تفاصيل زيارة الحريري إلى الإمارات

مدة القراءة 5 د


منذ انقلاب الرئيس سعد الحريري على نفسه وتسويته، وهو يبحث عن صيغة للهروب إلى الأمام وجد نفسه في واقع لا يجيد قراءته ولا يريده. عهد ميشال عون مستمر بدونه، حكومة جديدة برئاسة شخصية من خارج النادي التقليدي، تجري لقاءات دولية واجتماعات مع مؤسسات وصناديق للبحث عن حلول للأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان، وقد بدأت تلعب دوراً كان يحصره بنفسه ولا يتوقع أن يحلّ بديل مكانه. قفز الحريري من المركب الغارق، بحثاً عن عودة قوية. قفزته وضعت واقع الطائفة السنية في لبنان على مشرحة البحث، في مراجعات شاملة لتاريخ طويل منذ نشوء دولة لبنان الكبير إلى ميثاق العام 1943، وصولاً إلى اتفاق الطائف والدوحة والانقلاب عليهما.

إختار رئيس تيار المستقبل الخروج بثلاثة عناوين. إعادة هيكلة تياره وتنظيمه، تغيير الخطاب السياسي ووجهته بكسر العلاقة مع التيار الوطني الحرّ، والذهاب إلى جولة خارجية، خصوصاً إلى الخليج وتحديداً دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. يريد ترتيب علاقته مع دول الخليج، التي لم تكن راضية على الإطلاق عن أدائه السياسي، منذ ما قبل التسوية إلى ما بعدها. ولعلّ تحسين العلاقة يعيده قوياً، ويحيي لديه شعوراً “أُحبط” مراراً، بأنه الزعيم الأوحد والممثل الوحيد للسنّة كما، كان اعتاد منذ اغتيال والده. وهو عقد في الإمارات لقاءات عديدة مع المسؤولين، كانت تمهيدية للقائه بولي العهد الشيخ محمد بن زايد،  بعد أربعة أيام مكثها في الإمارات برفقة مستشاره غطاس خوري، لم يعلن خلالها عن أي نشاط أو لقاء رسمي له، وجلّ اللقاءات كانت سرية. 

إقرأ أيضاً: الحريري وجعجع و”الدفّ مكسور”

لم يذهب الحريري إلى الإمارات بدون تحديد مواعيد مسبقة، لكن المضمون مختلف كما الشكل في هذه الزيارة. عدم الإعلان اليومي عن نشاطه ولقاءاته لا يعني أنه لم يعقد لقاءات قُصد منها أن تبقى غير علنية، للإشارة إلى أنّ المواقف لم يعد بالإمكان أن تُبنى بالصور والادعاءات، وبالأفعال لا بالأقوال. وهذا ما شدّد عليه المسؤولون الإماراتيون الذين التقوه، وناقشوا معه كل التطورات اللبنانية ومسيرته التي أوصلت الأوضاع السياسية في لبنان إلى هذه الحالة، من دون إخفاء ملاحظات قاسية على الأداء السياسي، لا تخلو من إشارات إلى أنه لا يمكن اختزال العلاقة بلبنان أو حتى بالطائفة بالسنية بالعلاقة معه حصراً، والتشديد أمامه على أن العلاقة ترتبط بالمواقف التي يتخذها. وفي ضوء المراجعات التي أُجريت، كان تذكير بوجوب إعادة نظر الحريري بكل مسيرة تياره والأزمات التي أصابته سياسياً، مع التأكيد على ضرورة التنسيق مع القوى الأخرى التي استعداها أو أبعدها أو خاصمها لأهدافه الشخصية.

إلى جانب زيارته الإماراتية، عمل الحريري على التحضير لزيارة إلى المملكة العربية السعودية، وكان يفترض أن يزورها للقاء الأمير محمد بن سلمان. حصل أولاً على مواقفة مبدئية بدون تحديد موعد دقيق، فيما عاد خوري الأحد إلى بيروت، وبقي الحريري في الإمارات ينتظر مواعيد السعودية أو الذهاب إلى باريس ليعود منها إلى بيروت. كان مصراً على عدم الإعلان عن زيارته إلى السعودية إلا بعد تأكيد الموعد، كي لا يحصل أي تغيير ويكون الخبر قد تسرّب بينما اللقاء لم يعقد. وبالإضافة إلى جولته الخليجية، يعمل الحريري على الإعداد لجولة دولية تشمل لندن وباريس وواشنطن، وذلك للإيحاء بأنّه الزعيم القادر على عقد لقاءات مع رؤساء الدول وإن لم يكن رئيساً للحكومة، معلناً أنّه يعمل من خارج رئاسة الحكومة لمساعدة لبنان.

وأكثر ما يسهم في إضعافه، أنّه أصبح مهجوساً بالتساؤلات عن شخصيات أخرى على الساحة السنية

بعيداً من هذا النشاط وسعي الحريري الدائم خلف صورة  تظهره “في أوج قوته”، هناك شروط تفرض نفسها عليه داخلياً وخارجياً. الكلام الذي يُتداول في الأروقة السياسية عنه أنّه لا يتخّذ موقفاً واضحاً، وفي كل موقع يتحدث بلسان وموقف. وهذا أسلوب لم يعد يجدي نفعاً لا في لبنان الذي لا يريد الدخول في مواجهة سياسية، ولا في الخارج الذي يعدُه بالمواجهات وفتح المعارك، فيما هو عاجز عن الدخول فيها بعيد عودته. هذه الإزدواجية التي أسهمت في إضعافه وإضعاف موقفه وضربت علاقته مع حلفائه المحليين والخارجيين، وراحت تنعكس على كوادر تياره، الذين يعيشون حالة ضياع لا مثيل لها. فهم يريدون المواجهة ضدّ عهد رئيس الجمهورية وصهره، وضدّ حزب الله، بينما هو يكرّر في لقاءاته معهم التشديد على ضرورة الإبتعاد عن الدخول في مواجهة مع الحزب.

 وأكثر ما يسهم في إضعافه، أنّه أصبح مهجوساً بالتساؤلات عن شخصيات أخرى على الساحة السنية. يقلقه بروز شقيقه بهاء الذي كان سؤالاً أساسياً طرحه في لقاءاته الخارجية. كما تقلقه أي شخصية قادرة على التأثير وصياغة الموقف الرصين الذي يحاكي طموحات اللبنانيين ولا سيما في بيروت وطرابلس وعكار، والبقاع. بينما هو يقف عاجزاً أمام الإنطلاق السريع لقاعدته وطائفته نحو آمال وطموحات جديدة، والبحث عن آفاق جديدة أوسع مما يقدمه هو في سردياته التقليدية، وهذا ما تعرفه بشكل دقيق السعودية والإمارات، التي عملت باكراً على استيعاب مسألة عدم حصر السنّة بشخصية واحدة، ولا برؤساء الحكومات السابقين، فكان الإنفتاح على كل الشخصيات والقيادات، لإعادة التنوع البناء إلى ممثلي هذه الطائفة، لأنّ ذلك وحده سينتج على المدى المستقبلي، وليس الغرق في مستنقع راكد.

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…