كيف سينتقم ترامب من نتنياهو؟

مدة القراءة 7 د

فرك بنيامين نتنياهو يديه فرحاً فور انتهاء المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين الرئيس الأميركي “المتلعثم” جو بايدن ومنافسه الجمهوري “المتعجرف” دونالد ترامب. بدا واضحاً بعدها أنّ مسار الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة تسير عكس ما يتوق إليه الحزب الديمقراطي. وهذا تماماً ما ينتظره رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يريد ساكناً في البيت الأبيض يلبّي طموحاته السياسية والحربية ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين للبقاء ممسكاً بعرش السلطة في إسرائيل.

 

نتنياهو المأزوم في الداخل ويخشى أن يُرمى خلف قضبان السجن بعد مغادرته السلطة، يلقي على إدارة بايدن تبعة فشل إسرائيل في تحقيق انتصار مطلق في حرب الإبادة التي يواصلها على غزة. فهي تضع شروطاً عليه وتؤخّر شحنات الأسلحة الثقيلة التي يحتاج إليها جيشه لمواصلة تدمير ما لم يدمّر بعد في القطاع والقرى الحدودية اللبنانية، أو للانطلاق إلى حرب مفتوحة مع الحزب إذا ما اضطرّ إلى ذلك.

يعلّق نتنياهو آماله على فوز ترامب لإنهاء مشكلة تعثّر تدفّق الأسلحة وإغلاق الباب على الإلحاح “الإنساني” الأميركي لإيصال الغذاء والمساعدات للجياع والأطفال والمرضى في غزة.

فرك بنيامين نتنياهو يديه فرحاً فور انتهاء المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه الجمهوري دونالد ترامب

ترامب: “فلسطينيّ” كشتيمة..

أكثر من ذلك، رئيس الحكومة الإسرائيلي مقتنع ومستاء من أنّ الإدارة الديمقراطية تفضّل حلّاً مع إيران يمهّد لوقف الحرب بدلاً من ممارسة الضغط عليها وتهديدها، ثمّ عقد اتّفاق معها. وهذا بالفعل ما كانت بدأته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بهدف تقليص التدخّل المباشر لواشنطن في أزمات الشرق الأوسط والبقاء على مسافة واحدة من كلّ المتخاصمين والأفرقاء والاكتفاء بدور الحكَم في النزاعات الإقليمية.

أمّا ترامب فقد بلغت به الوقاحة حدّ جعل كلمة “فلسطيني” بمنزلة تحقير وإهانة يطلقها على خصومه السياسيين بعدما قال لبايدن: “أنتَ فلسطينيّ”، في المناظرة الانتخابية، وكذلك لزعيم الغالبية الديمقراطية تشاك شومر. وبالتالي لا تعنيه كثيراً لا الإنسانية ولا موت المزيد من الفلسطينيين في القطاع. فهو ألحّ على “ضرورة ترك إسرائيل تُنهي المهمّة في غزة”. وهو أيضاً أضاف صفة “الضعيف جداً” إلى صفات الرئيس الحالي، لأنّه سمح لطهران بشنّ هجوم بالصواريخ والمسيّرات على الدولة العبرية، ولأنّه امتنع عن فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها وحرّر لها مبالغ ماليّة كانت مجمّدة عشيّة “طوفان الأقصى”. وتباهى في المناظرة بأنّه جعل إيران مفلسة في عهده، وأمّا بايدن فقد “أطلق يدها”.

نتنياهو مقتنع ومستاء من أنّ الإدارة الديمقراطية تفضّل حلّاً مع إيران يمهّد لوقف الحرب بدلاً من ممارسة الضغط عليها وتهديدها

16 مكسباً أعطاها ترامب لنتنياهو

ترامب عائد إلى البيت الأبيض بحسب التوقّعات والترجيحات. ونتنياهو يأمل البقاء على رأس حكومته ومواصلة حروبه الداخلية والخارجية بدعم أميركي خالص. الاثنان “عاشا عصراً ذهبياً” قبل أعوام. في أربع سنوات من حكم ترامب حقّقت الدولة العبرية 16 مكسباً سياسياً على حساب الفلسطينيين، وخلافاً للقانون الدولي، لم تكن تحلم بتحصيلها مع أسلافه:

 ـ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ـ حذف وزارة الخارجية الأميركية من سجلّاتها ووثائقها مصطلح “الأراضي المحتلّة” في إشارة إلى الضفّة وغزة.

ـ نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، لتصبح أوّل سفارة لدولة أجنبية في المدينة المحتلّة.

ـ قطع المساعدات الماليّة عن السلطة الفلسطينية.

ـ وقف المساعدات الماليّة الأميركية لوكالة الأونروا.

ـ وقف المساعدات للمستشفيات الفلسطينية بالقدس الشرقية.

ـ إغلاق مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

ـ إلغاء القنصلية الأميركية بالقدس.

ـ الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية.

ـ وقف اعتبار المستوطنات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي.

ـ إعلان صفقة القرن التي كانت تهدف إلى إنهاء الصراع، على حساب الفلسطينيين، عن طريق الضغط عليهم للقبول بوضع تسيطر فيه إسرائيل على كامل أراضي فلسطين التاريخية، ومنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً، تحت مسمّى دولة، دون سيادة حقيقية على المعابر أو الأمن، وتسيطر فيه تل أبيب على كامل القدس الشرقية وتضمّ 30 في المئة من الضفة الغربية.

ترامب عائد إلى البيت الأبيض بحسب التوقّعات والترجيحات. ونتنياهو يأمل البقاء على رأس حكومته

ـ إطلاق عمليات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل قبل إعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

ـ تضمين المستوطنات الإسرائيلية في اتفاقية التعاون العلمي الأميركية.

ـ تسجيل المواليد الأميركيين في القدس أنّهم ولدوا في إسرائيل.

ـ اعتبار حملة مقاطعة إسرائيل معادية للسامية.

ـ وضع وسم صُنع في إسرائيل على بضائع المستوطنات.

“كره إيران” بين ترامب ونتنياهو

على الرغم من كلّ هذه الهدايا القيّمة التي نالتها إسرائيل بالمجّان، فإنّ نتنياهو الذي كانت تجمعه “الكيمياء” وكره إيران مع صديقه الأميركي لم يكن وفيّاً لهذه الصداقة. خذله مرّة عندما تهرّب في اللحظة الأخيرة من المشاركة في اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وخانه خيانة لا تغتفر عندما اعترف بفوز بايدن في ذروة الخلاف على النتيجة النهائية في انتخابات عام 2020. حينها نقل عنه موقع “أكسيوس” قوله: “أوّل شخص هنّأ (بايدن) كان بيبي نتنياهو، الرجل الذي فعلت له أكثر ممّا فعلت لأيّ شخص آخر تعاملت معه… كان يمكن (لبيبي) أن يظلّ صامتاً. لقد ارتكب خطأ فادحاً”. وتؤكّد “يديعوت أحرونوت” أنّه استخدم كلمة وصفتها بـ”النابية” بحقّ “بيبي”.

الرئيس السابق أثقل العيار على حكومة نتنياهو عندما وصفها بـ”الانهزامية” بعد النكسة التي أصابتها في “طوفان الأقصى”

قد لا تكتمل فرحة نتنياهو برحيل بايدن. ذلك أنّ عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض قد تكون نذير شؤم له. الطبع الحقود لترامب قد يقوده إلى الانتقام وتصفية حساباته معه بعدما أمطر بايدن بالحبّ يوم انتخابه. كتب مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون: “ترامب لا يهتمّ حقّاً إلا بالانتقام لنفسه، وسيستهلك ذلك الكثير من فترة ولايته الثانية”.

كلام اللّيل يمحوه نهار ترامب

الرئيس السابق أثقل العيار على حكومة نتنياهو عندما وصفها بـ”الانهزامية” بعد النكسة التي أصابتها في “طوفان الأقصى”. وكان موقفه من العدوان على غزة متذبذباً ومتناقضاً. أيّده في البداية ثمّ دعا إلى وقفه فوراً ثمّ عاد وحضّ على تدمير “حماس”. هكذا هو ترامب، كلامه في الليل يمحوه الصباح، وتالياً فإنّ مواقفه قد تتغيّر في كلّ لحظة. لكنّ المشكلة تكمن في ثقته العمياء بصهره جاريد كوشنر الغارق حتى النخاع في صهيونيّته. فهو لصيق به في البيت الأبيض ولن يفوّت فرصة لإظهار عشقه المجنون لإسرائيل وإبراز عضلات القوّة الأميركية “العظمى” في الشرق الأوسط.

إقرأ أيضاً: هدنة غزّة: بايدن يسعى للتّعادل مع ترامب بتطويع نتنياهو؟

عودة ترامب قد لا تعيد الودّ إلى سابق عهده مع نتنياهو. لكنّها قد تعيد المعادلة الأميركية إلى الوراء، بترك إسرائيل تمارس هواية قتل الفلسطينيين على نار هادئة وهضم حقوقهم، والتركيز بدلاً من ذلك على إيران باعتبارها الخطر الأكبر والسبب الرئيسي في زعزعة استقرار المنطقة.

إذا ما بقي بيبي في السلطة حتى ذلك الحين، فسيجد في هذا الانقلاب وسيلة للّعب على هذا الوتر وتعظيم خطره. علماً أنّ دوره السابق في تحريض الإدارة الجمهورية على الانسحاب من الاتفاق النووي، كان الدافع لتحويل إيران إلى “دولة حافة نووية” جاهزة لصنع القنبلة وتوسيع نفوذها في الإقليم، خلافاً لتنبّؤاته ووعوده.

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…