النازيون عادوا إلى ألمانيا بثياب الشرطة

مدة القراءة 9 د

 

بقلم كاترين بنهولد (نيويورك تايمز)

 

خلال سفرة عمل، وبعيدًا عن المنزل، تلقّت “باساي يلدز” فاكسًا تقشعرّ له الأبدان، في فندقها: “أيتها الخنزيرة التركية القذرة…سوف نذبح ابنتك”.

كانت محامية الدفاع الألمانية من أصل تركي والمتخصّصة في قضايا الإرهاب الإسلامي، السيدة باساي يلدز، معتادة على تلقي تهديدات من اليمين المتطرف. لكنّ هذا التّهديد الذي وصل في ساعة متأخرّة من إحدى ليالي شهر آب 2018، كان مختلفًا.

ذيّل التهديد بالأحرف الأولى من اسم جماعة إرهابية نازية جديدة سابقة، واحتوت على عنوانها، الذي لم يكن متاحًا للعموم بسبب التهديدات السابقة. لذلك فمن المؤكد أنّ المرسل يستطيع الوصول إلى قاعدة بيانات محمية من قبل الدولة.

تتذكر السيدة باساي يلدز في مقابلة: “كنت أعلم أنّني يجب أن آخذ هذا الأمر على محمل الجد – كان عنواننا بحوزتهم، وكانوا يعرفون أين تعيش ابنتي. ولهذا قمت للمرة الأولى بالاتصال بالشرطة”.

لم تشعرها هذه الخطوة بالأمان. فقد أظهر تحقيق لاحق أنّ المعلومات قد تم استخراجها من جهاز كمبيوتر للشرطة.

يتجدّد اليمين المتطرف في ألمانيا، بطرق جديدة وقديمة جدًا، مما يرعب بلدًا يفتخر بالتعامل بصدق مع ماضيه الاجرامي. تحقيق برلماني صدر هذا الشهر واستمر عامين خلص إلى أن شبكات اليمين المتطرف قد اخترقت على نطاق واسع أجهزة الأمن الألمانية، بما في ذلك نخبة القوات الخاصة.

لكن الخبراء يحذرون من أنّ المؤشرات متجهة بشكل متزايد نحو الشرطة الألمانية، وهي قوة مترامية الأطراف ولامركزية وتعتمد إشرافاً أقلّ صرامة من الجيش، وتتولّى الإشراف المباشر على السلامة اليومية للمواطنين.

بعد الحرب العالمية الثانية، كان الانشغال الأكبر بين الولايات المتحدة وحلفائها والألمان أنفسهم هو عدم عسكرة قوة الشرطة في البلاد أو تسييسها واستخدامها كعصا من قبل دولة استبدادية مثلما كان حال “الغستابو”.

يتجدّد اليمين المتطرف في ألمانيا، بطرق جديدة وقديمة جدًا، مما يرعب بلدًا يفتخر بالتعامل بصدق مع ماضيه الاجرامي. تحقيق برلماني صدر هذا الشهر واستمر عامين خلص إلى أن شبكات اليمين المتطرف قد اخترقت على نطاق واسع أجهزة الأمن الألمانية، بما في ذلك نخبة القوات الخاصة

خضع عمل الشرطة للإصلاح بشكل جذري في ألمانيا الغربية بعد الحرب، ويتم الآن تعليم الطلاب العسكريين في جميع أنحاء البلاد بتفاصيل لا هوادة فيها حول الإرث المخزي للشرطة في ظل حكم النازيين، وكيف تؤثّر على رسالة ومؤسسة الشرطة اليوم.

ومع ذلك، كانت ألمانيا محاصرة بسبب الكشف عن انخراط ضبّاط شرطة في أنحاء مختلفة من البلاد في مجموعات ذات أسس أيديولوجية يمينية متطرفة مشتركة.

هربرت رول، وزير الداخلية في ولاية شمال الراين وستفاليا، الأعلى كثافة من حيث السكان في ألمانيا، حيث يتم التحقيق مع 203 من ضباط الشرطة فيما يتعلق بحوادث اليمين المتطرف المبلغ عنها، يقول: “كنت أتمنى دائمًا أن تكون هذه حالات فردية، لكنّها تتزايد بشكل مستمرّ”.

بالنسبة للسيد ريول، دقّ ناقوس الخطر في شهر أيلول، حين تبيّن أنّ 31 ضابطاً في ولايته ساهموا بنشر دعاية عنيفة للنازيين الجدد. قال السيد رويل الأسبوع الماضي في مقابلة: “لقد كانوا يشكلون تقريًبا وحدة كاملة من الضباط. وقد اكتشفنا ذلك بالصدفة. أثار الأمر إعجابي. فهذا ليس بالأمر التافه”.

