تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2024، يُفاجئ ترامب الجميع بالأسماء المُرشّحة لتولّي المناصب العُليا والمُهمّة في إدارته المُقبلة.
لا يخشى ترامب أن تُرفَض الأسماء من قبل مجلس الشّيوخ. إذ يتسلّح بقوّة سلطة نادرة عنوانها سيطرة جمهوريّة على مجلسَيْ الكونغرس (النّوّاب والشّيوخ) والمحكمة العُليا. وهو ما يعني أنّ ترشيحات ترامب لوزارات الخارجيّة والدّفاع والخزانة وغيرها ستسلكُ طريقها بسهولة من دون أيّ مُضايقة أو مُقايضة ديمقراطيّة.
في الحلقة الثانية من سلسلة “تعيينات ترامب” حكاية مُرشّح ترامب لوزارة الخارجيّة ماركو روبيو.
لم يحقّق حلم الطّفولة
في أيّام دراسته الثّانويّة، كانَ ماركو روبيو يحلُم أن يكونَ لاعباً في دوريّ المُحترفِين لكُرة القُدم الأميركيّة. لم يُحقّق روبيو حلمهُ في دخول الملاعب الأميركيّة بسبب إصابةٍ تعرّضَ لها أثناء ممارسة اللعبة في الجامعة. لكنّ دونالد ترامب رشّحه لدخول ملاعب السّياسة الخارجيّة لبلاده التي تشبه إلى حدٍّ بعيدٍ اللعبة التي يهواها روبيو في التّخطيط والرّكل والرّكضِ ومزاحمة الخصومِ وصولاً إلى الهدف.
وُلِدَ السّيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو لأبويْن كاثوليكيَّيْن مهاجرَيْن من كوبا في ميامي في أيّار 1971. كانَ والدُه نادلاً في إحدى حانات المدينة، ووالدته عاملةً في أحدِ الفنادق. حالهما كحال أكثر المُهاجرين من كوبا التي كانَ يحكمها الدّيكتاتور فولجينسيو باتيستا، ثمّ عادا إلى كوبا، لكنّهما هاجرا مرّة أخرى إلى الولايات المُتحدة بعد وصول النّظام الشّيوعيّ برئاسة فيدل كاسترو إلى الحكم.
في حملتهِ الانتخابيّة الأولى التي خاضها لعضويّة مجلس الشّيوخ عن فلوريدا، دأبَ روبيو على تذكير النّاخبين بخلفيّة عائلته العاملة المُهاجرة من كوبا، ليَسرُدَ قِصّته تحت عنوان “تحدُثُ فقط في أميركا”.
نشأ روبيو نشأةً كاثوليكيّة على الرّغم من أنّه واظبَ مع والديْه على التّردّد إلى كنيسة “المورمون” لـ3 سنوات
نشأته
نشأ روبيو نشأةً كاثوليكيّة على الرّغم من أنّه واظبَ مع والديْه على التّردّد إلى كنيسة “المورمون” لـ3 سنوات حين كانَ يبلغُ من العمر 8 سنوات.
التحق روبيو بمدرسة ساوث ميامي الثّانويّة، وتخرّج منها سنة 1989. بعد الدّراسة الثّانويّة التحقَ بكلّية “تاركو” في ولاية ميسوري بمنحة دراسية لكرة القدم، قبل أن يُصابَ ويبتعدَ عن اللعبة. انتقلَ بعدها لدراسة القانون في جامعة فلوريدا ونالَ شهادة بكالوريوس في العلوم سنة 1993. أكمل روبيو دراساته العليا ونال شهادة دكتوراه في القانون مع مرتبة الشرف من كلّية الحقوق في جامعة ميامي سنة 1996. يذكُرُ روبيو في سيرته الذّاتيّة أنّه اقترضَ 100,000 دولار من أجل إتمام تعليمه، وانتهى من سداد تلك القروض في 2012.
أثناء دراسته القانون، تدرّبَ روبيو لدى النّائبة عن ولاية فلوريدا الجمهوريّة إيلينا روس ليهتينين. انخرَطَ أكثر في صفوف الجمهوريين حتّى عملَ في الحملة الرّئاسيّة للسّيناتور بوب دول سنة 1996 في وجهِ الرّئيس الأسبق الدّيمقراطيّ بيل كلينتون.
في 1998 انتُخِبَ ماركو روبيو مفوّضاً لمدينة ويست ميامي، وبعدها بعاميْن نجحَ في حجز مقعدٍ له في مجلس ولاية فلوريدا النّيابيّ، حين نالَ 72% من الأصوات أمام المُرشّحة الدّيمقراطيّة أنستازيا غارسيا.
بقيَ روبيو في مجلس النّواب 9 سنوات بعد فوزه بكلّ الدّورات التي شهِدَتها الولاية. وفي عام 2005 استطاع أن يُصبِحَ أوّل رئيسٍ من أصلٍ كوبيّ لمجلس نوّاب ولاية فلوريدا. وفي 2011 دخلَ مجلسَ الشّيوخ الأميركيّ بعد فوزه عن فلوريدا.
تبادل “الإهانات” مع ترامب
في عام 2016، قرّرَ السّيناتور روبيو خوضَ السّباق الرئاسيّ، فترشّح للانتخابات التمهيديّة التي يُختارُ من خلالها مرشّح الحزب الجمهوريّ في وجه الرّئيس الحاليّ دونالد ترامب.
استطاع الملياردير الأميركيّ أن يهزمَ روبيو في عقر داره، ولاية فلوريدا، فانسحب روبيو من السّباق الرّئاسيّ. ونال ترامب يومها ما نسبته 45.7% من أصوات الجمهوريين في الولاية، بينما جاء روبيو في المركز الثاني بنسبة 27% من الأصوات.
