الضربة حتميّة: حدودها مراكز عسكريّة للحزب

مدة القراءة 5 د

في أشهر الحرب الماضية، تركّزت التحذيرات الدبلوماسية على تخوّف واحد. فعلى الرغم من تأكيد كلّ القوى أنّ أحداً منها لا يريد الحرب الموسّعة، كان التخوّف أن يحصل أيّ خطأ في التقدير، فيتحوّل إلى سبب لانزلاق المنطقة إلى الأسوأ. أما وقد حصل هذا الخطأ في إصابة ملعب الكرة في الجولان المحتلّ، وسقوط الضحايا الأطفال، يعمل الجميع على إحاطة التصعيد المقبل بحواجز تمنع التوسّع بالحرب. فهل “فِلِت الملق”؟

جولة التصعيد الآتية ستستمرّ، بحسب المصادر الدبلوماسية المواكبة، لأيّام عدّة. ولن تنحصر بضربة واحدة، خصوصاً أنّ أميركا وإسرائيل أعلنتا بوضوح أنّ صاروخ الجولان أطلقه الحزب، على الرغم من نفي الأخير.

هذا الأمر استدعى من شركات طيران عديدة أن تعلّق رحلاتها من وإلى بيروت حتى الخامس من آب. بعد ذلك يفترض أن تنتهي جولة القتال لتبدأ جولة المفاوضات الدبلوماسية والسياسية. فهل يصحّ القول إنّنا اقتربنا من الدخول في مسار الحلّ الأمنيّ والسياسي والرئاسي؟

على حدّ تعبير بعض الصالونات السياسية، لا مجال لاختراق المشهد إلّا بالتصعيد: “إذا ما كبرت ما بتصغر”.

جولة التصعيد الآتية ستستمرّ، بحسب المصادر الدبلوماسية المواكبة، لأيّام عدّة. ولن تنحصر بضربة واحدة

تل أبيب: سلسلة ضربات في عمق الحزب

بعباءة من واشنطن، تتحدّث تل أبيب عن شنّ ضربات “في عمق الحزب”، من دون أن يؤدّي ذلك إلى حرب شاملة. والدليل على ذلك أنّ وزيري الحكومة الأكثر تطرّفاً بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير انسحبا من اجتماع الكابينت الإسرائيلي أثناء دراسته شكل الردّ على الحزب. وهما المعروف عنهما مواقفهما التصعيدية، وإصرارهما دوماً على ضرورة شنّ حرب كبرى على لبنان. وذلك بالتزامن مع طلب السفارة الأميركية من رعاياها مغادرة لبنان فوراً، وتنبيه من ينوي البقاء فيه للاستعداد للبقاء في أماكن آمنة فترة طويلة.

في المعلومات الدبلوماسية المرافقة للاتّصالات التي جرت في الساعات الماضية أنّ رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي الأسبق وليد جنبلاط يعمل على استيعاب التدهور الأمنيّ على اعتباره معنيّاً مباشرة أوّلاً من حيث الانتماء الطائفي والسياسي لعائلات الضحايا في الجولان المحتلّ، وثانياً انطلاقاً من علاقته الجيّدة مع الحزب. من هذا الموقع، تلقّى جنبلاط اتصالاً من الموفد الأميركي آموس هوكستين، وفي المعلومات أنّ هوكستين أبلغ جنبلاط بوضوح نيّة إسرائيل القيام بردّ كبير قد لا يحيد عن إسقاط مدنيين.

على حدّ تعبير بعض الصالونات السياسية، لا مجال لاختراق المشهد إلّا بالتصعيد: “إذا ما كبرت ما بتصغر”

مجموعة من الاتصالات اللاحقة آلت إلى تحييد بيروت وضاحيتها الجنوبية والمدنيين من دون الحصول على ضمانات كاملة. إلا أنّ المعلومات الدبلوماسية تحدّثت عن نيّة إسرائيل ضرب بنى تحتية للحزب سبق أن وضعتها في لائحة أهدافها. ووفق المصادر نفسها سيتطوّر الردّ الإسرائيلي إلى جولة من الاشتباك ستدوم أيّاماً عدّة من التقاذف الصاروخي بين إسرائيل والحزب.

لكن ماذا تريد إسرائيل من هذه الجولة؟

تتحدّث المصادر الدبلوماسية لـ”أساس” أنّها تريد أوّلاً تدمير ما أمكنها من بنى تحتية تحوي قدرات للحزب، وبالتالي أهدافها عسكرية. وثانياً تريد أن تنهي الاشتباك على قاعدة أنّ التصعيد سيؤدّي إلى سلوك طريق الحلّ السياسي وتطبيق القرار 1701، وفق مفاوضات لإعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم.

يعمل جنبلاط على استيعاب التدهور الأمنيّ على اعتباره معنيّاً مباشرة أوّلاً من حيث الانتماء الطائفي والسياسي لعائلات الضحايا في الجولان المحتلّ

الحزب: سنردّ بالمثل.. وبوحبيب “أخطأ”؟

بعد إيصال إسرائيل رسائلها إلى بيروت، تقول مصادر مطّلعة على موقف الحزب إنّ الردّ كان واضحاً أيضاً: “في حال استهدفت إسرائيل في جولتها مدنيين سيردّ الحزب باستهداف مدنيين”، بما يعني المحافظة على المعادلات العسكرية الموجودة حالياً.

في المعلومات أنّ رسالة الحزب بعدم وجوب خرق المعادلات وصلت في الأمن. أمّا في السياسة فأرسل الحزب موفداً عنه، هو مسؤول العلاقات العربية في الحزب عمّار الموسوي، ليلتقي وزير الخارجية عبد الله بوحبيب. وفي معلومات “أساس” أنّ الموسوي استوضح من بوحبيب حقيقة موقفه من “استعداد الحزب للتراجع خلف الليطاني” مقابل وقف طلعات الطيران الإسرائيلي، على اعتبار أنّ الحزب ليس في هذا الوارد ولم يطلب من أحد إيصال هذه الرسالة.

سقوط صاروخ في غير مكانه ينقل المشهد إلى مرحلة أكثر حراجة. والمشهد سيكون تصعيدياً ناريّاً

في تموز من عام 2022، قام الحزب بإرسال مسيّرة عسكرية فوق حقل كاريش النفطي الإسرائيلي. يومها كان الهدف منها، كما قال الأمين العامّ للحزب لاحقاً، تعزيز موقف لبنان في التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، بعدما كان نصرالله قد أعلن أنّه “خلف الدولة في التفاوض”.

مسيّرة كاريش: رسالة “تفاوض”

منذ حوالي أسبوع، أسقطت إسرائيل مسيّرة استطلاعية غير مقاتلة كانت تتّجه أيضاً إلى كاريش. ولم يعلن أحد مسؤوليّته عنها. وفق بعض القراءات المحلّية والدولية، هناك أوجه تشابه بين المسيّرتين، لا سيّما أنّ نصرالله نفسه أعلن هذه المرّة أيضاً أنّ “الدولة هي المسؤولة عن التفاوض”. وبالتالي فإنّ رسائل التفاوض كانت تتطاير على شكل مسيّرات قبل ما جرى في مجدل شمس.

إقرأ أيضاً: لبنان: لا حلول سياسيّة وتحذيرات أمميّة بتوسّع الحرب..

سقوط صاروخ في غير مكانه ينقل المشهد إلى مرحلة أكثر حراجة. والمشهد سيكون تصعيدياً ناريّاً، وجديداً بصورة مفرقعة تليق بالأهداف العسكرية وتليق بلعبة الصورة والحرب النفسية وتلبّي حماسة عيون الجماهير التي تنتظر قبل دخول مرحلة التفاوض الجدّية والانتقال إلى مسار آخر.

لمتابعة الكاتب على X:

@josephinedeeb

مواضيع ذات صلة

اختبار اليوم الأوّل: الرّئاسة تضغط!

لم يعد مضمون اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده الـ13 و”ألغامه” مُهمّاً بقدر الحاضنة الميدانية – السياسية التي ستواكب تنفيذه منذ دخوله حيّز التطبيق فجر الأربعاء،…

هدنة الـ60 يوماً: الحرب انتهت… لم تنتهِ!

بعد عام ونحو شهرين من حرب إسناد غزة، و66 يوماً من بدء العدوّ الإسرائيلي عدوانه الجوّي على لبنان، واغتياله الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله،…

ألغام سياسيّة أمام الجيش في الجنوب!

بعدما أصبح وقف إطلاق النار مسألة ساعات أو أيام، لا بدّ من التوقّف عند العنوان الأوّل الذي سيحضر بقوّة على أجندة “اليوم التالي” في لبنان:…

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…