تم إيقاف الضباط الـ31 في ولاية ريول الغربية في شهر أيلول بتهمة مشاركتهم صور هتلر ورسومات عن لاجئ في غرفة غاز وإطلاق النار على رجل أسود. كان رئيس الوحدة جزءًا من هذه الدردشة أيضًا.

في شهر تشرين الأول، تم اكتشاف مجموعة دردشة عنصرية جمعت 25 ضابطًا في شرطة برلين بعدما شعر أحد الضباط بالغضب لأنّ الرؤساء لن يفعلوا أي شيء حيال ذلك فأطلقت صفارة الانذار. في الموازاة، طرد ستة طلاب من أكاديمية الشرطة في برلين بعد تقليلهم من أهمية الهولوكوست وتبادل صور الصليب المعقوف في مجموعة دردشة ضمت 26 عضوًا آخرين.

في شهر تشرين الثاني، تمت مداهمة مركز للشرطة في مدينة إيسن الغربية بعد اكتشاف صور للذخيرة والمقاعد التي تم ترتيبها لتشكيل الصليب المعقوف في دردشة عبر تطبيق WhatsApp. في الأسبوع الماضي، تم اكتشاف محادثة عنيفة لليمين المتطرف مع أربعة ضبّاط شرطة في مدينتي كيل ونيومونستر الشماليتين. وعثِرَ على ذخيرة وتذكارات نازية في مداهمات لمنازل ضابطين.

الكثير من التركيز صُبَّ على ولاية إيسن، وهي موطن السيدة باساي يلدز التي تعيش في فرانكفورت، وموطن عدد من المستهدفين البارزين لتهديدات النازيين الجدد. وهي على معرفة وثيقة بالتمييز في ألمانيا. فحين كانت في العاشرة من العمر، اصطحبها والداها وكانا عاملان مقيمان آتيان من تركيا، لكي تساعدهما في الترجمة لشراء تأمين للسيارة. رفض البائع بيعهم، وقال: “لا نريد أجانب”.

هربرت رول، وزير الداخلية في ولاية شمال الراين وستفاليا، الأعلى كثافة من حيث السكان في ألمانيا، حيث يتم التحقيق مع 203 من ضباط الشرطة فيما يتعلق بحوادث اليمين المتطرف المبلغ عنها، يقول: “كنت أتمنى دائمًا أن تكون هذه حالات فردية، لكنّها تتزايد بشكل مستمرّ”

تتذكر السيدة باساي يلدز: “لذلك قرّرتُ أن أعرف نوع الحقوق التي أمتلكها في ألمانيا”. ذهبت إلى المكتبة ووجدت وكالة لتقديم شكوى وحصلت على التأمين الذي أراده والداها.

في تلك اللحظة عرفت ما تريد أن تفعل في حياتها.

صعدت إلى الصدارة كمحامية عندما مثلت عائلة بائع زهور تركي أصيب برصاصة حين كان في كشكه على جانب الطريق. كان أوّل ضحية لـNational Socialist Underground، المعروف باسم N.S.U.، وهي جماعة إرهابية نازية جديدة قتلت 10 أشخاص، تسعة منهم من المهاجرين، بين عامي 2000 و2007.

ألقت قوات الشرطة في جميع أنحاء ألمانيا باللوم على المهاجرين، ولم تدرك أنّ الجناة كانوا من النازيين الجدد المطلوبين، في حين ساعد مخبرون يتقاضون رواتبهم من المخابرات في إخفاء قادة المجموعة. مزّقت المخابرات ملفات المخبرين في غضون أيام من تفجّر الرواية بين الجماهير في عام 2011.

بعد محاكمة استمرّت خمس سنوات ولم تنتهِ سوى بحلول تموز من العام 2018، حازت السيدة باساي يلدز على تعويض متواضع لعملائها لكن ليس أكثر ما كانوا يأملون: “ما هو حجم تلك الشبكة وماذا عرفت مؤسسات الدولة؟ بعد 438 يومًا في المحكمة ما زلنا لا نعرف”.

بعد ثلاثة أسابيع من انتهاء المحاكمة، تلقت أوّل تهديد عبر الفاكس. لم يتوقفوا منذ ذلك الحين. إذ تجسّد يلدز على وجه التحديد نوع التغيير في ألمانيا الذي يحتقره اليمين المتطرّف.

لكنّها ليست الوحيدة. تم استخدام أجهزة كمبيوتر الشرطة في ولاية هيسن لاستخراج بيانات عن الممثل التركي الألماني، إيدل بيدر، وكذلك عن السياسي اليساري جانين ويسلر، اللذين تلقّيَا تهديدات. فشل رئيس شرطة الولاية في الإبلاغ عن ذلك طوال أشهر. وكان عليه أن يستقيل في شهر تموز.

كانت حكومة الولاية تبحث في 77 حالة من حالات التطرّف اليميني المتطرف في قوات الشرطة التابعة لها منذ عام 2015. وفي الصيف الماضي، عينت محققًا خاصًا يركز فريقه فقط على تهديدات البريد الإلكتروني.

حين اكتشف المحققون أنّه تم جمع معلومات خاصة بالسيدة باساي يلدز من جهاز كمبيوتر في المنطقة الأولى في فرانكفورت قبل ساعة ونصف من تلقيها التهديد، تم إيقاف ضابط الشرطة الذي قام بتسجيل دخوله في ذلك الوقت. تم تفتيش مركز الشرطة بالكامل وتحليل أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، ما أسفر عن توقيف خمسة ضباط آخرين. في وقت لاحق من العام، ارتفع العدد إلى 38.

لكن السيدة يلدز غير مطمئنة، إذ قالت: “إن كان لديك 38 شخصًا، فالمشكلة التي سوف تواجهها هي مشكلة هيكلية. وإذا لم تدرك ذلك، فلن يتغيّر شيء”.

ويخشى آخرون أيضاً من أن يؤدّي تسلّل صفوف الشرطة إلى مخاطر خاصة على ألمانيا، ليس أقلّها التخريب الزاحف على مؤسسات الدولة التي يفترض أن تخدم وتحمي الجمهور.

قال ستيفان كرامر، رئيس وكالة الاستخبارات في ولاية تورينجيا الشرقية: “هذه الدعوات اليمينية المتطرفة لمقاومة الموظفين العموميين هي محاولة لتخريب الدولة من الداخل. خطر التسلل حقيقي ويجب أن يؤخذ على محمل الجد”.

تعامل حزب “البديل” اليميني المتطرف بقوة مع الشرطة، مثلما عامل الجيش. منذ تأسيسه في عام 2013، يعرَف الحزب بالأحرف الأولى في ألمانيا، AFD، ومعناه: حزب “البديل من أجل ألمانيا”. أربعة من المشرعين بداخل البرلمان من الحزب والبالغ عددهم 88 هم ضباط شرطة سابقون، ما يقرب من 5% مقارنة بأقلّ من 2% في جميع الأحزاب الأخرى.

كانت حكومة الولاية تبحث في 77 حالة من حالات التطرّف اليميني المتطرف في قوات الشرطة التابعة لها منذ عام 2015. وفي الصيف الماضي، عينت محققًا خاصًا يركز فريقه فقط على تهديدات البريد الإلكتروني

كان اختراق مؤسسات الدولة، خصوصاً تلك التي تحمل أسلحة، جزءًا من الاستراتيجية التي اعتمدها الحزب منذ البداية. في الدول الشرقية على وجه الخصوص، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا، الأكثر تطرّفاً بالفعل، اختراقاتٍ عميقة في قوّة الشرطة.

بيورن هوك، مدرس التاريخ الذي تحوّل إلى سياسي مثير للقلق يدير حزب “البديل من أجل ألمانيا” في ولاية تورينغيا الشرقية، ناشد ضبّاط الشرطة وعملاء المخابرات بشكل متكرّر لمقاومة أوامر الحكومة، التي يسميها “العدوّ الحقيقي للديمقراطية والحرية”.

إقرأ أيضاً: تركيا تطلق تلفزيوناً إسلامياً.. لشعوب المغرب العربي

ثم تأتي مسألة ما إذا كانت قوّة الشرطة قادرة على ضبط نفسها بشكل مناسب. وتلاحظ السيدة يلدز أنّه على الرغم من الأدلة القوية في قضيتها، لم يتم التعرف على الجناة.

تبين أنّ الضابط الذي سجل الدخول إلى محطة العمل التي تم استخدامها للوصول إلى عنوان منزلها، وأسماء وأعياد ميلاد ابنتها وزوجها وأمها وأبيها، هو عضو من مجموعة الواتساب التي تحتوي على عشرات من ضباط الشرطة الذين شاركوا محتوى عنصريًا ونازيًا جديدًا.

أظهرت إحدى الصور هتلر على قوس قزح مع جملة توضيحية تقول: “تصبحون على خير، أيها اليهود”. كانت هناك صور لنزلاء معسكرات الاعتقال وصور تسخر من اللاجئين الغريقين والأشخاص المصابين بمتلازمة داون.

جرى توقيف الضباط واستجوابهم. قدم هؤلاء أعذارًا متعددة، منها أنّ طلبات الوصول إلى المعلومات كثيرة جدًا، ولم يتمكّنوا من تذكّر وصولهم إليها، وبأنّه يمكن للعديد من الضباط استخدام الكمبيوتر نفسه.

توقف التحقيق هنا.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

 

 

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…