على الرغم من كلّ الضجيج القانوني الذي أحاط بـ “ملفّ الحربيّة” وحضور وزير الدفاع موريس سليم إلى السراي الحكومي ومشاركة قائد الجيش العماد جوزف عون في مداولات جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الفائت فإنّ كلّ المعطيات تشير إلى أنّ نتائج امتحانات المدرسة الحربية ستُحسَم بالسياسة استناداً إلى دراسة قانونية “صَلبة” توقف شدّ الحبال بين الوزير وقائد الجيش.
لا تشكّك مرجعيات سياسية ورئاسية في كون مقاربة وزير الدفاع موريس سليم لكلّ الملفّات الخلافية مع قائد الجيش منفصلة تماماً عن حسابات النائب جبران باسيل الشخصية مع العماد جوزف عون.
ليس الرجل بـ”جيبة جبران” إطلاقاً وله تجربته العسكرية وقناعاته في ما يتعلّق ببنود قانون الدفاع وصلاحية الوزير ومعادلة “الرئيس والمرؤوس” في اليرزة، والأهمّ حرصه الشديد على مصلحة الجيش حتى لو ذهب بعيداً في “تطرّفه” لجهة تطبيق القانون وضرورة وقوف أيّ قائد جيش عند عتبة الصلاحيات الممنوحة لوزير الدفاع.
لكن قد لا تكون استقلالية الوزير عن المرجعية التي سمّته وزيراً كافية لكسبه معركة يردّد دوماً أنّها “لن تؤثّر على الناجحين في امتحانات الحربية، وبالنهاية سيتخرّج الجميع في آب بعد ثلاث سنوات”.
أين يقف الحزب؟
من الآخر لم تعد أزمة “نتائج الكلّية الحربية” مسألة خلاف قانوني وعسكري بين وزير الدفاع وقائد الجيش وإعلان أسماء 118 تلميذ حربية أو فتح دورة ثانية لتطويع 55 ضابطاً إضافياً لإكمال عدد الـ 173 الذي أجازه مجلس الوزراء.
باتت المسألة تتخطّى حتّى الوزير سليم والعماد عون، على الرغم من صلب القاعدة القانونية لمقاربتَيْهما المتضاربتين للملفّ، لتلامس مساراً سياسياً يَحكمه تسجيل نقاط لمصلحة أو على حساب “المرشّح الرئاسي” العماد جوزف عون وتتحكّم به قوى أساسية معنيّة بالتوازنات على طاولة مجلس الوزراء، وأولاها الحزب.
وفق معلومات “أساس” ظلّلت جلسة الحكومة يوم الثلاثاء مفارقة لافتة تمثّلت في التزام وزيرَي الحزب علي حمية وإبراهيم بيرم الصمت
العودة إلى الوراء قد توضح المشهد أكثر. في سياق “الحرب” السياسية الداخلية الكبرى ربطاً بملفّ الرئاسة يمكن التسليم بربح قائد الجيش حتى الآن لمعركتين أساسيّتين: إقرار التمديد له في مجلس النواب غصباً عن إرادة حليف الحزب النائب جبران باسيل، ثمّ تعيين رئيس للأركان بقرار وزاري جرى من خلاله تجاوز توقيع وزير الدفاع استناداً إلى مطالعة قانونية شاملة ومفصّلة للأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية.
بالتأكيد مجلس الوزراء اليوم أمام “ماتش” سياسي لا يقلّ أهمّية عن الاستحقاقين السابقين، ولمّح إلى خطورته وحساسيّته الرئيس نجيب ميقاتي حين قال أمام الوزراء: “إمّا تسكير الكلّية الحربية أو تجاوز قائد الجيش أو كسر وزير الدفاع. الخيارات الثلاثة لن أمشي بها. قرّروا الحلّ”.
أهمّية كلام ميقاتي تكمن في تسليمه بأنّ الحلّ لا بدّ بالنهاية أن يخرج من مجلس الوزراء وليس من وزارة الدفاع عبر “أخذ القرار” في السراي بعد تيقّنه من صعوبة الوصول إلى تسوية بين “الجنرالين” بسبب تمسّك كلّ طرف بموقفه.
وفق معلومات “أساس” ظلّلت جلسة الحكومة يوم الثلاثاء مفارقة لافتة تمثّلت في التزام وزيرَي الحزب علي حمية ومصطفى بيرم الصمت خلال المداولات المرتبطة بملفّ الكلّية الحربية وكأنّهما كانا يعلمان مسبقاً بأنّ الجلسة لن تحسم “طبخة الحلّ”. اتّخاذ الحزب موقع المتفرّج له دلالاته في السياسة، وتكتمل الصورة أكثر في ظلّ معلومات “أساس” عن مساندة “تيار المردة” لوجهة نظر وزير الدفاع في سياق التموضع ضدّ قائد الجيش.
لكن في هذا السياق بدا لافتاً قول وزير الإعلام زياد مكاري إنّ “الملفّ قيد البحث وستحصل اتّصالات مع وزير الدفاع وقائد الجيش لتقريب وجهات النظر، وإذا وصلنا إلى نتيجة تعقد جلسة لمجلس الوزراء سريعاً ويتّخذ القرار الملائم”. هذا يعني أنّ وزير “المردة” سلّم مُسبَقاً بمشروعية الحكومة في الحسم، فيما دخان الحلّ، بالقانون ووفق المتعارف عليه، يجب أن ينبعث من وزارة الدفاع وليس من السراي.
كلّ المعطيات تشير إلى أنّ نتائج امتحانات الحربية ستُحسَم بالسياسة استناداً إلى دراسة قانونية “صَلبة”
من يَربح الجولة الثّالثة؟
هنا يقول مصدر سياسي مطّلع لـ “أساس”: “بنهاية المطاف ستُحسَم المسألة على طاولة الحكومة قريباً ومشهدية جلسة يوم الثلاثاء شكّلت المقدّمة لذلك، إذ إنّها “زكّت” دخول الحكومة على الخطّ. كما أنّ العديد من المعطيات تلعب أكثر لمصلحة قائد الجيش، خصوصاً لجهة ضرورة التحاق التلامذة الناجحين فوراً بالكلّية الحربية بعد تأخير يلامس عاماً. القطبة الفعليّة تكمن في موقف الحزب، فيما موقف الرئيس نبيه بري يمكن وصفه بالمُسهّل والمتناغم مع ميقاتي على الرغم من حساسية علاقته مع قائد الجيش، ولا سيما أنّ “دورة الحربية” تعني كلّ الطوائف والأحزاب والمرجعيات السياسية”.
يضيف المصدر: “هذه الجولة لم يربحها قائد الجيش وربّما هذا المقصود تماماً. لكنّ هذا لا يعني أن يبقى الملفّ عالقاً، فهو سياسي بامتياز وليس قانونياً أو تقنيّاً. وبعد التمديد وتعيين رئيس الأركان قد يكسب قائد الجيش جولة إضافية، لكن ليس بالضرورة من الجلسة الأولى في مجلس الوزراء كما حصل أمس، ولن يكون ذلك مرتبطاً بحسابات رئاسة الجمهورية”.
من الآخر لم تعد أزمة “نتائج الكلّية الحربية” مسألة خلاف قانوني وعسكري بين وزير الدفاع وقائد الجيش
صفّوا حساباتكم معي
على هامش “جلسة الحربية” أمس رصد الوزراء دخولاً غير اعتيادي لقائد الجيش إلى داخل القاعة. إذ عمد للمرّة الأولى إلى مصافحة كلّ وزير عند الدخول والخروج من القاعة، وجلس قبل المقعد الأخير المخصّص للوزراء والذي كان جالساً عليه الوزير أمين سلام، فيما ترتيبات البروتوكول تفرض جلوسه بعد الوزراء.
كما قدّم قائد الجيش، وفق أحد الوزراء، مطالعة صلبة ومقنعة أبدى فيها حرصه الشديد على مصلحة المؤسّسة العسكرية، قائلاً “حتى لو سلّمنا جدلاً بوقوع خطأ إداري فهل يَستأهل هذا الأمر أن يُظلَم هؤلاء الشباب في بداية مسارهم العسكري ونقدّم لهم هذا النموذج في تعاطي الدولة معهم؟”، ملمّحاً إلى ما معناه “صفّوا حساباتكم معي واتركوا الجيش”.
إقرأ أيضاً: الحكومة تتريّث في إعلان “نتائج الحربيّة”
وفق الوزير نفسه “مقاربتا الوزير والقائد يوم الثلاثاء تضاربتا بشكل كبير إلى حدّ ضرورة أخذ قرار سريع لمصلحة الجيش وتلاميذ الحربية، وهو القاسم المشترك الوحيد الذي رُصِد في كلام “الجنرالين”. رئيس الحكومة، من جهته، لن يقبل بأن يَكسر القرار أو التسوية أيّاً منهما”.
لمتابعة الكاتب على X: