كعادتهم… ينقسم الفلسطينيون على كلّ شيء، سواء في ما يخصّ بلادهم وقضيّتهم، أو ما يحدث في البلدان العربية وحتى الأجنبية.
سوريا عميقة التأثير في واقع الفلسطينيين، حيث ثوراتهم بقديمها وحديثها، وعميقة التأثير في حياة فلسطينيّي المنفى، حيث العدد الهائل من اللاجئين المقيمين فيها، كذلك العدد المقيم أيضاً في لبنان، اللذان تربط بينهما روابط ويتأثّران بما يجري في البيئتين الشقيقتين.
بديهي والحالة هذه أن ينقسم الفلسطينيون حول ما حدث في سوريا. بعضهم حزن حدّ البكاء المرير على سقوط النظام الذي اعتبره العائق الأخير أمام تقدّم المشروع الأميركي – الإسرائيلي، وبسقوط هذا العائق ستقع المنطقة كلّها في قبضة الإسرائيليين. وبعضهم الآخر فرح لسقوط النظام، إلّا أنّه خاف على سوريا من التفكّك والاقتتال الداخلي والتقسيم.
الفلسطينيون في الوطن، الذي صار يُعَرّف بمناطق الحكم الذاتي، كانوا على الدوام يتطلّعون إلى الحاضنة العربية كمتنفّس لحياتهم وكمجالٍ لدعم قضيّتهم، ولذا هم الأكثر تفاعلاً مع الأحداث التي تقع في هذه الحاضنة.
لا أغالي لو قلت إنّهم يتابعون ما يجري في لبنان بالقدر نفسه من الشغف بما يجري في غزّة، ويتابعون ما يجري في مصر والأردن كما لو أنّه يجري في بلدهم، فما بالك بسوريا، بكلّ ما تحمله من تاريخ وطني وقومي وإنساني. إلّا أنّ الأهمّ في عالم السياسة هو ما لسقوطها كبلد في القبضة الإسرائيلية من تأثيرٍ بالغ الخطورة على مستقبل القضيّة الفلسطينية والصراع الوجودي الذي يخوضه شعبها من أجل حاضرهم ومستقبلهم.
الفلسطينيون لا يرون ما حدث في سوريا كارثة قومية وحسب، بل درس تتعيّن الإفادة منه عاجلاً وليس آجلاً
عداد الخسارة لا يتوقف..
ليس الفلسطينيون مُحتلّين من قبل إسرائيل فقط، بل هم محاصرون بالعجز المطبق من حولهم، ومحاصرون أيضاً بالانقسامات المستفحلة في صفوفهم: منها ما هو بفعل قِصَرِ نظر طبقتهم السياسية، ومنها ما هو امتداد للانقسامات العربية وحتى الإقليمية والدولية. وفي كلتا الحالتين الداخلية والخارجية، عدّاد الخسارة يعمل بلا توقّف، داخل البلاد حيث الاستشراس الإسرائيلي عسكرياً واستيطانياً، وخارج البلاد حيث لا تطوّرات مقنعة بتغيير الموازين على النحو الذي يبشّر بنهايات سعيدة يودّع بها الفلسطينيون معاناتهم أو بعضاً منها.
غير أنّ الفلسطينيين المحزونين على حال الأمّة، والحاضنات العربية، يملكون رصيداً ذاتياً هو الأقوى تأثيراً في حاضرهم ومستقبلهم، وهو الأشدّ إزعاجاً وخوفاً لدى الإسرائيليين الذين يدّعون انتصارات في أماكن عديدة إلّا عليهم.
إنّها الكثافة السكّانية المهولة على أرض الصراع المباشر، فكلّ قرية ومدينة في ما يسمّى بمناطق الحكم الذاتي يزداد عديد مواطنيها المتشبّثين بها، وتزداد المبادرات الشعبية من أجل البناء والتنمية وتأهيل الذات بما يعزّز البقاء الفعّال والمتنامي على أرض الوطن، ويجوّف الانتصارات الإسرائيلية على أيّ مكانٍ تتحقّق أو تُدَّعى.
سوريا والدّرس المستفاد
بالعودة إلى التفاعل الفلسطيني مع الحدث السوري، وعلى الرغم من هول ما حدث، لا يتوقّف الفلسطينيون عن محاولة الإفادة حتى من السلبيّ القاتل الذي يحيط بهم، وخصوصاً الشأن السوري الذي يرون فيه درساً يتعيّن عليهم الإفادة منه، وهو باختصار شديد مطالبة السلطة والطبقة السياسية بعمومها بأن تنتبه إلى الملايين التي تعيش على أرض الوطن وتتشبّث به. فلقد سقط النظام في سوريا بفعل المسافة الواسعة التي فصلت بينه وبين شعبه، وهذا ما لا يريده الفلسطينيون لأنفسهم، وبكلّ أسف ما لا تنتبه إليه بالقدر الكافي سلطتهم وطبقتهم السياسية.
إقرأ أيضاً: فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟
أخيراً…. الفلسطينيون لا يرون ما حدث في سوريا كارثة قومية وحسب، بل درس تتعيّن الإفادة منه عاجلاً وليس آجلاً.