العراق: قانون الأحوال المدنيّة.. كاتبه يحمل شهادة لبنانية مزوّرة

مدة القراءة 5 د

عام 1959 كتب خمسة قضاة عراقيين قانوناً للأحوال المدنية حمل رقم 188. يعدّ ذلك القانون من أكثر القوانين اعتدالاً في المساواة بين الرجل والمرأة ومراعاة حقوقهما الاجتماعية في الزواج والطلاق والإرث والإنفاق وسواها من المسائل التي تحتاج إلى أن تستند إلى أحكام صريحة لا لبس فيها.

 

منذ سنوات تحاول الأحزاب الطائفية الحاكمة في العراق إحلال قانون جديد محلّ ذلك القانون بحجّة التقيّد بأحكام مذهبية تنطوي في حقيقتها على استلابٍ لحقوق المرأة واسترخاصها إلى درجة اعتبارها سلعة يمكن التخلّص منها من غير إلزام الرجل بدفع النفقة لها، إضافة إلى حرمانها من حضانة أطفالها. الأدهى من ذلك أنّ القانون البديل يجيز تزويج البنات في سنّ التاسعة. وإذا ما كان دعاة التغيير قد أطلقوا على محاولتهم تسمية “القانون الجعفري” فإنّ التسمية التي تليق به هي “قانون زواج القاصرات”.

الفتوى في مواجهة القانون

كُتب قانون 188 بأيدي قضاة متمرّسين يشهد لهم التاريخ القضائي في العراق بالكفاءة والعدل والخبرة. أمّا المتحمّسون لتعديله (إلغائه) فإنّ جميعهم لم يدرسوا القانون، إضافة إلى أنّ من حصل منهم على شهادة جامعية فإنّ شهادته صادرة من إحدى الجامعات اللبنانية التي ارتبطت بفضيحة التزوير المعروفة. أي أنّ تلك الشهادة مزوّرة. وهم ممَّن سعوا في أوقات سابقة إلى أن يقرّ مجلس النواب صلاحية الشهادات المزوّرة التي يحملها أعضاؤه.

سعى نوّاب الأحزاب الدينية غير مرّة إلى تمرير القانون الذي لا أعرف لماذا تمّ ربطه بالمذهب الجعفري “الشيعي”. هل لأنّ مرجع النجف الأعلى علي السيستاني أجاز زواج القاصرات في إحدى فتاواه الموثّقة؟ لم يكن الكثير من الشيعة يعرفون ذلك إلى أن تمّ فضحه بعد إصرار النواب على تمرير القانون أخيراً بعدما فشلوا في المرّات السابقة بسبب الموقف المناهض له الذي عبّرت عنه مختلف فئات المجتمع العراقي.

سعى نوّاب الأحزاب الدينية غير مرّة إلى تمرير القانون الذي لا أعرف لماذا تمّ ربطه بالمذهب الجعفري “الشيعي”

ما يدعو إلى السخرية والاستهجان في الوقت نفسه أنّ نواب الشعب يحاولون أن يفرضوا عليه قانوناً يرفضه. السخرية تتّسع حين يضع رجال دين أنفسهم في موضع رجال القانون لتحلّ الفتوى الدينية محلّ الأحكام الشرعية التي استند إليها واضعو القانون الأساس. كان الإسلام دائماً في الدستور العراقي هو مصدر التشريع الأوّل. أمّا اليوم فأشكّ في أنّه كذلك. فالمذاهب صارت هي المرجع، بل إنّ رجال الدين قد صادروا المذاهب لحساب آرائهم الشخصية التي تُسمّى بالفتاوى.

حين ينتهك الفساد حقوق الأطفال

إنّها حفلة طائفية أخرى في سلسلة الحفلات الطائفية التي صار العراق يشهدها منذ 2003، وهو عام الاحتلال الأميركي. هي حفلة يتمّ من خلالها اختراق لائحتَي حقوق الإنسان وحقوق الطفل. ولكنّ سحق المرأة هو الهدف الأساس. وهو ما يدفعني إلى التشديد على ضرورة أن تكون هناك حماية دولية للمجتمع العراقي الذي يُخطَّط له أن ينزلق إلى هاوية بدائية غير مسبوقة. إذ إنّني لا أتوقّع أنّ البدائيين كانوا يغتصبون أطفالهم. ما يحدث في العراق هو إساءة إلى الإنسانية ومن خلالها إلى الشرائع السماوية.

العراق

صحيح أنّ معظم العراقيين يعيش في حالة اقتصادية رثّة على الرغم من ثراء بلادهم بسبب الفساد المستشري بين مفاصل الدولة التي تديرها الأحزاب التي ينادي ممثّلوها في مجلس النواب بالقانون الجعفري، غير أنّ وصول ذلك الفساد إلى درجة انتهاك براءة الأطفال ورمي المرأة في سلّة المهملات فذلك أكبر من طاقة البشرية على التحمّل في القرن الحادي والعشرين. يردّد دعاة القانون الجديد سؤالاً: “هل قانونكم أفضل من القرآن؟”. وهم يدّعون أنّ قانون الأحوال المدنية قد وضعه الشيوعيون. والشيوعيون يجلسون معهم تحت قبّة البرلمان بعدما ورّطوا أنفسهم في المشاركة في العملية السياسية التي هي عنوان النظام السياسي.

كُتب قانون 188 بأيدي قضاة متمرّسين يشهد لهم التاريخ القضائي بالكفاءة والعدل والخبرة. أمّا المتحمّسون لتعديله فإنّ جميعهم لم يدرسوا القانون

الحرب على المرأة حرب على الحقيقة

الطفولة في العراق في خطر، وهذا الوضع يُلزم المنظّمات الدولية بالقيام بواجبها من أجل حمايتها. أمّا المرأة العراقية فإنّ أكثر من عشرين سنة من القمع وتضييق سبل العيش عليها أخضعتها نسبياً لمقاييس صنعت صورتها التي تلغي عقوداً من التحرّر كانت فيها المرأة رائدة ومساهمة في صنع إرادة المجتمع. لقد تقدّمت طبقة الزينبيّات والعلويّات لتحلّ محلّ المرأة العاملة والمزارعة والطبيبة والمهندسة والمفكّرة وصانعة المستقبل.

إقرأ أيضاً: الثّقة بـ”إيران” هواية الأغبياء

ينسف المتخلّفون من أبناء الشوارع، العاطلون عن الخيال ممَّن تتلمذوا في سراديب الأحزاب الطائفية ومعسكرات الحرس الثوري الإيراني، تاريخاً عظيماً كانت فيه المرأة رائدة بناء وداعية حرّية. ينتصرون على المرأة العراقية بقوّة السلطة والمال والسلاح، وهو ما يعني أنّهم يحفرون قبورهم. فالمرأة هي سرّ الحياة. صورتها هي صورة مجتمعها. وحين يحارب المتخلّفون المرأة باسم الدين فإنّهم يكشفون عن نوع تديّنهم الذي يناقض جزءاً من سرّ الخلق، وهو سرّ إلهي.

 

*كاتب عراقي

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…