ليس متوقّعاً من المسعى البطريركي إلى “جَمع” رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، أن يقود مجدداً إلى فتح باب التفاوض حول تسهيل تشكيل الحكومة.
الفيتو الأول صَدر من بعبدا التي ترسم مصادرها “معبراً وحيداً لاستئناف التشاور حول التشكيلة الحكومية، بحضور الحريري إلى القصر الجمهوري وسماع ردّه على الملاحظات الرئاسية (توزيعة الحقائب) التي كان وضعها رئيس الجمهورية في اللقاء الأخير بينهما والتداول أيضاً في المسودّة التي قدّمها الرئيس المكلّف. وهذا يأتي ضمن إطار المسار الدستوري البديهي لتشكيل الحكومات”.
أما لناحية الرئيس الحريري الذي سيحطّ بدوره في بكركي للمعايدة فإنّ “لاءاته” بوجه العهد لم تلفَحَها “عوارض التضحية” حتّى الآن. فهو لا يزال مُتمترِساً خلف “معاييرٍ” لن يَزيح عنها. المشهد الأميركي الضبابي عامل قلق أكبر لم يمنعه من إدارة الظهر لدعوة النائب السابق وليد جنبلاط للاعتذار على قاعدة “فليَحكُموا وحدَهم”.
اقترنت دعوة “البيك” للحريري مع تخوّفه من “أبو نضال جديد” (القيادي الفلسطيني صبري البنّا المتّهم من ضمن سلسلة من الاتّهامات بأنّه مسؤول عن محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن عام 1982). ما قاد جنبلاط الى التحذير من “حدثٍ ما” شبيه بعشية الاجتياح الاسرئيلي للبنان. لكن كلّ مخاوف المختارة لم تجد صدىً لها في بيت الوسط. أما دعوة البطريرك الراعي فمعلّقة على حبال “الغسيل المنشور” بين الطرفين.
لناحية الرئيس الحريري الذي سيحطّ بدوره في بكركي للمعايدة فإنّ “لاءاته” بوجه العهد لم تلفَحَها “عوارض التضحية” حتّى الآن
يقول النائب السابق ونائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش لـ”أساس” إنّ “اقتراح البطريرك أو دعوته، تلاقي قبولاً وتفهّماً لدى سعد الحريري. لكنّ الأهمّ أن لا مجال للتفاوض حول الضوابط التي وضعها الرئيس المكلّف وهي حكومة من 18 وزيراً من المستقلّين ومن دون ثلث معطّل ومن دون سيطرة على الوزارت الأمنية. هذا هو الأساس غير الخاضع للأخذ والردّ. وأيّ معطىً يقرّب رئيس الجمهورية من هذا الطرح يفتح مجالاً للحوار من جديد. أما إعادة طرح مطلب توسيع الحكومة ومطالب أخرى مرفوضة، فسيُعيدُنا إلى الإشكالية نفسها”.
ويكشف علوش أنّ “ما كان مطروحاً هو، وبأفضل الظروف، تَشارُك الرئيسين بتسمية وزراء الحقائب الأمنية، أي الداخلية والدفاع والعدل. ومع تفرّد رئيس الجمهورية بتسمية وزير الدفاع كان القرار بأن يسمّي الحريري وزير العدل أو الداخلية، فيما تكون الحقيبة الثالثة من ضمن التسمية المشتركة. لكنّ الرئيس المكلّف تفاجأ بتسمية رئيس الجمهورية شخصية “عونية” لوزارة الداخلية فجمّدت الأمور عند هذا الحدّ. لكنّ طرحنا واضح جداً، وإذا كان رئيس الجمهورية وجبران باسيل مصرّان على نفس شاكلة الحكومات السابقة فلتبقَ حكومة حسان دياب”!
