بيروت تتنفّس الصّعداء: سينما… وبوح النّازحين

مدة القراءة 5 د

بدأت الحياة الثقافية تتنفّس الصعداء في لبنان وإن بخجل، بعد شلل قسري تامّ منذ أواخر أيلول الماضي وتوسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان وتخطّيها الحدود إلى كلّ لبنان وقلب العاصمة. فقد تحوّلت المراكز الثقافية في البلاد إمّا إلى مناطق مهجورة، وإمّا إلى مراكز لإيواء النازحين مثل المسرح الوطني اللبناني في طرابلس وصور وبيروت.

لقد توجّه مسرح مونو عبر برمجته الجديدة بعد الحرب إلى أعمال وندوات وحوارات تستجيب لحاجات البوح والحديث عن الحرب والذكريات…

مهرجان BAFF: أوقفوا الحرب

بدءاً من اليوم الإثنين، تفتح مكتبات عامّة ومسارح وملتقيات أبوابها لنشاطات ولقاءات وحوارات تستجيب لما يمرّ به اللبنانيون من عنف ووحشية. أولى المبادرات افتتاح مهرجان بيروت للأفلام الفنية BAFF دورته العاشرة في المكتبة الشرقية في الجامعة اليسوعية في مونو في بيروت، تحت عنوان “أوقفوا الحرب”، فيستضيف ندوة عن الفنّان العالمي ماغريت، ويقدّم عروضاً عن صالات سينما طرابلس من الثلاثينيات حتى أواخر القرن العشرين، إضافة إلى 25 فيلماً سينمائياً ووثائقياً من 15 دولة، للبنان الحصة الكبرى منها.

وفي حين انقطعت أرزاق الفنّانين، من موسيقيين ومسرحيين وعاملين في القطاعين الثقافي والفنّي، سخّر كثيرون وقتهم وإمكاناتهم، مثل الممثّلة ريتا حايك والفنّانة التشكيلية آمنة مروّة، للترفيه عن أطفال النازحين أو المساعدة في توفير حاجات النازحين في مراكز الإيواء.

مسرح زقاق: الاستماع إلى النّاس

انصرف ملتقى مسرح زقاق إلى تنظيم ورشات عمل فنّية تفاعلية مجّانية، وتحويل خشبته إلى منبر لمداخلات مفتوحة لكلّ الناس، في مبادرة “للإصغاء والحكي ومشاركة التجارب الأليمة في ظلّ الواقع الأليم والعنيف والوحشيّ، من أجل استقاء بعضنا طاقة الاستمرار من بعضنا الآخر”. المداخلات التي تقدّم غداً الثلاثاء، مفتوحة على أيّ نوع من التعبير: قراءة النصوص، الموسيقى، الحكاية أو سواها، إضافة إلى الأعمال الفنّيّة المختلفة، من مسرح وموسيقى وتجهيزات فنّيّة وأفلام سينمائية وسواها من الأشكال التواصليّة والتعبيريّة والفنيّة، التي تتناول في طرحها التفكّر ومشاركة التجارب حول اللحظة الراهنة.

مهرجان الأفلام القصيرة: 184 فيلماً من 30 دولة

يفتتح “مهرجان بيروت للأفلام القصيرة” دورته الثامنة عشرة غداً الثلاثاء أيضاً، في مسرح الإليزيه في ساحة ساسين في الأشرفية، بندوة “من جيل إلى جيل” يتحدّث فيها كلّ من الفنّانين جورجيت جبارة وجوليا قصّار وندى أبو فرحات وريتا حايك، ويديرها بديع أبو شقرا. ويشارك فيه 92 فيلماً قصيراً من أكثر من 30 دولة، بشكل عام. فيما يعرض 46 فيلماً (12 فيلما لبنانياً) ضمن المسابقة الرسمية التي تؤهّل كلّ فيلم روائي أو وثائقي أو تحريكي يفوز بها للمشاركة في التأهّل لجوائز الأوسكار. إذ إنّ المهرجان أصبح معتمداً من الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها، كمؤهِّل لجوائز الأوسكار. ويشارك في مسابقة أفلام التخرّج، “BEIRUT SHORT SPARKS”، 20 فيلماً. فيما يشارك 16 فيلماً في مسابقة “BEIRUT SEEDS” المخصّصة لطلّاب الجامعات الذين لم يتخرّجوا بعد.

استحدث المهرجان مسابقة “الأرض والسلام والعدالة” التي تشارك فيها 10 أفلام من دول مختلفة تعالج قضايا الهوّية والانتماء للوطن والتوق إلى السلام. وذلك “استجابة لما تمرّ به المنطقة العربية ولبنان وفلسطين خصوصاً، ونظراً لتلقّي إدارة المهرجان كثيراً من الأفلام حول هذه المواضيع ونظراً للحاجة الملحّة إلى التعبير عنها”، كما أكّد سام لحود مدير المهرجان لـ “أساس”.

رسالة مواجهة وتضامن

قرّرت مؤسِّسة “مهرجان بيروت للأفلام الفنّية والوثائقية” أليس مغبغب “تحدّي كلّ ما يواجه اللبنانيين من أزمات سياسية واقتصادية وحربية وموجات عنف لم تشهد البلاد لها مثيلاً منذ خمسين سنة، وهو عمر الصراعات الدموية التي تتخلّلها حقباتٌ من الهُدن المتأرجحة على وقع النكران الوطني”، بحسب تصريحها لـ”أساس”.

تصرّ مغبغب مع كلّ أزمة يمرّ بها لبنان عدم إلغاء أو تأجيل المهرجان، حتى خلال انتشار وباء كورونا حين جُعلت دورته رقمية، ثمّ بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020 حين عقدت الدورة في الجامعة الأميركية. وهذا العام طلبت منها التأجيل إدارة مسرح بيريت والمكتبة الشرقية حيث يقدّم المهرجان. لكنّها رفضت لأنّ دور المثقّفين والناشطين الثقافيين أكبر خلال الأزمات، “فالثقافة ليست ترفيهاً، بل هي فعل سياسي ومواجهة، ومهرجان BAFF تحوّل على مرّ السنوات إلى قطبٍ ثقافيٍ يؤمن بالتضامن والاستمرارية”.

إقرأ أيضاً: فيلم “أرزة”: بارقة أمل لبنانيّة… من مصر إلى الأوسكار

شرحت أنّ “سلطة الأمر الواقع ظلّت تصمّ آذانها، وفي حين أطلقت آلة الحرب العنان لنفسها، وجد الشعب اللبناني نفسه بلا حولٍ ولا قوّةٍ وحيداً إلّا من إصراره على المواجهة. ونحن من خلال المهرجان نواجه آلة الحرب والقتل بالثقافة والسينما والمعرفة لأنّ الثقافة هي تمسّك بالحياة والإنسانية”.

وقالت: “من شانديغار إلى لندن، ومن سان باولو إلى برلين، ومن كوبنهاغن إلى بغداد، ومن بروكسل إلى طرابلس، ومن برلين إلى مدريد، ومن وارسو إلى مكسيكو، ومن جنيف إلى بنوم بنه، ومن ميلانو إلى طوكيو، ومن باريس إلى جبيل، يلتقي ممثّلون ومخرجون ومنتجون وفنّانون وسط معاناة الشعب اللبناني مُطالبين بلسان مهرجان بيروت للأفلام الفنّية بوقف الصراعات ووقف الحرب فوراً”.

مواضيع ذات صلة

فيلم “أرزة”: بارقة أمل لبنانيّة… من مصر إلى الأوسكار

أينما يحلّ فيلم “أرزة” اللبناني (إخراج ميرا شعيب وتأليف فيصل سام شعيب ولؤي خريش وإنتاج علي العربي) يمنح المشاهد، وخصوصاً اللبنانيين، الكثير من الأمل. فعدا…

90 عاماً من فيروز: صوت تاريخنا… ولحن الجغرافيا

اليوم نكمل تسعين سنةً من العمر، من الإبداع، من الوطن، من الوجود، من فيروز. اليوم نحتفل بفيروز، بأنفسنا، بلبنان، وبالأغنية. اليوم يكمل لبنان تسعين سنةً…

سيرتي كنازحة: حين اكتشفتُ أنّني أنا “الآخر”

هنا سيرة سريعة ليوميّات واحدة من أفراد أسرة “أساس”، وهي تبحث عن مسكنٍ لها، بعد النزوح والتهجير، وعن مساكن لعائلتها التي تناتشتها مناطق لبنان الكثيرة…

الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (1/2)

العبثيّة، ثيمة تكرّرت في روايات الياس خوري بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. عبثيّة إمّا نحن نخوضها لتحرير الأرض والثورة على الجلّاد غير آبهين بحياتنا…