من ركائز الإسلام، هدم الأصنام والتماثيل. كان حزب الله منذ تأسيسه إلى ما قبل اغتيال قاسم سليماني بيوم واحد، يراعي تلك الركيزة ويلتزم بها. وهو حين كان يكرّم القادة والمسؤولين، يقيم لهم نصباً تذكارياً ويمتنع عن تشييد تماثيل تجسّدهم أو مجسّمات لهم.
بعد اغتيال سليماني ضرب الحزب تلك الركيزة، وفتح معركة جديدة في الوعي الشيعي، تبرّر تشييد المجسمات. بعد يومين أو ثلاثة أيام على اغتيال قائد فيلق القدس، أخرج نصر الله مجسّماً كاملاً للرجل ونصبه محازبوه على الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين. مجسّم مأخوذ عن صورة لسليماني رافعاً يده في معارك العراق ضدّ تنظيم داعش، وتم توجيه اليد والوجه صوب فلسطين.
هي لعبة ترميز تستخدم في معارك أبعد من الصراعات والحروب العسكرية، هدفها أن تصيب العمق والوجدان، مدعومة بكم هائل من الصور واللافتات التي رفعت للرجل في مختلف المناطق اللبنانية، وتحديداً على طريق المطار
في الذكرى السنوية الأولى لاغتياله، أكمل الحزب هذا المنوال، فكشف، عبر رئيس بلدية الغبيري، عن تمثال جديد للرجل نُصِبَ في ساحة الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية.
هي لعبة ترميز تستخدم في معارك أبعد من الصراعات والحروب العسكرية، هدفها أن تصيب العمق والوجدان، مدعومة بكم هائل من الصور واللافتات التي رفعت للرجل في مختلف المناطق اللبنانية، وتحديداً على طريق المطار. الغاية منها التأكيد على أنّ لبنان هو أرض إيرانية، والداخل إليه لا بد أن يمرّ في جادة الإمام الخميني، محاطاً بصورة قاسم سليماني، وأعلام حزب الله، وصور الخميني والخامنئي.
ذلك هو المشهد الذي يريد حزب الله ترسيخه في الوعي الشعبي وفي اللاوعي أيضاً.
ترسيخ لا يبرحه أمين عام الحزب حسن نصر الله، الذي اختصر كل الصراع في خطابه الأخير، بقوله إنّ الوفاء جزء من طبيعته حزبه لمن وقف إلى جانبه ومدّه بالمال والسلاح، وبهذه المجسّمات وإطلاق التسميات على الشوارع يكون ردّ الوفاء. وأكمل نصر الله كلامه الموجه إلى اللبنانيين والعرب والاجانب، بأنّ سلاحه وصواريخه التي أرسلتها إيران هي التي تحمي السيادة اللبنانية، وهي التي تحمي النفط والغاز والحدود وتشرف على عملية ترسيمها.
حالياً وظيفة السلاح الجديدة هي “حماية النفط والغاز”. وبذلك يصادر حزب الله فحوى المفاوضات حول ترسيم الحدود وجوهرها. وحتّى في حال تمت عملية الترسيم ستبقى وظيفة السلاح قائمة إلى ما بعدها، لحماية الاتفاق وحماية الثروات النفطية اللبنانية
هنا يظهر بكلّ بساطة التحوّل الكبير في مضمون خطاب الحزب، وإعلانه السعي إلى تأبيد السلاح وإطالة أجل الاحتفاظ به إلى أجلٍ غير مسمّى. تماماً كما انقلب مفهوم الحزب على الترميز، وكما انقلبت مسبّبات الدخول إلى سوريا أكثر من مرّة وعلى مراحل. وكما تنقلب اليوم وظيفة السلاح، من العمل على تحرير الأرض، وصولاً إلى السعي لتحرير مزارع شبعا، وبعدها “السلاح لحماية السلاح” في 7 أيّار 2008 واجتياح بيروت والجبل، وصولاً إلى التورّط في سوريا واستخدام السلاح هناك لحماية “ظهر المقاومة” ومواجهة الراغبين بسحقها قبل أن ينتقلوا إلى لبنان، بحسب رواية نصر الله وحزبه. وبعد أن كان التدخل في سوريا لحماية المراقد الدينية، إلى حماية اللبنانيين هناك، إلى تأمين طريق السلاح والمال، وقد أعلن نصر الله أخيراً أن التدخل كان نصرةً للنظام السوري.
حالياً وظيفة السلاح الجديدة هي “حماية النفط والغاز”. وبذلك يصادر حزب الله فحوى المفاوضات حول ترسيم الحدود وجوهرها. وحتّى في حال تمت عملية الترسيم ستبقى وظيفة السلاح قائمة إلى ما بعدها، لحماية الاتفاق وحماية الثروات النفطية اللبنانية.
هذا يؤكد نتيجة واحدة، وهي أنّ إيران من خلال الحزب تقبض على كلّ الملفات اللبنانية، من تشكيل الحكومة، إلى ترسيم الحدود، وتهدئة الجبهة العسكرية الجنوبية. وهذا يعني أنّ لبنان كلّه أصبح في سلّة التفاوض الإيرانية لا يُفرج عن ملفّ أو استحقاق فيه إلا وتكون طهران قد حقّقت نقطة في مفاوضاتها مع الغرب، وتحديداً مع الأميركيين.
قال نصر الله في خطابه إنّ الإعلان عن إخراج الأميركيين من العراق والمنطقة لم يكن ليُطرح لو لم يتم اغتيال قاسم سليماني. وهذا موقف يناقض نصر الله نفسه فيه أيضاً، إذ أنّه كان قد أشار سابقاً إلى أنّ معركة إخراج الأميركيين من العراق قد بدأت منذ زمن بعيد، أما كلامه الجديد فيوحي وكأنّ هذا العنوان هو ردة فعل فقط على اغتيال سليماني، ولو لم تحصل عملية الاغتيال لما أطلقت “معركة خروج الأميركيين”.
على مدى سنوات سابقة أمعن حزب الله في “أيرنة” لبنان:
رمزياً، من خلال اللافتات والصور وإطلاق أسماء مسؤولين إيرانيين ومسؤولين حزبيين على شوارع وساحات. وقد وصل الاستفزاز إلى حدّ تسمية شارع باسم مصطفى بدر الدين.
وسياسياً، من خلال ربط كل الاستحقاقات على الإيقاعات الإيرانية.
واقتصادياً ومالياً، عبر المساهمة في ضرب المصارف والنموذج الإقتصادي اللبناني وابتكار نموذج يحاكي الدول الخاضعة للسيطرة الإيرانية بالاستعاضة عن الإنتاج والحاجة بزراعة الشرفات والأسطح ونظرية التوجّه إلى شرق ليس فيه أيّ مقوّمات.
إقرأ أيضاً: بالصور والتماثيل: آلة إيران الدعائية تزوّر تاريخ لبنان
الآن ينجز حزب الله عملية “أيرنة” المجتمع اللبناني، من خلال هذه الترميزات واللعب على الوجدان الاجتماعي وتخويف أو تخوين كلّ من يعارض هذا المشروع. وقد وصل هذا الأمر إلى حدّ إطلاق المواقف غير المباشرة تجاه الحلفاء المسيحيين، الذين يفترض أن يتعارض مشروعهم جذرياً مع مشروع الحزب وايران.
وللحديث صلة…