ويكشف علوش عن “معطيات حاسمة بأن لا رغبة لدى عون بالتعاون مجدّداً مع الحريري، لكن نريد أن نذكّر عون وباسيل أنّ من يختار الرئيس المكلّف هو مجلس النواب، وعليهما أن يتعاملا مع هذا الواقع. وإذا كان ثمّة من يردّد أن الكيمياء مفقودة من بعبدا تجاه الحريري، فهي مفقودة من قبلنا تجاههم”، مضيفاً: “نحن لا نزال نتعاطى مع موقع رئاسة الجمهورية على أساس أنّه موقع دستوري وعليهم أيضاً أن يتعاملوا مع موقع الرئيس المكلّف بالمثل”.
وعن احتمال بقاء التكليف لأشهر في جيبة الحريري يردّ علوش: “نعم هذا ممكن، لأنّه ليس وارداً أيضاً بقاء التوقيع في جيبة رئيس الجمهورية لأشهر”.
وفيما باتت احتمالات التعايش بين عون والحريري في المدّة المتبقية من ولاية العهد تقارب الصفر، يوضح علّوش: “في الديموقراطيات هذه الأمور تحصل، إذا كان الهدف إدارة الحكم. ويبقى مجلس النواب هو الفاصل، والسلطة السياسية التي تنتخب رئيس الجمهورية والتي كلّفت سعد الحريري. والخلاف الشخصي أو الخلاف على الرؤية تحكمه المؤسسات”.
معطيات حاسمة بأن لا رغبة لدى عون بالتعاون مجدّداً مع الحريري، لكن نريد أن نذكّر عون وباسيل أنّ من يختار الرئيس المكلّف هو مجلس النواب، وعليهما أن يتعاملا مع هذا الواقع
في ذروة الأزمة الحكومية فتح رئيس الجمهورية “باباً مغلقاً” عليه غير بعيد عن خلافه مع الرئيس المكلّف بإعلانه أنّ “دور المجلس الدستوري يجب ألا يقتصر على مراقبة دستورية القوانين بل تفسير الدستور وفق ما جاء في إصلاحات وثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّت في الطائف”.
والثغرات التي تحدّث عنها عون لا تقتصر فقط على ما أورده عن “تقاعس وزراء عن تنفيذ القانون وتطبيق قرارت مجلس الوزراء ومجلس شورى الدولة”. فتكتل “لبنان القوي” المحسوب على رئيس الجمهورية تقدّم في 30 تشرين الأوّل الماضي، بعد ثمانية أيام من تكليف الحريري، باقتراح قانون لتعديل المادتين 53 و64 من الدستور، بتحديد مهلة شهر للدعوة إلى الاستشارات النيابية وشهر لتشكيل الحكومة!
إقرأ أيضاً: مصطفى علوش: مُعارضٌ لا يتعب ومُقاتلٌ لا يستسلم
والإعلان الرئاسي أمس، المقرون بـ”اجتهادٍ” جديد من وزير “القصر” سليم جريصاتي، استدعى ردًاً فورياً وسريعاً من الرئيس نبيه بري بأنّ “دور المجلس الدستوري هو مراقبة دستورية القوانين دون أن يتعداها إلى تفسير الدستور الذي بقي من حقّ المجلس النيابي دون سواه”، مؤكّداً: “هذا أمر حَسَمه الدستور ما بعد الطائف بعد نقاش خُتم بإجماع في الهيئة العامة”.
والردود على كلام عون أتت من جانب أوساط تيار المستقبل ووليد جنبلاط، في وقت تجزم مصادر التيار الوطني الحرّ بأنّ “الدستور لا ينصّ على أن “يعفّن” التكليف في جيب الرئيس المكلّف، ولا يعطي الوزراء حقّ مخالفة القانون. كما سبق لرئيس الجمهورية أيضاً أن دعا، بحكم صلاحياته، إلى جلسة في مجلس النواب لتفسير المادة 95 من الدستور. من هنا يبدأ قطار الإصلاح الحقيقي، وقد آن الأوان لتعديل موادٍ في الدستور أو تفسيره بما يؤمّن المصلحة العامة”.