دوّرها.. وأعطيني شحطة!

2024-07-13

دوّرها.. وأعطيني شحطة!

“الله يذلّكم”، “الله ياخدكم”، “يبعتلك حمّى يا نتنياهو”… مصطلحات اعتدت على سماعها منذ تشرين الأول الفائت من فم أمّ زهير كلّما تصفّحت هاتفها الحذق (الذكيّ) بحثاً عن أخبار غزّة وردود الفعل الإسرائيلية الوحشية على “طوفان الأقصى”.

 

لا جديد مذّاك… تحوّلت أمّ زهير إلى “مشروع شهيدة”، تريد قتال إسرائيل وترفض أن يسلّم الحزب سلاحه إلى الدولة في ظلّ وجود “عدوّ غاشم” كالعدوّ الإسرائيلي متربّص بحدودنا الجنوبية.

استطاع الحزب من خلال “جبهة الإسناد” إيّاها أن يصالح أمّ الزوز، من دون أن يحاورها أو تحاوره حول مستقبل الدولة، ومصير السلاح، والاستراتيجية الدفاعية، ولا حتى حول هريسة “عاشوراء”!

قفزت أمّ زهير فوق 19 سنة من المأساة، متناسية دربَ جلجلةٍ بدأت باغتيال “الغالي” رفيق الحريري، وحرب تموز، ثمّ 7 أيار، فاحتلال السراي، ومروراً بسلسلة الاغتيالات والدماء والقمصان السود كرمى لعيون فلسطين… لأنّ فلسطين حرزانة (بالإذن من فؤاد مخزومي) وأهلها يستأهلون.

تحوّلت قضيّة فلسطين لدى أمّ زهير وأترابها (وليس “حماس” حسبما تقول ويقلن) إلى سيجارة حشيشة من صنف طيّب. صاروخ يضعه الحزب في فِيْها (وأفواهنّ) ثمّ يُشعل… لدرجة أنّهن بتن يقلن له من تلقاء أنفسهنّ: “دوّرها دوّر دوّر… وأعطيني شحطة”.

أمس، دَخَلْت المنزل، فوجدت أمّ زهير على المنوال نفسه، “عم تبربس” (تتمتم) مصطلحات غير مفهومة. فَتَحتُ هاتفي على ألبوم الصور، وأطلعتها على صورة تَسنّى لي التقاطها عند تقاطع كركول الدروز في قلب بيروت، وتُظهر لافتتين (يافطتين) “تركب” الأولى فوق الثانية:

– الأولى في الأعلى تحمل صورة الشيخ سعد الحريري ومُرفقة بعبارة: “عائشة بكّار وشبابها معك وحدك”.

– الثانية أسفلها وفيها صورة لشهيد من شهداء “الجماعة الإسلامية” يحمل بندقية من صنف “كلاشنيكوف” كتلك التي حملها ذات يوم في البقاع المفتي علي غزاوي بالمقلوب، ممهورة بعبارة: “صدقت الوعد ونلت ما أردت”.

اكتشفت أنّ أمّ زهير وأترابها ما زلن إلى حدّ بعيد تحت تأثير “صاروخ” الحشيش، لكنّهنّ بدأن بالاعتراف ضمناً أنّ مفعول “السيجارة” بدأ ينضب ولله الحمد

أم زهير

قلت لها: “أنظري أمّ زهير… أيّ واحدة من اليافطتين تمثّلك وأترابك يا حشيشة قلبي؟ أنت مع يلّي فوق أو مع يلّي تحت؟”.

وضعت النظّارات على عينيها و”بحلقت” جيّداً. سكتت قليلاً ثمّ قالت: ” والله ما عدت عارفة شي من شي”.

أردفت بسؤال آخر: “هذه الصورة في عائشة بكّار… بتعرفيها؟ والله يبدو إنّو معهد “ألما” الإسرائيلي صار بيعرفها أكتر منّي ومنِّك، وعم يعرض صوَر مركز الجماعة الإسلامية ونقاط الحراسة والجيران والعيلة والطايفة”.

شعرت أمّ زهير بـ”السخن”، فساد صمتها لهنيهات، ثمّ تنحنحت وجرؤت على البوح بما يختلج في صدرها بكلّ صدق وأمانة، وهي من المرّات القليلة التي تَظهر فيها على حقيقتها وتفضفض: “احترنا يا أبو زهير… والله احترنا. مشاهد القتل والدمار بغزّة وجنوب لبنان خنقتني، والسلاح عزوة ومرجلة… يا أخي طعمو طيّب”.

