عن المنفضّين من حول بيت الوسط

مدة القراءة 6 د

 

أذكر جيداً تفاصيل الساعة الخامسة من بعد ظهر 20 تشرين الأول من العام 2016، لحظة خرج رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ليُعلن من بيت الوسط موقفه الرسمي من ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. لا زلت أذكر ردة فعل كل مَن التقيته في طريق الجديدة يومها في استطلاعٍ ميداني لآراء الشارع البيروتي بعد خطوة الحريري، الشارع الذي أعلن التوبة من حب ابن الشهيد واتهمه بالخيانة وتوعّده بعدم المبايعة مرةً جديدة في الانتخابات.

بالأمس، وبعد 3 سنوات و3 أشهر و25 يوماً على خطاب التسوية، خرج الحريري بخطاب “تفرقة” يناقض خياراته السابقة، لينعي تسويةً رئاسية جاءت بعون رئيساً وبالحريري رئيساً للحكومة من العام نفسه. خرج ليركب موجة “الجَلد” الأكثر رواجاً، بحق أكثر الشخصيات المكروهة في الشارع اليوم (الوزير جبران باسيل)، علّ ذلك يعيد له وهجاً فقده.

تأخر الحريري… وخطابه “المفصلي” بدقائقه الـ33 لم يكن مفصلياً بقدر ما هو إنشائي، حاول فيه تعويم نفسه سياسياً وشعبياً، عبر تكريس مبدأ الاصطفاف، ونظرية “الرأس المطلوب” و”إنهاء الطائف” والمعركة الوهمية للدفاع عن إنجازات الرئيس الشهيد… كلها ما عادت تنفع بعد 17 تشرين، وهي محاولات فاشلة ومملة بقدر ما كانت تقارير الذكرى التي مضغت من الوقت ما يقارب الـ 40 دقيقة مملة وخارجة عن السياق.

على غير عادته هذه السنة، لم يحفظ الحريري على يمينه مكاناً للوزير سليم جريصاتي وكيل الدفاع عن المتهمين باغتيال الحريري في المحكمة الدولية، وهذا على الأرجح أنّه “من عدّة الشغل للمرحلة الجديدة”. وحاول في خطاب “الطلاق” مع التيار الوطني الحر، توجيه التحيّات “المعطّرة” لحلفائه، علهم لا “يطعنون” به من جديد، وآثر التركيز على زلّات حليف التسوية، تماماً كوثائقي “السياسات الحريرية ومسلسل التعطيل” الذي سلّط الضوء، عن سوء نية، وسذاجة عالية المستوى، على تلعثم الرئيس عون في أداء القسم يوم اتنخابه رئيساً للجمهورية.

 

كان الإرث فضفاضاً، بدليل أنه، وعلى بعد أمتار من بيت الوسط، كان قد نظّم مناصرون سابقون لتيار المستقبل، قيل أن من يحرّكهم شقيقه بهاء، وقفةً رمزية على ضريح الرئيس الشهيد، في رسالة منهم ليقولوا للشهيد أنّهم “ثوار 17 تشرين الأحرار، ثاروا للرئيس الشهيد ولحلمه، ثاروا لأجل لبنان الوطن للجميع، وليؤكدوا تمسكهم بحلم الشهيد للبنان وللبنانيين عاشوا اليُتم بعد استشهاده” وليقولوا للحريري الابن: “كفى استثماراً بدم الرئيس، فلتعترف بأنك لم تستطع بناء وطن، كن وفياً لمسيرة والدك واعتزل العمل السياسي” على حدّ تعبير الناشط العكاري سعد الخالد، الذي نفذ الوقفة الرمزية على رأس وفد شمالي من عكار، الضنية، طرابلس والبقاع، بالتزامن مع احتفال بيت الوسط.

يرفض الخالد هذا الاتهام ويعترف بعض المشاركين أنّهم “مناصرو بهاء”، ثم جاء بيان وزّعه بهاء الحريري يعلن بوضوح نيته استغلال المناسبة، والخارجين من “تيار المستقبل”، من أجل ادّعاء تمثيل جمهور رفيق الحريري، من دون سابق إنذار، ومن دون صفة تمثيلية أو سياسية غير أنّه أحد أبناء الرئيس الشهيد، وهو واحد من أربعة شبّان وشابة أنجبهم الشهيد.

وأفادت المعلومات أن من أسباب نقل احتفال 14 شباط، من البيال إلى بيت الوسط، تخوف “المستقبل” من المواجهة مع الثوار من أهل البيت الواحد، إذ كان عدداً من الثوار المنتفضين على تيار المستقبل قرروا إيصال رسالتهم خلال إلقاء الحريري لكلمته في الذكرى 15 لاغتيال والده، على أن تعلوا صرخاتهم “ثورة… ثورة” داخل البيال، فكان بيت الوسط الخيار الأضمن لضبط الدخول والخروج الى الاحتفال، وهو الخوف الذي ظهر جلياً بالتسجيلات الصوتية التي تم تسريبها لنائب المنية عثمان علم الدين الذي دعى فيها شبانه لعدم زيارة ضريح الشهيد قبل التوجه الى بيت الوسط خشية المواجهة مع الثوار.

حالة الهرج والمرج وسط بيروت بعد لقاء بيت الوسط وخلاله، كانت حالة متنقلة في الشمال خلال الأيام الماضية وكان آخرها تمزيق صورة الرئيس سعد الحريري على دوّار العبدة

ابن الشمال لم يكن وحده من قرر خلع العباءة الزرقاء، في هذه الذكرى، والافتخار بذلك، بل ابن بيروت أيضاً. الناشط البيروتي في المجتمع المدني اليوم مروان الأيوبي مواليد طريق الجديدة ابن المستقبل منذ الـ1999، تنقل بين عدة مناصب في تيار المستقبل بين هيئة الشؤن التنظيمنية المركزية، ومكتب الحريري، ومكتب السادات، ومكتب مساعدات الحريري، ومنسقية التيار في بيروت، ومديرية الصحة التنظيمية… هو كذلك الأمر بات يرى في الذكرى استثماراً لدم الشهيد.

لكنه يختلف مع زميله في طريقة إيصال الرسالة في 14 شباط، ويرى أن المكان الأفضل لتوجيه الرسائل هو صناديق الاقتراع. ويؤكد أن تيار المستقبل لديه مشكلة هوية سياسية وتنظيمية. وهو قائم على عواطف ومشاعر حب للحريري الأب وتضحياته وحقد وعصبوية سنية ضد الشيعة وحزب الله، والمشاعر لا تبني حزب برأي الايوبي. ويؤكد أن الخطاب المفصلي الحقيقي يكون بتحديد هوية التيار بين حزب او ماكينة انتخابية، وتحديد خياراته من اجل البلد وليس بإنشائية باتت أدنى من مستوى الوعي المسيطر بعد 17 تشرين.

حالة الهرج والمرج وسط بيروت بعد لقاء بيت الوسط وخلاله، كانت حالة متنقلة في الشمال خلال الأيام الماضية وكان آخرها تمزيق صورة الرئيس سعد الحريري على دوّار العبدة، وهي الصور التي أعاد بعض المتمولين العكاريين زرعها في المنطقة وبعدة مناطق، كما ينقل حامد زكريا رئيس المجلس الانمائي في عكار .

زكريا يؤكد أنّ قاعدة تيار المستقبل الشعبية في الشمال باتت في وادٍ والحريري في وادٍ آخر، مأساة وانهزامية واحباط يعيشه الشماليون تجاه الذكرى، بعد ما كان الزحف محبةً لأجل الشهيد في يوم 14 شباط.

وأكدت المصادر أن شخصيات عديدة دينية ووجهاء وفعاليات اجتماعية وبلدية سابقة وحالية رفضت حضور الذكرى رغم إرسال دعوات شخصية لها، وبعضهم قام بردّ الدعوات، ونذكر من بين الأسماء التي لا نعرضها كاملة نزولاً عند طلب المصادر: “علي.م، محمد.ح، رضوان.م، عبد الحميد.س، طارق.م، علي.ح، مؤمن.ع، حسين.ع، خالد.س، محمد.م”.

 

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري والمسيحيون… الفهم المتأخّر

  لكم هي شديدة الحاجة اليوم إلى رفيق الحريري لجمع أطراف الوطن! كان الرئيس الشهيد رابطاً بين لبنان ولبنان رُغم أنّ علاقته ما كانت سهلة…

طرابلس: كلن يعني كلن.. إلاّ “رفيق”

  تمتلك طرابلس ذاكرة تنبض بالحبّ والوفاء والحنين وبالثناء والتقدير لرفيق الحريري، قلّما امتلكتها مدينة أخرى، وعبـّرت عنها في مختلف المحطات، قبل الاستشهاد وبعده، بدون…

الثنائي في النبطية وقوّة الثورة

  فاطمة ترحيني تشهد محافظة النبطية مواجهة جديدة، أشبه بصراع دائم، بعدما استطاع جزء من أهل المدينة وقراها الاعتراض على “حزب الله” و”حركة أمل” وكل…

في وداع الحريرية؟

  هل سيستمر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في السياسة أم لا؟ يصعب افتراض أن أحداً يملك إجابةً عن هذا السؤال، حتى عند الحريري نفسه،…