال، في العراق وليبيا وسوريا – ليس جيداً، بعد ترك الفراغ الذي أنتج صراعات طائفية وقبلية، وصعود الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية. فإذا لم يكن تغيير النظام هدفاً واقعياً أو صائباً، فيجب أن يكون الهدف هو تغيير سلوك الجمهورية الإسلامية. وفي حين أنّ هذا قد يكون صعباً، إذ إنّ التاريخ يبيّن أن النظام يقوم بتعديلات تكتيكية مع عواقب استراتيجية عندما يعتبر أنّ ثمن سياساته مرتفع جداً.
ولو أنّ الضغط ينجح وحده، لنتج من سياسات إدارة ترامب تغييرات أساسية في سياسات إيران. لقد فشلت تلك السياسات في إنجاز ذلك. نعم، فرضت سياسة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب ثمناً رهيباً على الاقتصاد الإيراني، مع خفض الموارد المتاحة لإيران لتمويل وكلائها من الميليشيات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة. لكنها لم تتوقف فعلاً عن تقديم هذا الدعم. كما أنها لم توقف تطويرها برنامج الصواريخ. وحتى لو لم يعد ممكناً للجمهورية الإسلامية تزويد حزب الله اللبناني سنوياً بما يقرب من 800 مليون دولار، لكنها وفّرت له في الأقل نصف ذلك. وظلّت عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري، نشطة جداً في جميع أنحاء المنطقة، من خلال تمويل الميليشيات في العراق وسوريا، ودعمها، وتدريبها، وتسليحها، وتوجيهها، وتوفير الأسلحة والخبرة للحوثيين في اليمن.
فما هو المزيج الصحيح من الضغط (الاقتصادي، والسياسي والاستخباري والعسكري)، والإغراء؟ وما هي الأهداف الأكثر أهمية وواقعية؟ ثمة طريقة واحدة لتقييم هذا، من خلال بعض الدروس المستفادة من كلٍّ من عهدي أوباما وترامب.
هناك من يرى احتمالاً ضئيلاً لتحقيق هذه الأهداف أو أيّ أهداف أخرى مع الجمهورية الإسلامية. ويُحاجج بأنّ النظام هو عدواني بطبيعته وغير قابل للتحسين نحو الأفضل
يجب على إدارة بايدن أن تقرّ بحاجتها إلى التعلّم من إرث إدارتي أوباما وترامب على حدّ سواء. فالتركيز الحصري على المسألة النووية مع إيران خلال سنوات أوباما، نتج عنه ابتعاد الولايات المتحدة عن إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات، وشيوع شعور بعدم الثقة بينها وبين تلك الدول. أما في الكونغرس، فقد أسهمت المخاوف الإسرائيلية في إثارة معارضة كبيرة لنهج إدارة أوباما والتشكيك فيه. وبعدما اعتقد السعوديون والإماراتيون، أنّ واشنطن لن تفعل شيئا يُذكر، أو لن تفعل أيّ شيء لمواجهة التهديدات الإقليمية لطهران، قرّروا إيقاف التوسع الإيراني بأنفسهم، مع عواقب مكلفة في اليمن. أما بالنسبة لإيران، فلا شك أنها تريد الحفاظ على خيار الأسلحة النووية، ربما بتأجيله مرّة أخرى، لكن دون التخلّي عنه. وإلا فلماذا تحتفظ إيران بأرشيف نووي واسع النطاق مع مخطّطات الأسلحة النووية، فضلاً عن وثائق وصور من المرافق، وعن الاختبارات اللازمة لتطوير قنبلة وإنتاجها؟
إقرأ أيضاً: زلزال جيوبوليتيكي ضرب الشرق الأوسط
إيران الآن هي أقرب ما تكون إلى القدرة على صناعة الأسلحة النووية مما كان عليه الأمر عندما تولّى ترامب منصبه. كما أنّ إيران تواصل سعيها إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي. وعلاوة على ذلك، تواصل بناء وسائل لتحسين دقة الصواريخ التي أرسلتها إلى حزب الله. وضمّت قوات حزب الله إلى وحدات عسكرية سورية بالقرب من مرتفعات الجولان. كلتا السياستين تخاطران بنشوب حرب أوسع بين إسرائيل وإيران يمكن أن تجتاح المنطقة. وعلى الجانب الإيجابي، تواجه إيران سلسلة من الضغوط الكبيرة: تحتاج إلى رفع العقوبات لوقف التدهور الاقتصادي الخطير، وهو التدهور الذي فاقمه وباء كوفيد -19. ولأول مرة، تواجه إيران تظاهرات الشيعة في العراق ولبنان، وتُلام إيران على الفساد وسوء الإدارة، وعلى الظروف الاقتصادية المحزنة.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
السفير دينس روس: هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن. شغل منصب المساعد الخاص للرئيس باراك أوباما والمدير الأول للمنطقة الوسطى في “مجلس الأمن القومي”، وعمل كمستشار خاص لوزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون لمدة عام. عمل روس أيضاً عن كثب مع وزراء الخارجية الأمريكية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت. وقبل تولّيه وظيفة المنسق الخاص لشؤون الشرق الأوسط في ظل إدارة كلينتون، شغل منصب مدير “فريق التخطيط للسياسات” في وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش. وفي عهد الرئيس رونالد ريغن، عمل مديراً لشؤون “الشرق الأدنى وجنوب آسيا” ضمن طاقم “مجلس الأمن القومي” وتولى كذلك منصب نائب مدير “مكتب التقييم” التابع للبنتاغون.