أنا مقاطعاً: “ما في شي طيّب بلا واوا يا أمّ زهير… نحنا جاهزين للواوا؟”.

لم تجب على هذا السؤال، لكنّها أكملت قائلة: “بعدين بدي كون مع المعارضة يلي بتخبرني كل يوم إنو نحنا ما منشبهها، وبتهدّدنا بالتقسيم وبالفدرالية وما بتجيب سيرة الجنوب أو غزة بكلمة؟ أو بدي إرجع مع الحريرية السياسية يلي صارت 100 شقفة، حريرية سعد بغيبته الصغرى أو حريرية بهاء يلي مش عارف الله وين حاطه أو حريرية الأحمدين… والحبل على الجرّار؟”.

هنا قاطعتها بعدما “قَطّعت قلبي راس عصفور” وشعرت أنّها ستنهار عاطفياً، وتعود إلى “تروما” الإحباط السنّيّ، وقلت لها: “حكّمي ضميرك أمّ الزوز… شو بنا؟”.

خطر في بالي أن أستشهد بمقال مولانا رضوان السيّد في “أساس“. تحمّست أن أخبرها بماذا ذكّرنا الزميل عبادة اللدن في مقاله الأخير في “أساس” أيضاً عن امتناع الطائفة السنّية في كلّ تاريخها عن تقديم الغطاء لأيّ تنظيم مسلّح في أحلك الظروف وأشدّها دقّة وخطورة، لكنّني تذكّرت أنّ أمّ الزوز وأترابها لا تستهويهنّ القراءة، وسقفهنّ فيديو على “تيك توك”… ولهذا التزمت الصمت.

“الله يذلّكم”، “الله ياخدكم”، “يبعتلك حمّى يا نتنياهو”… مصطلحات اعتدت على سماعها منذ تشرين الأول الفائت من فم أمّ زهير

بعد ذلك هَدَأَت أمّ زهير، واستجمعت شيئاً من رُشدها على فنجان قهوة مُرّة، ارتشفته “زطّ بلع” حيث قلت لها بهدوء: “على كلّ حال الحرب شارفت على النهاية، وبكرا يوم جيّد. نحنا مش رح نحكي… خلّي الصناديق الانتخابية تقول كلمتها وتحكي”.

بعد هذا الحوار، اكتشفت أنّ أمّ زهير وأترابها ما زلن إلى حدّ بعيد تحت تأثير “صاروخ” الحشيش، لكنّهنّ بدأن بالاعتراف ضمناً أنّ مفعول “السيجارة” بدأ ينضب ولله الحمد.

إقرأ أيضاً: الودائع تلعب بـ”كبكوب الصوف”

لكنّني على الرغم من ذلك كلّه خرجت من حواري مع أمّ زهير بنتيجة بسيطة لكنّها عميقة: خطر الصواريخ سيبقى قائماً دوماً، ونسأل الله أن يسترنا من أيّ “صاروخ” جديد، ولا فرق أن يكون صاروخ “حشيش” أو “بارود” ما دامت النتيجة واحدة!

 

لمتابعة الكاتب على X:

@abo_zouheir

مواضيع ذات صلة

نتنياهو يريد ضرب إيران… وخامنئي “يتراجع تكتيكيّاً”

الظاهر هو الاستماتة من سائر الأطراف في الوصول إلى وقف النار في غزة. وآخر الاستماتات إعلان المرشد الإيراني علي خامنئي أنّه “لا ضير في التراجع…

الضّغط على أذرع إيران يعقّد حراك الخماسية بلبنان؟

يقول سفير لبناني سابق إنّ في لبنان الكثير من الكلام عن السياسة، أكثر من السياسة نفسها. هذا الانطباع من السفير المذكور، المتابع بدقّة لمآل الحراك…

نقاش الحزب لشرعيته: إسناد وإشغال

أفرجت “نصوص” صدرت عن بعض واجهات الحزب عن أعراض إيحاء باستعداد لنقاش مسألة “السلاح” مقابل فتح ملفّ الدستور والنظام السياسي في لبنان. بدا من تلك…

رسالة إلى نتنياهو: لا تلعب بالنّار مع جيش مصر!

يخطئ تماماً بيبي نتنياهو في فهمه للقوانين الحاكمة في الفعل وردّ الفعل عند المؤسّسة العسكرية المصرية. يستطيع نتنياهو أن يمارس جرائمه في الأراضي الفلسطينية المحتلّة…