اللبنانيون يحترفون المصاهرة، بل ربّما يمتهنون خطف القلوب، وقد عرفوا من الأصهرة جميلهم وعزيزهم وقبيحهم، وعلى عرش هؤلاء كان يجلس صهرهم المدلّل جورج كلوني، الذي كلّما اجتاحه الشيب، أوغل عميقاً في حرق قلوب الحسناوات. لكن ولّى زمن جورج، وحلّ مكانه بولس مسعد، الرجل الذي قفز فجأة من العتمة إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ليس بوصفه صهر دونالد ترامب، بل والد صهره، واللبنانيون متخصّصون أيضاً في حياكة هذا النوع من العلاقات المعقّدة، التي قد تستعصي على كلّ أمم الأرض.
جدول مواعيد الرجل بات بلا متن ولا هوامش ولا حتى مجرّد زاوية فارغة لاحتساء فنجان قهوة. الجميع بات يتقاطر إليه ويبحث عن خطب ودّه. وهو على عادة اللبناني الدهيّ واللمّاح، قفز على طريقة الكاميكاز إلى صلب المشهد السياسي في بلاده المفجوعة، حتّى قبل أن يدخل عمّه، أو بالأحرى عمّ نجله، البيت الأبيض.
ولّى زمن جورج، وحلّ مكانه بولس مسعد، الرجل الذي قفز فجأة من العتمة إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض
دخل الرجل فوراً إلى غرفة الخياطة، بلا تمهيد ولا توطئة. ثمّ قال لمن يريد أن يسمع: ولماذا تستعجلون؟ تعايشتم سنوات مع الفراغ، انتظروا التسوية الكبرى. ونحن قطعاً سننتظر، فهذا صهرنا، أو والد صهرنا، ونحسب أنّه لا ينطق عن الهوى.
ثمّ عاد واستطرد، بل وقال ما لم يجرؤ أيّ مسؤول على الهمس به: هذا اتّفاق أميركي ناجز يقضي بنزع سلاح “الحزب”، ليس من جنوب النهر وحسب، بل من كلّ المعمورة. وما عليكم إلا أن تباشروا بنزعه. ونحن معكم، وإلى جانبكم. من أصغر موظّف في الإدارة، وصولاً إلى دونالد ترامب.
فيليب حبيب… وجبران باسيل
صار الرجل يتصدّر كلّ الشاشات وكلّ الصحف وكلّ الأخبار، وقد دخل يوميّات اللبنانيين من صحنهم الأشهى. ثمّ راح يغمس فيه بكلّ أصابعه، بلا مواربة ولا قفّازات ولا عبارات دبلوماسية حمّالة للوجوه. دخل المعركة بكلّ ثقله، ثمّ راح يقارب أكثر الملفّات حساسيّة على الإطلاق، تماماً كما لو أنّه حاضر في تفاصيل التركيبة السياسية منذ نصف قرن.
ذكّرنا مسعد بتجربة سابقة مع فيليب حبيب. ذاك الدبلوماسي الأميركي العتيق، الذي انفتحت شهيّته على لبنانيّته المنسيّة
بكلّ الأحوال، وبعيداً من التهكّم أو المبالغات، ذكّرنا مسعد بتجربة سابقة مع فيليب حبيب. ذاك الدبلوماسي الأميركي العتيق، الذي انفتحت شهيّته على لبنانيّته المنسيّة، عندما تذوّق خبز التنّور في العام 1981، ليعود بعدها ويطوّع أميركا بكلّ قدراتها في الساحة اللبنانية. وقد كان له كبير الدور والأثر. ويُحكى من باب الدلالة على تأكيد هذا القول أنّ موكبه تحوّل يومذاك إلى ما يشبه سيّارات الأجرة المخصّصة لتمرير العديد من الشخصيات الوطنية دون توقيفهم عبر الحواجز الإسرائيلية.
مسعد بولس هو عنوان أكيد من عناوين المرحلة المقبلة. وربّما يكون العنوان الأبرز بلا منازع، لا سيما بعد دخوله الحلبة السياسية على شكل عاصفة أو زلزال. فيما عيون اللبنانيين شاخصة نحو صهرهم وكلّهم أمل أن يجدوا فيه ضالّتهم. ولا بأس أن يُعيد في طريقه إلى مفهوم المصاهرة ما تيسّر من الدفء والبريق، خصوصاً بعد تجربة جبران باسيل.
إقرأ أيضاً: الجولاني يتوجّه لمحاصرة دمشق؟؟
لمتابعة الكاتب على X: