… “ليس هناك ما أخشاه في موسكو”، بتلك الكلمات ردّ المعارض الروسي أليكسي نافالني عندما بادره أحد الصحافيين في مطار برلين بالسؤال: “ألا تخشى الذهاب إلى روسيا؟”.
نافالني ابن الـ44 عاماً اعتُقل من قبل السلطات الروسية ما يزيد عن عشر مرات، وفي 20 آب الماضي دخل في غيبوبة بعد محاولة تسميمه بمادة “نوفيتشوك” (غاز الأعصاب) فتمّ نقله إلى ألمانيا للعلاج. وما إن خرج من المستشفى حتى قرّر العودة إلى ساحة نضاله في موسكو رغم كلّ النصائح الدولية والروسية، ليُعتقًل فور وصوله إلى المطار.
جملة نافالني استوقفتني، بعد سلسلة بيانات النفي الصادرة عن رؤساء الحكومات السابقين حول ما قيل عن العشاء الذي جمعهم مع رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط في دارة الرئيس تمام سلام والاتفاق على قيام جبهة معارضة.
نعم وبالإذن من نافالني نحن أيضاً سُنّة لبنان، ومعنا كلّ السياديين المتمسكين بالدولة ومؤسساتها وبالدستور واتفاق الطائف، “ليس هناك ما نخشاه في حارة حريك أو بعبدا”. فلماذا كلّ هذا الارتباك من قِبَلِ رؤساء الحكومة السابقين في المسارعة إلى نفي ما يجب أن يكون؟ فما الذي يمنع قيام جبهة معارضة وحتى المطالبة باستقالة الرئيس ميشال عون؟ أليس هذا المطلب سبقتنا إليه أربع قوى مسيحية رئيسية وهي: القوات اللبنانية على لسان رئيسها الدكتور سمير جعجع، وتيار المردة عبر زعيمه سليمان فرنجية، وحزب الكتائب بواسطة رئيسه سامي الجميل. وقبل كلّ هؤلاء، كان كاهن السيادة والاستقلال الدكتور فارس سعيد أول المطالبين بهذه الاستقالة.
لماذا كلّ هذا الارتباك من قِبَلِ رؤساء الحكومة السابقين في المسارعة إلى نفي ما يجب أن يكون؟ فما الذي يمنع قيام جبهة معارضة وحتى المطالبة باستقالة الرئيس ميشال عون؟
لماذا هذا الارتباك عند الرئيس تمام سلام في الخروج وانتظار هبوب رياح بيت الوسط مع العلم أنّ كثراً من حَمَلة الرياح يريدون جبهة معارضة، وعند الرئيس نجيب ميقاتي بالانفصال مؤقتاً عن حسابات الربح والخسارة التي تعتمدها كلّ الشركات، وعند الرئيس فؤاد السنيورة في صياغة الأوراق ثمّ إخفائها؟
أليس بالحادث الجللِّ، أن يتمّ التطاول بالصوت والصورة على مقام رئاسة مجلس الوزراء؟ إنّ المواجهة بجبهة معارضة عريضة واضحة، هي الفرصة الوحيدة المتاحة لفتح الباب أمام تشكيل حكومة تنقذ البلاد.
لماذا هذا الارتباك عند الرئيس تمام سلام في الخروج وانتظار هبوب رياح بيت الوسط مع العلم أنّ كثراً من حَمَلة الرياح يريدون جبهة معارضة؟
المواجهة والتصدّي يقودان إلى إنتاج المخارج، فما صنع الصمت يوماً مبادرة، وما كان لغة للعقلاء. فالساكت عن الحقّ كما تقول الحكمة “شيطان أخرس”، عندما يكون السكوت بوجه فعلٍ من حاكم جائرٍ لا يُعير قيمة للمقامات. وكم كان مُهيناً أن يخرج واحد من عقلائنا ليتحدّث عن ميثاق الصمت عند المفتي عبد اللطيف دريان. فصرنا نواجه المهانة والذّل والتطاول باختراع المصطلحات.
نعم يا سادة، أيّها الرؤساء أعضاء النادي، في زمن انهيار النوادي وحظر التجمّعات. أُصدقكم القول، والأمر ليس تهوّراً، فليس هناك ما نخشاه في حارة حريك أو بعبدا ولا في كلّ المقرات. فإن تكلمتم، أنتم مدانون عندهم. وإن صمتم، أنتم مدانون أيضاً عندهم. فقاعدة التعاطي معكم لديهم أنّكم تكيدون لهم بدليل أو بغير دليل في كلّ الأوقات. فذاك مذهبهم في التعاطي مع الآخر وكلّ الأفرقاء. ألم تروا ما حصل مع زميلنا قاسم قصير حيث لم يشفع له دفاعه عنهم عندما تجرّأ ونصحهم بلغة العقلاء.
إقرأ أيضاً: قادة السُنّة: انهيار سياسي.. وانهزامٌ نفسيّ
أيّها الرؤساء، إنّ قيام جبهة معارضة تضمّ كلّ المخلصين الغيورين على الوطن مطلب وجودي، إن أردتم يا أصحاب الدولة البقاء. جبهة تواجه كلّ الهرطقات وكلّ الموبقات وكلّ التجاوزات، وكلّ محاولات حرق اتفاق الطائف والدستور والأعراف. وتؤكد للعالم أنّ في هذه الأرض ما زال هناك من يقاوم وإن تخلّى عنه الأصدقاء والأشقاء.
جبهة تعيد ماء الوجه لنا ولكم، بعدما سمعنا وشاهدنا شتيمتنا بالعين المجرّدة وبالأُذن المفتوحة، ولم نسمع استنكاراً يأتينا من الشركاء عبر الأصداء.
أيّها الرؤساء، أنتم مطالبون بجبهة للتصدّي والصمود، ليس من أجل السُنّة وحدهم، بل من أجل لبنان. الظرف لا يحمل التلكؤ ولا أنصاف المواقف ولا إخفاء الأوراق المكتوبة، لا قبل ولا بعد العشاء. التاريخ يكتب دون توقف هل تعلمون ذلك يا دولة الرؤساء؟!..