تحوّلت الانتخابات الرئاسية الأميركية من معركة شرسة بين مرشّحين جمهوري وديمقراطي إلى معركة داخلية داخل الحزب الديمقراطي لإقناع الرئيس بايدن بالتنحّي، فيما دخل العالم مرحلة ترقّب لإمكانية عودة الرئيس السابق ترامب إلى البيت الأبيض وما لذلك من تداعيات كبيرة على الملفّات والأزمات الدولية الأكثر حساسيّة.
الرئيس بايدن لم يخسر المناظرة أمام ترامب إنّما خسر تأييد الحزب الديمقراطي الذي خرج همس قياداته ومؤيّديه وقلقهم حول أهليّة بايدن للاستمرار في خوض المعركة والفوز في الانتخابات من السرّ إلى العلن من خلال دعوته إلى التنحّي وإفساح المجال لمرشّح ديمقراطي يستطيع أن يقنع القاعدة الشعبية الديمقراطية والداعمين له مادّياً بقدرته على الفوز وإنقاذ الحزب الديمقراطي من هزيمة قد تكون الأقسى له منذ عقود.
الجمهوريّون خائفون
خسارة البيت الأبيض ليست وحدها مهدّدة إنّما احتمال فوز الجمهوريين بمقاعد الأغلبية في مجلس الشيوخ في انتخابات تشرين الثاني المقبلة وارد. وهذا إذا حصل سيعطي ترامب في حال فوزه مجلسَي شيوخ ونواب يسيطر عليهما الجمهوريون بالإضافة إلى المحكمة العليا حيث للمحافظين الأغلبية، وهو ما يعبّد له الطريق لتنفيذ سياساته الداخلية والخارجية التي لم ينجح في تطبيقها في ولايته السابقة نتيجة المعارضة الديمقراطية في الكونغرس.
من خسر المناظرة التلفزيونية الأولى ليس وجهة نظر كما كان يحصل في السابق حيث كان يسارع المستشارون والمحلّلون إلى تفسير الأمور كلّ من وجهة نظره. لقد سارع الديمقراطيون للاعتراف بالأداء الكارثيّ لبايدن الذي بدا أبعد ما يكون عن كونه مرشّحاً جدّياً يستطيع إقناع المستقلّين، المتردّدين والديمقراطيين بأنّه قادر على هزيمة ترامب في الانتخابات.
خسارة البيت الأبيض ليست وحدها مهدّدة إنّما احتمال فوز الجمهوريين بمقاعد الأغلبية في مجلس الشيوخ في انتخابات تشرين الثاني المقبلة وارد
أسبوع حاسم
هذا الأسبوع سيكون حاسماً لمستقبل ترشّح بايدن. القيادات الديمقراطية وكبار داعمي حملة بايدن مادّياً بانتظار نتائج استطلاعات الرأي العامّ الأولى بعد المناظرة لمعرفة مدى تأثيرها على تأييد بايدن في الولايات المتأرجحة ولدى المستقلّين قبل البدء بجهود جدّية لإقناع بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسي.
يُعتبر بايدن من قيادات الحزب الديمقراطي، لكنّه لم يكن يوماً شعبياً، وأهمّ إنجاز قام به هو هزيمة ترامب نتيجة سوء إدارة ترامب أثناء أزمة كورونا والتخبّط والفوضى اللذين طبعا ولايته. أمّا الآن فإنّ إنجاز بايدن بهزيمة ترامب مهدّد بالزوال في حال أصبح هو السبب في عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
بايدن في احتفال انتخابي في ولاية كارولاينا الشمالية بعد المناظرة بيوم واحد بدا وكأنّه باقٍ في السباق ولا ينوي التنحّي. لكنّ احتمال التنحّي وارد جداً في حال جاءت الاستطلاعات كارثية له. عندها ستذهب القيادات الديمقراطية وتصارحه بضرورة استبداله قبل فوات الأوان.
ترامب يفضّل بقاء بايدن بعد المناظرة التلفزيونية، لكنّه بدأ يتحضّر لإمكانية انسحابه، ولهذا السبب بدأ بتوجيه انتقادات للبدلاء المحتملين، وتحديداً حاكم كاليفورنيا الشابّ والمتحدّث الطلق غافين نيوسوم، موجّهاً سهامه استباقياً إلى المشاكل التي يعاني منها في كاليفورنيا. وعلى قاعدة “لا تكره شيئاً” قد يكون إجراء المناظرة التلفزيونية مبكراً جاء لمصلحة الديمقراطيين على الرغم من نتائجها، لأنّها أظهرت حجم مشكلة بايدن في وقت لا يزال فيه متّسع من الوقت لاستبداله.
العالم في نوم سريريّ
القاعدة الديمقراطية لن تغفر لقيادة الحزب في حال عاد ترامب إلى البيت الأبيض بعدما كانت استراتيجية الفوز الديمقراطية تقوم على تظهير الخطر على الولايات المتحدة والديمقراطية الأميركية في حال عاد ترامب، وإذ بها تخوض المعركة الرئاسية بشخص متقدّم في السنّ، ولديه مشاكل صحّية، وقدرته على التركيز في المؤتمرات الصحافية كما حصل في المناظرة التلفزيونية محدودة.
الرئيس بايدن لم يخسر المناظرة أمام ترامب إنّما خسر تأييد الحزب الديمقراطي الذي خرج همس قياداته ومؤيّديه وقلقهم حول أهليّة بايدن
أداء بايدن الهزيل لم يوقظ الحزب الديمقراطي فحسب، بل ودول العالم التي يؤثّر على مستقبلها وسياستها الشخص الموجود في البيت الأبيض. الصين، إيران، أوكرانيا، روسيا، دول الخليج، والصين جميعها دول تتابع باهتمام الانتخابات الرئاسية الأميركية لما لها من تأثير مباشر عليها.
إقرأ أيضاً: بعد المناظرة: مستقبل نتنياهو السّياسيّ مع ترامب؟
يمكن القول إنّ العالم سوف يدخل نوماً سريريّاً بانتظار من سيفوز في الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل. وفي هذه الأثناء يمكن القول إنّ الانتخابات الأميركية تحوّلت إلى معركة داخل الحزب الديمقراطي لتقرير مصير ترشّح بايدن قبل العودة إلى السباق الرئاسي.
لمتابعة الكاتب على X: