الأسبوع الفائت، كان أسبوع الأخطاء لرئيس الحكومة حسان دياب. هي أربعة أخطاء في أقلّ من خمسة أيام. وهذه المرة، بلغ الرقم القياسي في زمن يسير، أي منذ نيله ثقة النواب المتسللين بين جموع الثوار في الشوارع المحيطة بالبرلمان.
الخطأ الأول كان في التنازل عن بعض صلاحياته الدستورية وتفويضها لمدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير. وحتّى لو سبق لرؤساء حكومة سابقين أن فوّضوا بعض صلاحياتهم، بالطريقة نفسها، كأنه عُرف دستوري يراد تكريسه، فبماذا يختلف دياب عن رؤساء الحكومات السابقين وهو جاء تحت عنوان مختلف، أي الاستقلال عن الطبقة السياسية، ومن أجل تنفيذ الدستور والقوانين؟.
إقرأ أيضاً: حسّان دياب: الرجل الذي لا يعرف
أما الخطأ الثاني، فكان سياسياً محضاً، وذلك حين استقبل السفير السوري علي عبد الكريم علي في السراي الحكومي للمرة الأولى منذ العام 2014. ومعلوم أنّ من المهمات الرئيسة لهذه الحكومة اكتساب ثقة الداخل والخارج، والبرهنة على أنها ليست حكومة اللون الواحد التي تنفذ أجندة فريق سياسي معلوم، ففي أي خانة يمكن وضع هذا الاستقبال؟ وهل يندرج في خطة إنقاذ لبنان؟ لا سيما وأن الدول المانحة المفترضة، التي على الرئيس دياب أن يقنعها لتقديم الدعم للبنان، لديها مشكلات معقدة مع النظام السوري الحالي. فهل قرّر رئيس الحكومة اعتماد الخيارات السياسية والاقتصادية لمحور الممانعة نزولاً عند رغبات الفريق السياسي الذي جاء به؟ وهل هو مقتنع بتلك الخيارات؟ أم يبغي اللعب على الحبلين؟ أم أنّه لا يعرف ماذا يفعل؟
ثم جاء الخطأ الثالث، لجهة سكوته عن تفويض رئيس الجمهورية له التفاوض مع خبراء صندوق النقد الدولي، استناداً إلى المادة 52 من الدستور. مع العلم، أنّ المادة المذكورة تنصّ على أنّ رئيس الجمهورية يتولّى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة بعد عرضها على مجلس الوزراء، أي لا ينفرد بالتفاوض، بل بالاتفاق مع رئيس الحكومة. فما معنى تفويضه رئيس الحكومة؟ وهل هو إلا من أجل القول إنّ لرئيس الجمهورية الحقّ المطلق بالتفاوض، في المقام الأول، حتى يتسنّى له عندما يرى ذلك مناسباً التفويض بالتفاوض، في حين أنّ رئيس الحكومة بعد تعديلات الطائف، هو الذي يمثّل الحكومة، والحكومة مجتمعة بيدها السلطة التنفيذية، وهو الناطق باسم الحكومة والمسؤول عن تنفيذ سياساتها. وثمة شراكة بينه ورئيس الجمهورية في التوقيع على المراسيم، في موازنة دقيقة بين صلاحيات الرئيسين. وعليه، فإنّ رئيس الحكومة لا يفوَّض بصلاحية ما، ولا يكلَّف بمهمة ما. وكأنّ هناك في القصر الجمهوري من يستعجل إظهار دياب مكلفاً أو مفوضاً وليس صاحب صلاحيات حقيقية، في عودة عملية إلى ما قبل اتفاق الطائف.
هل هناك من يستضعف الرئيس دياب لدرجة التصريح عنه؟ وكأنّ من صاغها، وكتبها، لا يُعير الحكومة ورئيسها أي اعتبار والأرجح أكثر أنّ الرئيس دياب لم يقل هذا الكلام في مجلس الوزراء بل “أُنزل” على البيان الذي قرأته وزيرة الإعلام بعد الجلسة
أما الخطأ الرابع وهو الأشد غرابة، فهو لجوء الرئيس دياب، في الكلام المنقول عنه خلال الجلسة، إلى افتعال مشكلة مع جهة مجهولة أو جهات لم يسمّها تسمّمم علاقات لبنان مع دول صديقة وشقيقة من خلال ما أسماه “ممارسة الألاعيب ومحاولات تشويه الحقائق والتزوير والتزييف والاستهداف الشخصي عبر اختلاق أكاذيب وروايات ورمي اتهامات وتغيير في الحقائق”. وكل هدف هؤلاء كما يقول، هو التحريض على البلد ومحاولة قتل كل أمل بإنقاذه وأنها لا تهتم بأنه ينهار، بل “المهم عندهم أن تفشل الحكومة وأن لا تنكشف عوراتهم والموبقات التي ارتكبوها وأدت إلى الأوضاع الخطيرة التي يعيشها البلد اليوم على كل المستويات: المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية”. وهي عبارات لم يعهدها اللبنانيون منه، أولاً، لأنه أصلاً قليل الكلام، وإن تكلم ففي خطاب مكتوب ومرصوف. وهي ثانياً لا تليق بمقام رئاسة مجلس الوزراء، وهي غير معهودة في تصرفات رؤوساء الحكومة من قبله، فمن هم الذين يتآمرون عليه؟ وهل ما نُقل عنه صادر عنه حقاً أم أن هناك من أسقط الكلام عليه؟ هل هناك من يستضعف الرئيس دياب لدرجة التصريح عنه؟ وكأنّ من صاغها، وكتبها، لا يُعير الحكومة ورئيسها أي اعتبار والأرجح أكثر أنّ الرئيس دياب لم يقل هذا الكلام في مجلس الوزراء بل “أُنزل” على البيان الذي قرأته وزيرة الإعلام بعد الجلسة.
إنّ الدول العربية، وتحديداً منها الدول الخليجية التي أعلن رغبته بزيارتها، تعرف تماماً، وهو يعرف أنها تعرف، أنّه وحكومته نتاج رغبة طرف واحد من الأطراف اللبنانية، يقوده حزب الله دون غيره، وأنّ التشكيلة الحكومية، ما كانت لتبصر النور لولا الضغوط التي مارسها على حلفائه في اللحظات الأخيرة.
لقد سعى الرئيس دياب إلى استباق طلبه بتحديد مواعيد جولته الخليجية، بإطلاق هذا الاتهام، آملاً في أن تجد تلك الدول نفسها مضطرة إلى تحديد مواعيد له للقاء الزعماء فيها نفياً لهذه الاتهامات. هي محاولة ابتزاز بدائية، على مواعيد خليجية، خارج إرادة عواصم هذه الدول، وحساباتها السياسية.