إيران تفشل في حشد التّغطية الإسلامية لردّها.. وأذرعها مرتبكة

مدة القراءة 8 د

ما يجري من اتّصالات إقليمية ودولية هدفه تغليف ردّ إيران على اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، ثمّ الردّ الإسرائيلي المتوقّع على الردّ… بـ”التروّي” و”التعقّل”. الدول المعنيّة كافّة، بما فيها إيران، لم تترك مجالاً للشكّ في أنّها لا تريد توسيع الحرب. حتى إنّ بعض الدوائر المعنيّة بالتفاوض الجاري لخفض مستوى الضربات العسكرية يرجّح حذر إسرائيل أيضاً من توسيع الحرب، لأنّ أميركا ضدّها.

في المقابل ليست طهران في وضع تحسد عليه في مغامرتها لاسترداد “هيبتها وشرفها”… على طريق مصادرة القضية الفلسطينية. فنجاح أجندتها في اكتساب الأوراق الإقليمية بات ينذر بخسائر لمجرّد أنّ شرارة المواجهات العسكرية باتت تطال أراضيها منذ نيسان الماضي.

صحيح أنّ طهران قادت حملة دعائية في محاولة منها للحصول على دعم عدد من الدول، لتغطية ردّها على إسرائيل بعد اغتيال رئيس حركة “حماس” إسماعيل هنية على أراضيها. لكنّها سعت أيضاً إلى تغطية للتفاوض الجاري حول خفض مفاعيل الردّ، والردّ الإسرائيلي عليه، وضبطه ضمن حدود تحول دون الحرب الشاملة.

ما يجري من اتّصالات إقليمية ودولية هدفه تغليف ردّ إيران على اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، ثمّ الردّ الإسرائيلي المتوقّع على الردّ… بـ”التروّي” و”التعقّل”

شمخاني و”الظروف المهيّأة”

كان لافتاً قول مستشار المرشد الإيراني للشؤون السياسية علي شمخاني أوّل من أمس الأحد إنّ “الظروف باتت مهيّأة لإنزال أشدّ العقاب بإسرائيل”. وأضاف أنّ “الإجراءات القانونية والدبلوماسية والإعلامية تهيّأت لاتّخاذ هذه الخطوة”.

يعني كلامه أنّ طهران أفادت من الوقت منذ اغتيال إسماعيل هنية في 31 تموز، لتنظيم حملة دعائية تحضيراً لضربتها الانتقامية. لكنّه يعني أيضاً أنّها انخرطت، بفعل براغماتية قيادتها، في التفاوض على تنظيم و”إدارة” ردّها العسكري وحدوده، وكذلك الردّ الإسرائيلي عليه.

سبق لبعثة إيران في الأمم المتحدة، التي أفادت تقارير غربية أنّها كانت محطة رئيسة للاتصالات الأميركية مع طهران، هيّأت لكلام علي شمخاني، إذ قالت البعثة السبت الماضي: “أولويّتنا هي التوصّل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة. وأيّ اتفاق توافق عليه حماس سنعترف به أيضاً”. لكنّها أكّدت أيضاً أنّ إسرائيل “انتهكت أمننا القومي وسيادتنا من خلال العمل الإرهابي الأخير. ونملك الحقّ المشروع للدفاع عن أنفسنا، وهو أمر غير مرتبط بتاتاً بوقف إطلاق النار في غزة”.

كان لافتاً قول مستشار المرشد الإيراني للشؤون السياسية علي شمخاني أوّل من أمس الأحد إنّ “الظروف باتت مهيّأة لإنزال أشدّ العقاب بإسرائيل”

إخفاق أميركيّ في خلق حجّة منع الرّدّ

يعكس ذلك ما دار في التفاوض لتنظيم الردّ والردّ على الردّ، وفق ما بات معروفاً عن محاولة أميركية لنزع فتيل الحرب الشاملة. قامت تلك المحاولة على تسريع الجهود لوقف النار في غزة، لعلّها تدفع إيران إلى استخدامه حجّة من أجل صرف النظر عن الانتقام. وطالما أنّ وقف الحرب هو الهدف الأساسي لمحور الممانعة ومبرّر انخراط الأذرع في الحرب لإسناد غزة، فإنّ تحقيقه يلغي حجّة الإسناد. أي أنّ وقف النار في القطاع يلغي حجّة التدخّل الإيراني في الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر الماضي. وهي الحجّة التي كانت خلف دخول الحزب والحوثيين والميليشيات العراقية في الحرب. وانسحاب هؤلاء منها بات يحتاج إلى حجّة أيضاً. لكنّ التعقيدات المتّصلة بموازين القوى في المنطقة ليست بالبساطة التي تتوخّاها هذه المعادلة. من هنا يجب الإشارة إلى عدد من المعطيات، أبرزها الآتية:

– تقول أوساط دبلوماسية تسنّى لها الاطّلاع على جانب من مفاوضات خفض مستوى الضربات الانتقامية المتبادلة إنّها واجهت عقبات، منها أنّ إسرائيل لن تسكت على استهداف مواقع عسكرية وستردّ على مواقع إيرانية مشابهة. أمّا قصف مواقع حيوية فستواجهها إسرائيل بالمثل. وسألت هذه الأوساط: ماذا لو أطلقت غواصة إسرائيلية صاروخاً على منشآت النفط في منطقة عبادان الإيرانية مثلاً؟ ولم تخلُ بعض التقديرات من الحديث عن إلحاق منشآت نفطية إيرانية بمستودعات النفط في الحديدة اليمنية.

تقول أوساط دبلوماسية تسنّى لها الاطّلاع على جانب من مفاوضات خفض مستوى الضربات الانتقامية المتبادلة إنّها واجهت عقبات،

ظروف بزشكيان… وتهديد عبادان؟

– المحاولة الأميركية لم تثمر في ثني طهران عن الردّ نظراً إلى حاجتها إلى استرداد بعض ماء الوجه بعد الاختراق الأمنيّ في اغتيال هنية. والأخيرة مثل إسرائيل وأميركا، تمرّ في وضع داخلي حسّاس، مع تسلّم الرئيس مسعود بزشكيان مهمّاته. وهو يميل إلى ردّ موضعي على إسرائيل يتجنّب ضربة كبرى تجرّ إلى انتقام إسرائيلي، فيما “حرس الثورة” يطالب بردّ يكلّف إسرائيل ثمناً باهظاً. ومراقبة ما يحيط بتشكيلة حكومة بزشكيان التي اقترحها على البرلمان تشير إلى الإرباكات الداخلية. واستقالة محمد جواد ظريف بعد تعيينه مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية، تعبّر عن التجاذب الذي يتعرّض له بزشكيان.

– مواصلة إسرائيل ارتكاب المجازر في غزة لا تتيح نجاح أيّ مراهنة على إنفاذ قرار وقف الحرب. إذ تخضع الحكومة للمزايدات بين اليمين الاستيطاني المتطرّف وبين قيادة الجيش وبنيامين نتنياهو. والنتيجة سحق غزة والمدنيين فيها بحجّة استهداف مقاتلي حماس.

صدور تأييد عارم من الدول الغربية وأوروبا للبيان الثلاثي لن يعدّل في الموقف الإسرائيلي. هذا على الرغم من مراهنة فرنسية، حسب قول مصادر دبلوماسية لـ”أساس”

– لذلك أجّلت الدول الوسيطة، صاحبة البيان الأميركي المصري القطري الداعي إلى تجديد التفاوض موعد انعقادها من يوم الجمعة الماضي، إلى الخميس المقبل، مفاوضات وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من صدور تأييد عارم من الدول الغربية وأوروبا للبيان الثلاثي فهذا لن يعدّل في الموقف الإسرائيلي. هذا على الرغم من مراهنة فرنسية، حسب قول مصادر دبلوماسية لـ”أساس”، على أنّه ما زال هناك أمل بتجنّب الردود الانتقامية أو بحصرها.

خسائر طهران مقابل مكسب السّنوار

في انتظار تأثير هذه العوامل على الميدان، باتت إيران في الفسحة الزمنية بين اغتيال إسماعيل هنية وبين ردّها أمام حساب الأرباح والخسائر كالآتي:

1- حقّقت مكسباً سياسياً بانتخاب يحيى السنوار رئيساً لحماس. فهو أقرب إليها، بدليل الترحيب الشديد من حرس الثورة بتولّيه زعامة الحركة. بذلك تأمل مواصلة الإمساك بورقة غزة في لعبة النفوذ الإقليمي، بصرف النظر عن استمرار العمليات الإسرائيلية المرشّحة لمزيد من التصعيد في القطاع.

2- لكنّ إظهار التصميم على الانتقام لم يفِد في الحؤول دون التخفيف من مأساة القطاع.

تركت طهران للأذرع أن تنتقد الموقف الإسلامي، خشية عودة عقارب علاقاتها العربية والإسلامية إلى الوراء بعد اتفاق بكين في آذار 2023 لاستعادة العلاقات مع السعودية

فشل في حشد التّغطية الإسلاميّة

3- فشلت في حشد تغطية لضربتها العسكرية الانتقامية. وعلى الرغم من إعلان علي شمخاني أنّ الظروف الدبلوماسية والإعلامية مهيّأة للردّ، إلا أنّ آمال طهران من طلبها اجتماع وزراء منظمة التعاون الإسلامي في جدّة الخميس الماضي تبدّدت. والبيان الصادر عن الاجتماع اكتفى بالآتي: “يدين بشدّة اغتيال السيّد إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، خلال وجوده في العاصمة الإيرانية طهران، ويحمّل إسرائيل، سلطة الاحتلال غير الشرعي، المسؤولية الكاملة عن هذا الاعتداء الآثم الذي يشكّل جريمة عدوان وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واعتداءً خطيراً على سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسلامتها الإقليمية وأمنها القومي”. أمّا باقي الفقرات الـ14 من البيان فركّزت على إدانة فظاعات إسرائيل ودعت إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وطالبت مجلس الأمن بتحمّل مسؤوليّاته.

لهذا انعكست خيبة أمل لدى القيادة في طهران، التي كانت تأمل تأييد حقّها في الردّ. ظهرت الخيبة في مواقف رئيس “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، الذي انتقد البيان معتبراً أنّه “لا يرقى إلى مستوى المسؤولية”. سبقته في ذلك دعوة الأمين العام للحزب “الدول العربية والإسلامية إلى أن تستيقظ وأن تعيد النظر في موقفها وأدائها ‏وسلوكها”.

تركت طهران للأذرع أن تنتقد الموقف الإسلامي، خشية عودة عقارب علاقاتها العربية والإسلامية إلى الوراء بعد اتفاق بكين في آذار 2023 لاستعادة العلاقات مع السعودية. هذا في وقت تتنبّه الدول العربية والإسلامية إلى عدم الانجراف نحو تسهيل أجندة طهران الإقليمية وتمدّدها في المنطقة. فهي تدرك أنّها تمسك بورقة حماس لأهداف تفاوضية مع أميركا، من دون اهتمام للخسائر التي تلحق بالشعب الفلسطيني.

افتقار حجج نصر الله للتّماسك

4- من الخسائر أيضاً افتقار التبريرات، التي اضطرّ نصر الله إلى تقديمها في خطابَيه الأخيرين، إلى التماسك، وافتقادها التأييد لبنانياً وعربياً:

– تركيزه على أنّ “محور المقاومة يُقاتل بغضب وبعقل”، رأى فيه خصومه تبريراً للحسابات الإيرانية التفاوضية. كذلك دعوته إلى “التصرّف برويّة وأناة وتأنٍّ و‏بشجاعة وليس بانفعال”. فالحزب في حدث مثل “خسارتنا الكبيرة” باغتيال القيادي فؤاد شكر، يتمهّل في الردّ وفقاً للأجندة الإيرانية، وليس وفق حسابات الميدان والظروف اللبنانية الحرجة التي لا تحتمل المزيد من الدمار والمآسي.

إقرأ أيضاً: مرّة أخرى.. شرقان أوسطان!

– استدرج المزيد من الرفض لحججه بقوله إنّه “ليس ‏مطلوباً من إيران أن تدخل قتالاً دائماً، وليس مطلوباً من سورية أن تدخل في القتال بسبب ظروفها ‏الداخلية”. فالكثير من معلّقي التواصل الاجتماعي، إضافة إلى سياسيين معارضين، سألوا: “أليس للبنان ظروف داخلية تعفيه من حرب الإسناد كما أعفيت إيران وسوريا؟”.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…