الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في ذكرى “القادة الشهداء” حمل الكثير من الإشارات الجديدة والإيجابية في مواقف وأداء الحزب داخلياً وخارجياً، ومنها الدعوة إلى تشكيل لجنة حكومية للحوار مع كل القوى السياسية والحزبية للبحث في حلول للأزمات التي يواجهها لبنان، وكذلك الدعوة لتجاوز الخلافات الداخلية في مقاربة الأزمة القائمة، والاعتراف بخطورة الأزمة المالية التي تطال الجميع بدون استثناء ومنهم جمهور وكوادر الحزب.
وقد أشار إلى هذا التغيير الإيجابي شخصيات سياسية وإعلامية ليست على وفاق مع الحزب، كما استدعى الخطاب ردوداً إيجابية من شخصيات وقوى حزبية كرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وقائد “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، اللذين وجّها رسائل إيجابية إلى نصر الله وأعلنا الاستعداد لملاقاته في منتصف الطريق من أجل الإصلاح ومعالجة الأزمة الاقتصادية. وأما النائب السابق الدكتور فارس سعيد فقد سجل نقاطاً جديدة في الخطاب تشير إلى تراجع السيد نصر الله عن مواقف سابقة.
وفي المقابل تعرّض خطاب السيد نصر الله لردود فعل سلبية أو استهزائية من قبل بعض الإعلاميين وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بسبب دعوته إلى مقاطعة البضائع الأميركية، للرّد على مشروع “صفقة القرن”، في حين لم تتم الإشارة إلى دعوة السيد نصرالله إلى تشكيل “جبهة للمقاومة الشاملة” لمواجهة هذه الصفقة. وقد أوضح أن هذه الجبهة تشمل جميع المجالات الفكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وتضم كل القوى التي تعترض على الصفقة أو ترفضها، وهذه الدعوة تفتح الباب أمام تجاوز الخلافات مع العديد من القوى في المنطقة.
أما على صعيد الموقف من الدول العربية والصراعات في المنطقة، فقد حرص نصر الله على تخفيف لهجة العداء ضدّ بعض هذه الدول، رغم بعض الانتقادات التي وجهها لها. وعلى صعيد العراق كان حريصاً على اعتماد لغة هادئة وعدم تحديد ما ينبغي على القوى العراقية القيام به وتقديم أفكار واقتراحات عامة لها.
النقطة الأهم في مواقف الحزب وأدائه خلال الفترة الأخيرة الحرص على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة وخصوصاً بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس وإعلان صفقة القرن
نحن إذن أمام خطاب وأداء جديدين للحزب يتطوّر يوماً بعد يوم، فعلى الصعيد الداخلي اصبح حضور لبنان ومشاكله وهمومه إحدى أبرز الأولويات لدى الحزب على حساب دوره الإقليمي، واتسمت لغته بالإيجابية والحرص على إنقاذ لبنان من أزماته وتجاوز كل الخلافات السياسية والحزبية، وهذا الخطاب يفتح الباب أمام حوارات داخلية بعيداً عن الانقسامات القائمة حالياً.
والنقطة الأهم في مواقف الحزب وأدائه خلال الفترة الأخيرة الحرص على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة وخصوصاً بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس وإعلان صفقة القرن. فحزب الله يريد تجنيب لبنان الدخول المباشر في المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية ومحور المقاومة، ويعتبر أنّ الأولوية في الرد كانت من قبل إيران والعراق، ولم يدعُ إلى فتح جبهة المقاومة في جنوب لبنان، كما حاول توسيع جبهة الرد على “صفقة القرن” باتجاه العالم العربي والإسلامي مع التأكيد على أولوية الموقف الفلسطيني في المواجهة.
كل تلك الإشارات تؤكد أنّ حزب الله يتغير باتجاه جديد واعتبار الهم اللبناني أولوية في مواقفه ومشاريعه، دون أن يعني ذلك خروج الحزب من محور المقاومة أو تراجعه عن دوره الإقليمي كلياً، أو تخليه عن ولاية الفقيه وعلاقته بإيران، لكن في الحدّ الأدنى أصبح الشأن اللبناني هو الأولوية اليوم، والحزب مستعدّ لتجاوز كل الخلافات الحزبية والسياسية لمعالجة الأزمات اللبنانية، فهل تلاقيه بقية الأطراف في منتصف الطريق أم سنظل ننظر للنصف الفارغ من الكأس؟