شكّلت تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة في طرابلس محطة هامة حملت الكثير من المعاني حول قدرة الناس على التغيير مع الفوز الذي حققته لائحة الائتلاف بين الوزير السابق أشرف ريفي والمجتمع المدني، والتي اصطدمت بالعجز التام عن الحفاظ على إنجاز الانتصار على تحالف سياسي عريض اصطفّ في مواجتهها، لتصطدم باختيار الرئيس أحمد قمر الدين ويعود الانقسام إلى المجلس البلدي. واستمرّ النزف إلى أن قامت ثورة جديدة، أقصت قمر الدين وجاءت بالدكتور رياض يمق على رأس المجلس البلدي، متجاوزة كل الضغوط والتدخلات السياسية، وصولاً إلى تركيبةٍ بدت الأقرب إلى منطق الثورة والتغيير.
في الجلسة الحوارية عند المهندس محمد عرب، كانت هذه الخواطر والهواجس حاضرة بقوّة، مما دفع إلى أجواء مصارحة ومكاشفة لم يستطع بعض محبّي الخطاب التقليدي المقدّس لـ”الرموز” و”المرجعيات” أن يكبح جماح أصحاب الآراء الحرة والأصوات العالية، فكانت المعلومات تتدفق والعورات تتكشّف.
إقرأ أيضاً: طرابلس تتساءل: ماذا عن الدولة الظالمة؟(2/1)
خلال سرد رئيس البلدية الدكتور رياض يمق حكاية العوائق في وجه العمل البلدي، أورد أن أكبرها يكمن في العلاقة مع السلطة المركزية، مشيراً إلى أنّه في العام 2018 لم يُقرّ صرف مبلغ 300 مليار ليرة لبنانية لتغطية ترميم آثار طرابلس. وعند سؤاله: “من كان رئيس الحكومة؟” أجاب يمق: “ليس مهماً من كان رئيساً للحكومة”، في محاولةٍ دبلوماسية لتجنّب الخوض في نقاشٍ سياسي مباشر. لكنّ الواقع أنّ الرئيس سعد الحريري كان وعد بعقد جلسةٍ لحكومته في طرابلس لإقرار المشاريع الحيوية لها، وهو اجتماع لم ينعقد أبداً، وخرج من الحكم من دون أن يحقـّق أيّاً من وعوده. بينما كان جبران باسيل يحصد المشاريع بالجملة، بعد أخذها من درب عكار وطرابلس، من الكلية البحرية وصولاً إلى السيطرة الكاملة على مواقع شركة الكهرباء والتعليم ومصفاة طرابلس، فضلاً عن تمكـّنه من تعطيل كل حركة لتفعيل معرض الشهيد رشيد كرامي وانتهاءً بإقفال فندقه الذي بات اليوم مأوى للكلاب والقطط الشاردة..
رئيس اللجنة المالية عضو المجلس البلدي أحمد البدوي، قال للرئيس يمق خلال الجلسة: “إنّك يا دكتور رياض تساير وتحاول أن تصل إلى الأهداف المطلوبة بالدبلوماسية، وأنا شخصياً سأعطي الجميع مهلة ثلاثة أسابيع كحدٍّ أقصى للوصول إلى نتائج عملية، وإلا فإنّني سأقلب الطاولة على الجميع، وأسمّي كل المعرقلين والفاسدين بأسمائهم”.
ولدى الاستفسار منه حول ما يقصده، قال البدوي: “الفساد في البلدية يتجاوز عمره الثلاثين عاماً، وهو يحول دون تطبيق أي إصلاح، امتلأت خلالها مفاصل البلدية بالمحسوبيات والموظفين الفاشلين والمحسوبين على الزعامات بحيث بات يستحيل القيام بأيّ عمل تنموي أو تطويري بوجود هذه التركيبة، لأنّها متحالفة مع سياسيين كلّ همّهم السطو على حقوق الشعب واحتلال مؤسساته والعمل ضد مصالحه..
وسأل البدوي: “لماذا تقوم البلدية بتلزيم ورش التزفيت والأرصفة وغيرها لمتعهدين يحقـّقون أرباحاً طائلة ويسيء معظمهم التنفيذ، فيفسدون شوارع المدينة، بينما لدى البلدية ورش مهمتمها الأساسية الصيانة والقيام بأعمال التزفيت والتأهيل؟ فإما أن تقوم الورش بمهماتها ونستغني عن التلزيمات، وإما نعتمد التلزيم ونلغي الورش”.
وزيرة الداخلية السابقة ريّا الحسن قامت بزيارة البلدية لتقدّم لمجلسها “نصيحة” بضرورة أخذ الإحتياطات لتأمين الوضع الغذائي والإنساني
وأضاف البدوي: “كلفة الموظفين والعمال والشرطة البلدية تبلغ 30 مليار ليرة لبنانية، فهل تنتج البلدية مقابل هذا المبلغ الذي يتضمّن معاشاتٍ ورواتب مخيفة، مقابل إنعدامٍ للإنتاج بشكلٍ وقحٍ، يجعل البطالة المقنـّعة هي السائدة، الفشل البلدي من نصيب المجلس والأعضاء؟”.
وأكد البدوي على الوقوف في وجه السياسيين وكبح تدخلاتهم في العمل البلدي، متسائلاً: “أين هي الملفات التي أرسلتها البلدية إلى التفتيش، ولماذا يجري دفنـُها ووقف عمليات مكافحة الفساد الضرورية والملحّة، ولماذا تعطيل آليات الرقابة برعاية سياسية فاضحة وفاقعة؟!”.
أما ختام هذا النقاش، فكان حول واقع طرابلس في ظلّ الثورة وتحديات الأمن الغذائي. ليقول أحد أعضاء المجلس البلدي إن وزيرة الداخلية السابقة ريّا الحسن قامت بزيارة البلدية لتقدّم لمجلسها “نصيحة” بضرورة أخذ الإحتياطات لتأمين الوضع الغذائي والإنساني، من دون أن تقدّم أيّ تصوّرٍ أو مساندة للبلدية حول “كيفية” القيام بهذه المهمة الشاقة، التي هي أصلاً من مهمات الحكومة، وليس البلديات، فكان لسان حالها يقول:”دبّروا حالكم”.
من هنا كان الختام حول هذا الموضوع بتأكيد ضرورة التحرّك على قاعدة “ما حكّ جلدك مثل ظفرك.. فتولّ أنت جماع أمرك”. فهل يفعل الطرابلسيون؟