أجرى المقابلة: دافيد مارشيز (نيويورك تايمز)
بعد ستين سنة في التأليف الموسيقي، لم تنضب الحماسة ولا الإبداع، وهذا ما شكل مفاجأة للجمهور، وللفنان نفسه: “ما أذهلني هو أنّني لم أشعر بالملل من الموسيقى. لأنّه وبالمعنى الدقيق للكلمة كان يجب أن أشعر بالملل منذ سنوات”.
لعلّها واحدة من التفاحات الخمس التي غيّرت وجه البشرية: تفاحة “البيتلز”.
فتأثيرها لم يكن محصوراً في نطاق الأغنية الشعبية فقط، بل امتدّت بصمة هذه الفرقة الانكليزية إلى الثورات الاجتماعية والثقافية في سيتينيات القرن الماضي، ولا تزال حتى اليوم تمثل لذلك الجيل إحدى أهم ظواهر الفنّ التي خرجت عن الإطار.
بعد أفول مديد للبيتلز الذين دخلوا موسوعة غينيس للأرقام القياسية من حيث ثقافة المبيعات، وضمّتها مجلة “تايمز” إلى قائمة “100 الأكثر أهمية وتأثيراً في القرن العشرين”، ها هو بول مكارتني، أحد مؤسسيها المعمرين، يخرج عن صمته من خلال ألبوم جديد تولّى إنتاج معظمه خلال فترة الحجر المنزلي التي جعلت هذا العمل بعنوان McCartney III يرى النور في 18 كانون الأوّل.
“لم أفكر في أي لحظة أنّني أصنع ألبومًا وأنّه من الأفضل أن أكون جادّاً. كان ذلك أشبه بـفكرة: أنت سجين. يمكنك أن تفعل ما تريد”، يقول مكارتني خلال مقابلة في “نيويورك تايمز” مع دافيد مارشيز، حول عمله الذي يعيد للذاكرة ألبومي “McCartney” في 1970 و”McCartney II ” في 1980 من زمن البيتلز.
عاش ماكرتني عشر سنوات من الأسطورة الفنية مع البيتلز يسترجعها اليوم ويصفها بـ”سنوات مهمة للغاية. كانت فرقة رائعة. ذكرياتي في فرقة البيتلز شبيهة بذكرياتي في المرحلة الثانوية، وهنا الخطورة في الأمر: في حفل عشاء، إن أخبرت قصصًا عن حياتي، سيكون الناس يعرفونها مسبقًا وقد يغرقون في التثاؤب. لكن لا مفر من البيتلز”، ويتابع: “كنّا نحاول أن نصبح معروفين، كنا نحاول القيام بعمل جيد وقمنا به”.
تزامن صدور هذا الألبوم مع الذكرى الأربعين لاغتيال رفيقه جون لينون: “من الصعب عليّ التفكير. أعدت السيناريو في رأسي. بدا لي عاطفياً جداً لدرجة أنني لا أستطيع التفكير فيه. يبدو الأمر نوعًا من الانهيار. مثل أي فجيعة، فإنّ السبيل الوحيد للخروج هو أن نتذكر كيف كانت الأمور جيدة مع جون. لأنني لا أستطيع تجاوز هذا الفعل الأخرق. لا أستطيع التفكير في الأمر. أنا متأكد من أنه شكل من أشكال الإنكار. لكن الإنكار هو الطريقة الوحيدة للتعامل معه”.
“لم أفكر في أي لحظة أنّني أصنع ألبومًا وأنّه من الأفضل أن أكون جادّاً. كان ذلك أشبه بـفكرة: أنت سجين. يمكنك أن تفعل ما تريد”، يقول مكارتني خلال مقابلة في “نيويورك تايمز” مع دافيد مارشيز
ويكشف عن شعور بانعدام للأمان كان يعانيه لينون من وقت لآخر، كان يلعب خلالها دور الأخ الأكبر حيال لينون الذي لطالما شكك بموهبته الفنية على الرغم من استثنائيتها: “أتذكر ذات مرّة أنّه قال لي: “ماذا سيقولون عني حين أموت؟ هل سيتذكرونني؟”. شعرتُ كأنّني الأخ الأكبر، رغم أنّه أكبر مني. قلت: “اسمعني، جون. سوف يتذكرونك. أنت رائع بحيث لا يمكن أن يختفي هذا بأيّ حال من الأحوال.” جمعتنا صدفة في ليفربول من خلال صديق لي يدعى إيفان فوغان. كان لا بد من حدوث الكثير من الصدف لإنشاء فرقة البيتلز”.
ويكمل الحديث عن رفيقه لينون الذي لطالما استهتر بأولويات الأمور وصبّ تركيزه فقط على الفنّ، مستعرضًا موقفًا يخرجه للعلن لأوّل مرة: “حين كنا نقوم بتحضير ألبوم “Abbey Road” كانت ليندا موجودة وتلتقط صورًا عفوية. في بعض منها يظهر أنّنا كنّا جميعاً جالسين على درج الاستوديو وكنتُ أخوض محادثة جادة مع جون. هذا الصباح تذكرتُ خلفية المحادثة. قام محاسبو جون بطلب المحاسبين الذين أتعامل معهم وقالوا: “على أحد ما أن يخبر جون بأنّه يجب عليه ملء إقراراته الضريبية. إنّه لا يقوم بذلك”. لذلك كنت أحاول القول: “اسمع، يا رجل، عليك أن تقوم بهذا الأمر”. كنتُ أحاول أن أقدّم له النصيحة المعقولة حتّى لا يتعرض للمضايقة بسبب عدم دفع الضرائب. لهذا بدوت جاداً للغاية. لا أعتقد أنّني قد رويتُ هذه القصة من قبل”.
ويصف رفيقهم جورج هاريسون الذي مات في سن صغيرة نسبيًا بـ”صديقي الصغير”، ويتابع: “كنت أسترجع ذلك اليوم نزهاتي المتطفلة من خلال استيقاف السيارات (hitchhiking (التي كنت أقوم بها قبل إنشاء فرقة البيتلز. فجأة صرتُ حريصاً على هذه النزهات، لذلك قمتُ بتسويق هذه الفكرة لجورج ثم جون”. ويروي كيف جلس جورج ذات يوم على بطارية السيارة وأحرق نفسه: “اتّخذ الحرق الشكل الدقيق للسحّاب من بنطلون الجينز”.
وعن خلفيات ألبومه الجديد، يشعر بالرضا خصوصا حيال أغنية “Women and Wives”، موضحاً: “كنت أقرأ كتابًا عن ليد بيلي. كنت أتأمل حياته وأفكر في مشهد البلوز في ذلك اليوم. أحبّ نبرة الصوت تلك والطاقة والأسلوب”، عناصر استوحاها وهو جالس على البيانو، يستلهم من “ليد بيلي، من الكون، من البلوز”، معتبراً أنّ كلمات الأغنية تشكل نصيحة جيدة جدًا لا أمانع في إسدائها لنفسه”.
يكشف عن شعور بانعدام للأمان كان يعانيه لينون من وقت لآخر، كان يلعب خلالها دور الأخ الأكبر حيال لينون الذي لطالما شكك بموهبته الفنية على الرغم من استثنائيتها
أما أغنية “Pretty Boys” التي يطغى عليها المزاج الحزين، فـ”تدور حول عارضي الأزياء الذكور. وأنت تتجول في نيويورك أو لندن، تشاهد صفوفاً من الدراجات للإيجار. لقد أدهشني أنّها كهؤلاء العارضين، موجودة هنا ليتم استخدامها. إنّه لأمر مؤسف للغاية”.
ويشعر مكارتني بـ”غرابة” حيال أغنية “Lavatory Lil”، وهي محاكاة ساخرة لشخص لم يحبّه: “شخصٌ كنتُ أعمل معه واتضح أنّه شريرٌ بعض الشيء”، رافضاً الكشف عن هويته.
هذا العمل الذي يتلقاه الجمهور الوفي والمتأثر بالبيتلز كـ”هدية موسيقية”، صنعها مكارتني في سن الـ78، لم يتغير جوهرها الذي يستند الى الحل: “أنا مؤمن كبير بالأحلام. أنا متذكر عظيم للأحلام”، باعتراف جديد منه، وضع أمامنا خلفيات الأغاني السابقة: “لقد استوحيت أغنية “Let It Be” من حلم قالت فيه والدتي تلك العبارة. وسمعت في أحد الأحلام لحن أغنية “Yesterday”.
ويضيف ملخّصاً مراحل تطور فرقة البيتلز: “عندما قلتُ لجون للمرة الأولى: “لقد كتبت بعض الأغاني”، كان الأمر بسيطًا. كانت أغنيتي الأولى تسمى “I Lost My Little Girl”- أربعة أوتار. ثم انتقلنا إلى المرحلة التالية من كتابة الأغاني، والتي كانت تخاطب معجبينا من خلال أغانٍ أمثال “Thank You Girl” و “Love Me Do” و “Please Please Me”. ثم جاءت المرحلة الغنية عندما أصبحنا أكثر نضجًا، في أغانٍ على نحو “Let It Be” و “The Long and Winding Road”. لكن في الأساس أعتقد أن كل شيء متشابه، وأنت محظوظ في بعض الأحيان”.
مكارتني الذي لطالما كتب وعزف ولحّن وغنّى عن الحبّ ولأجله، يقول إنّ الحبّ هو “دائمًا لغز رائع، على الرغم من أنّني أكتبُ أغاني حبّ”، فهو لا يزال يحاول اكتشاف معناه.
وربما أكثر ما أعطى محفّزاً لتجربته، هو خلفيته الفقيرة التي تمرّدت على الواقع وقلبت الموازين: “كنتُ طفلاً من الطبقة العاملة في ليفربول. عزفت الموسيقى طوال حياتي. حققت نجاحًا هائلاً، وغالبًا ما يحاول الناس أن يفعلوا ما أريد، لذلك ينتابك شعور زائف بالقدرة المطلقة. كل ذلك يجعل الشخص معقدًا. كلنا معقدون”.
إقرأ أيضاً: الأغنيات لا تكذب: تنكة تنكة.. حبّة حبّة.. بيضة بيضة
وفي علاقته مع المال، يفكر أنّه ذات يوم اتخذ شعاراً متعقلاً وصريحاً عنوانه: “دعونا لا نواجه الكثير من المشاكل مع المال”، وهذا ما جعله يقدّر النعمة، إلى حد مبالغ به أحيانا: “كنتُ أشعر بأهمية ما يصلني إلى المنزل حينما لا يوجد كثير من المال. هذا ما يحصل عندما أستلم مراسلتي الأسبوعية التي كانت تشكل لي حدثاً عظيماً. أحد أصدقاء المراسلة في إسبانيا كان يدعى رودريغو. لطالما احتفظت بهدايا على شكل رسوم الهزلية مع قليل من الحلي. قد يقول البعض الناس إنّها غريزة تخزين، لكنّ عدم امتلاك أيّ شيء عندما كنتُ طفلاً قد رافقني بقدر قلّة المال. كما تعلم، أنا مجنون نوعاً ما. زوجتي ليست مثلي. هي تعلم أنّه يمكنك التخلص من الأشياء التي لا تحتاجها”.
ويختم: “إحدى الأمور الرائعة الآن بخصوص المال هو ما يمكنك فعله به. إذا كان لدى العائلة والأصدقاء أيّ مشكلة طبية، يمكنني القول: “سأساعد”. أجمل شيء في امتلاك المال هو أنّه يمكنك مساعدة الناس به”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا