الحكومة تتريّث في إعلان “نتائج الحربيّة”

مدة القراءة 8 د

 لم يَحسم مجلس الوزراء بتّ ملفّ الناجحين في مباراة دخول الكلّية الحربية وتأجّل إعلان النتائج “لمزيد من التشاور” بعد حصول عدّة تطوّرات من ضمنها وفق معلومات “أساس” لقاء الرئيس نجيب ميقاتي مع الرئيس نبيه بري في عين التينة يوم الأحد، و”نزول” وزير الدفاع موريس سليم ثم قائد الجيش العماد جوزف عون إلى السراي. سليم حذّر وقدم مطالعته القانونية حول عدم صلاحية الحكومة بالإنابة عن الوزير في التوقيع على النتائج “لأنّ ذلك يشكّل نسفاً للدستور وتجاوزاً لصلاحيات وزير سيّد على وزارته”.

 

غادر الوزير سليم السراي قبل افتتاح جلسة مجلس الوزراء رسمياً بعدما قدّم مقاربته القانونية مجدّداً أمام ميقاتي خلال لقاء مقتضب في شأن موقفه من عدم التوقيع على إعلان لائحة الناجحين في “الحربية” و”العيب الجوهري” في قرار مجلس شورى الدولة وعدم صلاحية الحكومة وضع يدها على الملفّ. مع العلم أنّ عدداً من المتقدّمين إلى “الحربية” نفّذوا للمرّة الثانية اعتصاماً أمام السراي للمطالبة بإعلان النتائج.

وفق المعطيات لم يكن مجلس الوزراء في وارد إعلان لائحة الناجحين في مباراة الكليّة الحربية والدعوة في الجلسة نفسها إلى فتح دورة تطويع ثانية. مع العلمّ أنّ قائد الجيش أشار في اجتماع لجنة الدفاع النيابية إلى موافقته على الحلّ الوسط القائم على توقيع وزير الدفاع على لائحة أسماء الناجحين في امتحانات “الحربية” على أن يدعو مجلس الوزراء لاحقاً إلى فتح دورة ثانية وفق رغبة وزير الدفاع مع رفضه تعليق إعلان النتائج إلى حين إتمام الدورة الثانية.

 ساهمت جلسة مجلس الوزراء أمس في تكريس حالة الخصومة بين الوزير والقائد وفق المعلومات، حصلت اجتماعات محدودة جداً بينهما

لذلك كان التوجّه العامّ حتى الساعات الأخيرة الفاصلة عن جلسة بعد الظهر أن تتولّى الحكومة، وفق صيغة قانونية أعدّها الأمين العامّ لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، إصدار النتائج من دون إرفاقها بإصدار قرار عن مجلس الوزراء بالدعوة إلى دورة تطوّع جديدة، لكنّ مداولات الكواليس والضغوط المضادّة أفضت إلى تأجيل الحسم إلى الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء في حال إصرار الوزير على عدم التوقيع. وقد تيقّن الوزراء من خلال مداخلة ميقاتي في الجلسة التوجّه لسلوك هذا المسار في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء.

قرار ثالث للشّورى

كما عَلِمَ “أساس” أنّ الكتاب الجوابيّ الذي أرسله وزير الدفاع صباح السبت إلى مجلس الوزراء حول “العيب الجوهري والمُبطِل الذي يعتري قرار مجلس الشورى في شأن نتائج الحربية بسبب تخطّي توقيع وزير الدفاع المُلزِم على قرار إعلان أسماء المقبولين للاشتراك بامتحانات الحربية”، أتى ردّاً على مُراسَلة من رئاسة مجلس الوزراء يوم الخميس حول التأخير في إصدار لائحة الناجحين ذكّرت وزير الدفاع بقرار أصدره “الشورى” في الأيام الماضية، طالبة من الوزير “إيجاد الحلّ المناسب بما يتوافق مع مصلحة المتقدّمين إلى الحربيّة والجيش والقوانين”.

هنا علم “أساس” أنّ قرار الشورى، وهو الثالث في سلسلة قراراته في شأن الملفّ، أعاد تأكيد قراره الثاني الصادر في 2 أيار الماضي حول وجوب توقيع الوزير على إعلان النتائج التي وافق عليها المجلس العسكري، “وهي ليست مصادقة على النتائج إنّما نشر لها”.

محوران والحكومة “بالنصّ”

شكّل قرار الشورى نقطة الارتكاز التي استندت إليها رئاسة الحكومة لأخذ المبادرة بطرح الملفّ على طاولة مجلس الوزراء، إضافة إلى ضغط قيادة الجيش وبكركي وطلّاب الحربية وأهاليهم و”حالة الظلم” اللاحقة بالناجحين في مباراة دخول الحربيّة.

علِم “أساس” أنّ جبران باسيل وقف أيضاً ضدّ قرار انتداب العميد نهرا إلى الداخلية ضمن إطار تصفية الحسابات بينه وبين القائد

ضمن هذا المحور من يحمّل وزير الدفاع مسؤولية إعاقة التحاق التلاميذ الضبّاط بالكلّية الحربية والتأثير سلباً على مصلحة المؤسّسة العسكرية التي هي بأمسّ الحاجة إلى التطويع، واعتبروا أنّه يصفّي حساباته مع القائد من دون الأخذ بالاعتبار مصلحة الجيش، وذهب بعيداً في تفسير القوانين على ذوقه الشخصي حين أقرّ التمديد لضابطين في المجلس العسكري خلافاً للقانون.

الحكومة

في المقابل يحمّل محور وزير الدفاع القائد مسؤولية تجاوز رئيسه والتفرّد بالقرار والموافقة على امتحانات لا تراعي معايير النجاح المطلوبة في التلامذة الضبّاط، وبعضهم نال معدّل 6.5، بغية “تنجيح” العدد المطلوب من المسيحيين نظراً لقلّة عدد المتقدّمين. وهي معادلة طُبّقت سابقاً في قوى الأمن الداخلي.

بين القائد والوزير

بالتأكيد ساهمت جلسة مجلس الوزراء أمس في تكريس حالة الخصومة بين الوزير والقائد. وفق المعلومات، حصلت اجتماعات محدودة جداً بينهما بعد تعيين رئيس الأركان وبعد إرسال لائحة المرشّحين المقبولين للمشاركة في امتحانات الحربية إلى مكتب الوزير، وحصل اتّصال هاتفي أيضاً بشأن مسألة انتداب مدير العمليات العسكرية في الجيش العميد جان نهرا إلى ملاك وزارة الداخلية، لكنّ الحصيلة كانت زيادة منسوب التشنّج بين الطرفين.

في أحد الاجتماعات قال الوزير سليم لقائد الجيش: “لو كان هناك رئيس جمهورية وحكومة بالأصالة وتمّ تعيين اللواء حسّان عودة رئيساً للأركان بقرار من مجلس الوزراء، هل بإمكانك في اليوم التالي تعليق رتبة لواء في مكتبك للضابط عودة قبل صدور مراسيم منح الأقدمية والترقية والتعيين؟ فأجاب قائد الجيش: لا. فاستطرد سليم: “أنت انتظرت نحو شهر لإصدار مرسومَي اللواء بيار صعب واللواء محمد مصطفى لتعليق الرتبة لهما وانضمامهما إلى المجلس العسكري، فكيف تعلّق للّواء عودة رتبته بعد نصف ساعة في مكتبك من دون صدور مراسيمه؟”. مع ذلك، يقول البعض في اليرزة إنّ الوزير استقبل عودة في مكتبه بصفته ضابطاً في المجلس العسكري برتبة لواء على الرغم من عدم الاعتراف بقرار تعيينه.

شكّل قرار الشورى نقطة الارتكاز التي استندت إليها رئاسة الحكومة لأخذ المبادرة بطرح الملفّ على طاولة مجلس الوزراء

“دليفري”؟

تؤكّد أوساط وزير الدفاع رفضه التعاطي معه كـ “دليفري أو ليبان بوست لأنّ الوزير وفق قانون الدفاع هو سلطة الوصاية على كامل مؤسّسات وزارة الدفاع والقرار له فيها. أيضاً الحكومة لا تستطيع بحكم الدستور تجاوز توقيع الوزير والحلول مكانه، ولذلك اليوم “حالة” اللواء عودة كأنّه لم يعيّن رئيساً للأركان. ونتائج الحربية إذا صدرت فستكون مشوبة بعيب الإبطال”.

أمّا بالنسبة لبكركي “فهي مرجعية وطنية ودينية لكن لا دور لها في ما يتعلّق بخلاف قانوني بين الوزير وقائد الجيش”، وفق أوساط وزير الدفاع.

… و”تطفيش”!

على ما يبدو باتت قيادة الجيش تتعاطى، وفق قريبين منها، مع “حالة مستعصية تُضعِف الجيش من الداخل في أصعب مرحلة سياسياً وماليّاً وعسكرياً واجتماعياً”. ويردّد هؤلاء: “إذا كان ما يطلبه وزير الدفاع الإتيان بمسيحيين بمعدّلات متفوّقة لدخول السلك، فإنّ الحكمة تقتضي تقدير من تقدّموا بطلباتهم إلى الحربية في وقت يوازي راتب الضابط الشهري بضعة أغراض من السوبرماركت، وقيادته تفاوض من أجل استمرار الدعم المادّي بالفريش دولار. وبعد إصدار لائحة الناجحين بالامتحانات ساهمت ممارسات الوزير في “تطفيش” من يفكّر في دخول الحربية وخلق حالة تململ وقلق وغضب لدى من تقدّموا إلى دورة التطويع”. ويرى هؤلاء أنّ مسؤولية الوزير الحالي مضاعفة “كونه عميداً سابقاً، ويفترض أن يكون أكثر حكمة في إدارته لملفّات وزارته”.

أزمة العميد نهرا

في سياق الصراع نفسه، “طلعت برأس” العميد نهرا الذي طُرِح اسمه لتولّي مركز مدير الدفاع المدني نهاية العام بعد إحالة العميد ريمون خطّار إلى التقاعد. فعلى الرغم من اتصال قائد الجيش بوزير الدفاع هاتفياً وإرسال وزير الداخلية كتاباً له يطلب الموافقة على الانتداب وحصول وساطة من مرجع رسمي مع الوزير لتوقيع قرار الانتداب فإنّ الأخير رفض التوقيع لسببين:

كان التوجّه العامّ حتى الساعات الأخيرة الفاصلة عن جلسة بعد الظهر أن تتولّى الحكومة، وفق صيغة قانونية أعدّها الأمين العامّ لمجلس الوزراء

– الأول عدم مراعاة قائد الجيش ووزير الداخلية الأصول في التعاطي معه، كما يقول القريبون منه، ومحاولة إمرار المسألة “على السكت”، ووصول كتاب وزير الداخلية إلى مكتبه من دون أن يكون أحد قد تواصل معه.

– الثاني إرسال الوزير سليم كتاباً جوابياً إلى وزارة الداخلية بأنّ “طلبها لا يتوافق مع أحكام الموادّ المعنية بالانتداب في النصوص الاشتراعية والتنظيمية (المادّتين 41 و47 من قانون الموظفين 112 المعدّل)، سواء أكان بوجه عامّ لجهة الانتداب أم بوجه خاصّ لجهة انتداب ضابط من الجيش لإشغال مركز مدير الدفاع المدني”.

إقرأ أيضاً: “حرب” الوزير والقائد تتمدّد إلى السراي

ما علاقة جبران؟

لقد علِم “أساس” أنّ جبران باسيل وقف أيضاً ضدّ قرار انتداب العميد نهرا إلى الداخلية ضمن إطار تصفية الحسابات بينه وبين القائد. مع العلم أنّ نهرا صُنّف دوماً في خانة المؤيّدين لخطّ ميشال عون. وقد لجأ إليه النائب باسيل خلال مرحلة تظاهرات 17 تشرين “طلباً للحماية”، وذلك ضمن إطار مهامّه العسكرية بإشراف قائد الجيش لحماية مقرّات التيار الوطني الحر الحزبية. وقد وُجد من يُعاير باسيل اليوم “بقلّة الوفاء”.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@MalakAkil

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…