في الأسابيع الأخيرة، أفادت تقارير بأنّ الرئيس المنتخب دونالد ترامب أعرب عن آراء مثيرة للجدل تجاه كندا، مهدّداً بفرض رسوم جمركية، ووقف الدعم المالي، بل واقترح ضمّ كندا لتصبح الولاية الأميركية الحادية والخمسين. كما أثيرت تقارير عن نيّته شراء غرينلاند وتغيير اسم خليج المكسيك إلى “خليج أميركا”. هذه التصريحات، على الرغم من كونها غير مؤكّدة رسمياً، تثير تساؤلات جوهرية حول مسار السياسة الخارجية الأميركية وإمكانية عودة نبرة الأحاديّة والقوّة الأميركية.
لطالما كانت للولايات المتحدة علاقة معقّدة مع التوسّع الإقليمي. فمن صفقة شراء لويزيانا إلى ضمّ هاواي والاستحواذ على ألاسكا، نمت الولايات المتحدة من خلال المفاوضات العدوانيّة والشراء والتدخّلات العسكرية. ومع ذلك، بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، ركّزت الولايات المتحدة على ممارسة نفوذها من خلال التحالفات العسكرية والتأثير الاقتصادي والقوّة الناعمة بدلاً من الاستحواذ المباشر على الأراضي.
تميّزت الولايات المتحدة خلال تلك الحقبة بامتناعها عن تغيير الحدود أو المطالبة بمناطق جديدة، وهو ما جعلها تختلف عن القوى المنتصرة في التاريخ، التي غالباً ما كانت تعيد رسم الخرائط الجغرافية لمصلحتها. المعجبون بالنموذج الأميركي في الديمقراطية، يقولون إنّ ديمقراطية أميركا لم تكن يوماً شعبوية أو نخبوية، وهي أنجبت عظماء مثل جيفرسون وماديسون وفرانكلين، على عكس أوروبا التي أوصلت هتلر وموسوليني. كما أنّ الولايات هي الدولة الوحيدة التي أصبحت عظمى ولم تستعمر دولاً وشعوباً.
تصريحات ترامب المزعومة، على الرغم من أنّها ليست سياسة رسمية بعد، تشير إلى إمكانية انحراف عن التقاليد الأميركية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة. تهديداته تجاه كندا واقتراح شراء غرينلاند يعكسان رؤية تجارية للعلاقات الدولية، حيث تُعطى الأولويّة للمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية على حساب التحالفات الطويلة الأمد. إضافة إلى ذلك، قد يُنظر إلى اقتراح تغيير اسم خليج المكسيك على أنه محاولة لإظهار الهيمنة على نصف الكرة الغربي، سواء رمزياً أو فعليّاً.
يقف العالم عند مفترق طرق، على أمل أن تواصل الولايات المتحدة التمسّك بمبادئ التعاون واحترام السيادة
الاستقواء التّرامبيّ
إذا اكتسبت هذه الأفكار زخماً، فقد تشير إلى تحوّل نحو شكل أكثر تقليدية وصراحة من الإمبريالية التقليدية، حيث تتفوّق الطموحات الإقليمية والخطاب الشعبوي على الدبلوماسية التعاونيّة. ومن المحتمل أن تثير هذه التحرّكات قلق الحلفاء، وتُرهق العلاقات الدولية، وتستفزّ ردود فعل من القوى العالمية الأخرى.
يرى المنتقدون أنّ هذه التحرّكات تمثّل “استقواءً” على المسرح العالمي، حيث يتمّ استخدام القوّة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة لإجبار الحلفاء والجيران. ففرض الرسوم الجمركية على كندا أو محاولة شراء غرينلاند، قد يُنظر إليهما على أنّهما عدم احترام للسيادة والمعايير الدولية. أمّا تغيير اسم خليج المكسيك، على الرغم من أنّه يبدو أمراً بسيطاً، فإنّه يحمل دلالات أعمق على الرغبة في إعادة تأكيد الهيمنة على المنطقة.
أم مناورة استراتيجيّة؟
في المقابل، قد يرى المؤيّدون أنّ هذه الاقتراحات تعكس مناورة استراتيجية تهدف إلى تأمين المصالح الأميركية في ظلّ التغيّر السريع في النظام العالمي. غرينلاند، على سبيل المثال، تتمتّع بقيمة استراتيجية كبيرة نظراً لموقعها ومواردها، خاصة مع تأثير تغيّر المناخ الذي يفتح طرق شحن جديدة وموارد غير مستغلّة. وقد يُنظر إلى الرسوم الجمركية والضغط الماليّ على أنّهما تكتيكات تفاوضية صلبة لإعادة صياغة الاتّفاقات التجارية والأمنيّة التي يعتبر ترامب أنّها غير منصفة للولايات المتحدة.
السؤال عمّا إذا كانت هذه التطوّرات تمثّل بداية الإمبريالية الأميركية الجديدة، معقّد. فالولايات المتحدة تقليدياً مارست توجّهات إمبريالية، لكن بطرق تعتمد على النفوذ الاقتصادي والثقافي والعسكري بدلاً من الغزو المباشر. ومع ذلك، فإنّ السعي العلني إلى ضمّ الأراضي أو المطالبة بها، سيكون تحوّلاً كبيراً ومثيراً للقلق للدول التي تسعى إلى إقامة علاقات ودّية مع واشنطن.
التصريحات والاقتراحات المنسوبة للرئيس المنتخب ترامب تستدعي مراقبة دقيقة
التداعيات العالمية لهذا التحوّل ستكون عميقة، حيث قد تؤدّي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وتثير مقاومة الحلفاء، وتشجّع القوى المنافسة مثل الصين وروسيا على متابعة طموحاتها الإقليمية بجرأة أكبر. كما أنّها تخاطر بتقويض النظام الدولي الليبرالي الذي ساعدت الولايات المتحدة نفسها على إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية.
التصريحات والاقتراحات المنسوبة للرئيس المنتخب ترامب تستدعي مراقبة دقيقة. المجتمع الدولي يراقب بعناية كيفية تحوّل هذه الأفكار إلى سياسات، وما إذا كانت تمثّل لحظة عابرة من الجرأة، أو تحوّلاً جذرياً في الاستراتيجية الأميركية.
إقرأ أيضاً: مستقبل الجاسوسيّة في ظلّ ثورة الذّكاء الاصطناعيّ
في الوقت الراهن، يقف العالم عند مفترق طرق، على أمل أن تواصل الولايات المتحدة التمسّك بمبادئ التعاون واحترام السيادة بدلاً من الانخراط في طريق الطموحات الإقليمية الصريحة. الزمن وحده سيكشف ما إذا كانت هذه التصريحات المثيرة للجدل تمثّل عاصفة عابرة أم بداية لتحوّل جذري في ديناميكيات القوّة العالمية.
لمتابعة الكاتب على X: