محمد بعاصيري. إسم آخر، يريد رئيس تيار الوطني الحرّ جبران باسيل، أن يجعل منه طعماً لتحسين علاقته بالأميركيين، بعد عامر الفاخوري، الذي افتتح باسيل بإطلاق سراحه، إزالة إسمه عن لوائح العقوبات الأميركية. وسيستمر دون هوادة، بحثاً عن ظروف أفضل لوضعيته مع الإدارة الأميركية، التي يرى فيها براغماتية، لا يهمّها غير تلبية مصالحها، وإذا ما تمكّن من ذلك، لن يكون هناك مشكلة في التعاطي معه.
منذ التسوية الرئاسية، كان الرئيس ميشال عون وعلى يمينه باسيل، يعتبران أنّه لا بد من الإمساك بالمفاصل الأساسية في الدولة لتمكين حكمهم وتثبيت ركائزهم والتأسيس لمراحل مستقبلية.
نجح عون بداية، في الحصول على التعيينات العسكرية التي يريدها، استحوذ على وزارة العدل، لقناعته أنه لا يمكن إمساك البلد بدون الأمن، العسكر، والقضاء. لديه الغطاء السياسي اللازم، بموجب تمثيله وتحالفه مع حزب الله، وصادفه رئيس حكومة مدّه بكل ما يريد وبأقصى مما تمنى وتوقع. فلا بد من الدخول للسيطرة على المفاصل المالية والإقتصادية في الدولة، من مصرف لبنان إلى المصارف وشركة طيران الشرق الأوسط، وكازينو لبنان وكل المرافق التي يعتبرها تدرّ اموالاً وفيرة وتشكل متسعاً لإسداء خدمات كبيرة.
إقرأ أيضاً: المُرشد الأعلى” للحكومة: “هيدا مش شِغل”!
نجح عون وباسيل مدعومين بحزب الله، من تجاوز الدور الوطني والمؤسساتي للسنّة في لبنان، وبذلك تكون حقبة اتفاق الطائف قد انتهت بالممارسة، خاصة أن الحريري أيام التسوية، لم يكن ليتخذ أي موقف معاند لرغبات عون وباسيل، ولو كانت تلك الرغبات على حساب الثوابت، أي الطائف والطائفة والدولة والمؤسسات. ولنا في ذلك أمثلة كثيرة منها قانون الإنتخاب، والتعيينات العسكرية والقضائية. في المقابل، أسدى عون وباسيل جلّ الخدمات لحزب الله، وقبضوا الثمن الكبير بالقبض على مفاصل الدولة في لبنان. يبقى الآن، استكمال سنوات عهد عون المتبقية، وبحث باسيل عن مستقبل رئاسي له.
لعبته هنا تحتاج إلى موازنة بين حزب الله والأميركيين. يتردد رئيس التيار الوطني الحرّ بين فترة وأخرى إلى الضاحية الجنوبية للقاء نصرالله. تواصله يومي ومباشر مع الحزب، وله حظوته إنطلاقاً من الحاجة إليه كغطاء مسيحي. يبقى الأميركيون الذين لا بد من إرضائهم رهاناً على براغماتيتهم. يسعى “الوزير السابق” إلى تعزيز العلاقة بالأميركيين، بذل كل جهوده في سبيل إطلاق فاخوري، يحاول أخذ دور توفيقي في ملف ترسيم الحدود، ليبيعها للأميركيين وللحزب معاً، وما بينهما، تبقى عينه شاخصة إلى المرافق الغنية الآنفة الذكر، هجوم على محمد الحوت، بعد رياض سلامة، واستخدام ورقة التعيينات للدخول في تفاوض مباشر مع الأميركيين.
عندما رفع باسيل الفيتو بوجه محمد بعاصيري، هدف إلى إرضاء حزب الله والمزايدة عليه، مع العلم أن حزب الله لم يكن منزعجاً كثيراً من أداء بعاصيري، لعلمه بمدى صلاحيات النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان، أراد باسيل من خطته للتعيينات أن يحاصر سلامة ويطوقه، بنواب جدد، وهيئة رقابة ومفوضة للحكومة في الثلاثين من عمرها. وصلت الرسالة الأميركية الضاغطة على الحكومة برمّتها من بوابة التعيينات وبعاصيري، وصل الأمر بالأميركيين إلى إبلاغ اللبنانيين بأن لهم أن يعينوا من يريدونه ولكن واشنطن ستدرس إذا ما ستستمر بالتعاون. فهم المعنيون الرسالة، بعاصيري خطّ أحمر. التقط باسيل الصنارة، والتي أراد لبعاصيري أن يكون طعمها في فتح المزيد من الخطوط له مع الأميركيين، سواء على إسمه أو على غيره مع تقديم تعهدات بأن يستمر النهج نفسه ولا ترتبط القضية بشخص أو بإسم.
يراهن باسيل على براغماتية حزب الله، وعدم ذهابه في هذه المرحلة إلى مواجهات كبرى ومفتوحة مع القوى الدولية وخصوصاً الأميركيين. لبنان بأمس الحاجة إلى مساعدات، وعندما ناشد رئيس الجمهورية ميشال عون دول الخليج والعرب مساعدة لبنان، كان قد حصل على ضمانة من حزب الله بعدم تصعيد المواقف ضد المملكة العربية السعودية، أكمل عون رسائله بتعهده بعدم لجوء حزب الله إلى أي خيارات عسكرية أو استفزازية.
تستمرّ رسائل التودد، أبدى باسيل بعد نصر الله الإستعداد إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي والتفاوض معه. في إجتماع بعبدا مع سفراء مجموعة الدعم الدولية، أشار رئيس الحكومة إلى إنجاز الخطة الإقتصادية خلال أسبوعين، ومراسلة البنك الدولي. موقف دياب في الإجتماع لاقى استحساناً من السفراء وتفهماً، مع المطالبة بالعمل الجدي أكثر، وتقديم أرقام علمية. موقف عون اعتبره السفراء مكرراً ولم يقدم أي جديد، إنما يستمر في الهروب إلى الأمام وتحميل المسؤوليات للآخرين. يبرز تباين في الموقف الدولي في التعاطي مع عون ودياب. بعض المعطيات تفيد بأن التواصل قائم بين دياب والأميركيين، وحزب الله يتعاطى ببراغماتية في هذه المرحلة.
لطالما، ادعى عون وحزب الله وباسيل السعي للإصلاح منتقدين خصومهم السياسيين، وهم لا يريدون غير الوصول إلى السلطة واستخدام تلك المآثر في الصراع عليها
آخر ما تتوجه به رسائل التودد والبراغماتية، هو البيان الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين، بإدانة الإعتداءات الصاروخية الحوثية على المملكة العربية السعودية، صدر البيان يوم أمس فيما الإعتداءات كانت قد حصلت قبل عشرة أيام، هذا مؤشر لا بد من التوقف عنده، ورصد محاولات الحكومة ووزاراتها للتودد إلى دول الخليج وإبداء حسن النية لتحسين العلاقات.
لطالما، ادعى عون وحزب الله وباسيل السعي للإصلاح منتقدين خصومهم السياسيين، وهم لا يريدون غير الوصول إلى السلطة واستخدام تلك المآثر في الصراع عليها. فنجح بتطويع كل خصومهم. أتوا بحكومة تمثلهم، يريدون لها أن تفتتح علاقاتها الخارجية التي كانوا يعيبونها على الخصوم. ويمارسون الممارسات ذاتها التي أسبغوها على الآخرين، يهاجمون المصارف ومصرف لبنان، لأنهم يريدون الولوج إلى التأثير في سياستهم، بدون تغييرها. وهم إن عابوا على الخصوم علاقاتهم بالأميركيين، فبهدف ربطها بهم، عامر الفاخوري كان بداية، وتأجيل البت بالتعيينات إشارة ثانية بانتظار التفاهم والحصول على الغطاء، وما سيلي من إقتراحات ومشاريع سيتكون متشابهة في سياقاتها، وصولاً إلى الملف السياسي والإستراتيجي وهو ترسيم الحدود، الذي يحلم باسيل بإنجازه وفق ما يشتهي ويفكّر، بما يمهد له لعب دور رابط العلاقة بين الحزب والأميركيين بالإستناد إلى الحكومة الحالية، وإلى تطورات إقليمية ودولية.
حتى الآن هذه رغبات باسيل وقليل من الوقائع. قد يكون باسيل متفائلاً أكثر من اللازم. وهذا ليس جديداً عليه.