في 1998 انتُخِبَ ماركو روبيو مفوّضاً لمدينة ويست ميامي، وبعدها بعاميْن نجحَ في حجز مقعدٍ له في مجلس ولاية فلوريدا النّيابيّ
أثناء الحملة الانتخابيّة، تبادل روبيو وترامب السخرية اللفظية. أطلق ترامب على روبيو “ماركو الصغير”. وردّ روبيو بالسّخريةِ من حجم يديّ ترامب ووصفه بأنّه “محتال” و”مبتذَل”.
بعد فوز ترامب في 2016 في وجه المُرشّحة الدّيمقراطيّة هيلاري كلينتون، تحسّنت العلاقة بين الرّئيس المُنتخَب ومنافسه السّابق. وحينَ أعادت قناة ABC News في وقت سابق من هذا العام بثّ بعض تعليقات روبيو في عام 2016 ضدّ ترامب، قلّلَ من أهميّتها وبرّرَ ذلكَ بقوله إنّها “كانت حملة”.
نافسَ روبيو نائب الرّئيس الحاليّ جي دي فانس على منصبه، وعلى الرّغم من اختيار ترامب لفانس، ظلّ روبيو قريباً من الرّئيس المُنتخَب وسافرَ معه أثناء حملته الأخيرة وألقى خطاباتٍ باللغتيْن الإنكليزيّة والإسبانيّة، خصوصاً في اليوم الأخير من الحملة الرّئاسيّة.
مُتشدّدٌ ضدّ الصّين… وداعمٌ لإسرائيل
يُعتبر روبيو، مثل نائب الرّئيس جي دي فانس، من الذين يعتقِدون أنّ التهديد الأساسيّ في وجه الولايات المُتحدة ينبعُ من الصّين، ويُطالب بسياسةٍ خارجيّة أكثرَ حِدّة تجاهها. إذ دعا خلال ولاية ترامب الأولى إلى تبنّي سياسة صناعيّة تُنافسُ الاقتصاد الصّينيّ المدعوم من الحكومة.
تذكرُ صحيفة نيويورك تايمز أنّ روبيو كانَ يدعو أثناء عملهِ في الكونغرِس إلى تمرير قانونٍ يمنع استيراد البضائع الصّينيّة المُنتجة بالعملِ القسريّ المفروض على الإيغور في إقليم شينجيانغ. كما ضغطَ على إدارة الرّئيس جو بايدن لوقف مبيعات شركة “هواوي” الصّينيّة.
دعم روبيو التظاهرات التي عمّت هونغ كونغ في 2020، ووصفَ الحكومة الشّيوعيّة هناك بأنّها “مفترسة وتسعى إلى أن تحلّ مكان الولايات المُتحدة ومحلّ نظامٍ عالميّ مُلتزم بالدّيمقراطيّة”. أدّت تصريحاته هذه إلى فرضِ عقوباتٍ عليهِ من الحكومة الصّينيّة في العام نفسه.
إنهاء الحرب الأوكرانيّة
يتّفق روبيو مع ترامب ونائبه فانس على ضرورة إنهاء الحربِ الأوكرانيّة بتسوية سياسيّة بدلاً من دعم كييف لاسترداد أراضيها. كما صوّتَ في نيسان 2024 ضدّ حزمة مساعدات عسكريّة لأوكرانيا بقيمة 90 مليار دولار.
وُلِدَ السّيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو لأبويْن كاثوليكيَّيْن مهاجرَيْن من كوبا في ميامي في أيّار 1971
يُعتبر المُرشّح لمنصب وزير الخارجيّة من أكثر الشّخصيات دعماً لإسرائيل مثل كلّ الذين رشّحهم ترامب لتسلّم مناصبَ لها علاقة بالسّياسة الخارجيّة. في تشرين الثّاني 2023، أي بعد أكثر من شهرٍ على عمليّة “طوفان الأقصى” أجابَ روبيو ردّاً على السؤال: هل يُصوّت للدّعوة إلى وقف إطلاق النّار في غزّة؟ قائلاً: “لا لن أفعل. أريدُ أن تُدمّرَ إسرائيل كلّ عناصر حماس. هؤلاء حيوانات وحشيّة ارتكبوا جرائم فظيعة”.
كذلكَ يتبنّى روبيو مواقف مُتشدّدة تجاه إيران التي يقول إنّها تسعى إلى السّيطرة على الشّرق الأوسط بـ”الخوف والفوضى”، حتّى إنّه يتبنّى موقفاً مُتشدّداً ضدّ تطبيع العلاقات مع بلده الأمّ كوبا.
باتَ من الممكن القول إنّ اختيار ترامب لماركو روبيو يشير إلى أنّ سياسة ترامب الخارجيّة ستكون مبادئها التشدّد ضدّ الصّين، إقفال الحربِ الأوكرانيّة من أجل التفرّغ للصّين، الضّغط على إيران ومن خلفها الصّين، وبالطّبع دعم إسرائيل بمعزلٍ عن أيّ حسابات أخرى.
إقرأ أيضاً: مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..
باتت طريقُ روبيو مُعبّدة لتولّي وزارة الخارجيّة بعدَ حسم الجمهوريين الأغلبيّة في الكونغرِس. وبناءً على ذلكَ سيُصبح روبيو، بعد المُصادقة على ترشيحه، أوّل وزير للخارجيّة من أصلٍ كوبيّ في الولايات المُتحدة الأميركيّة.
لمتابعة الكاتب على X: