لم تنتهِ المبادرات الرئاسية تماماً على الرغم من تقدّم لغة الحرب واحتمال انفجار الجبهة الجنوبية مع شمال إسرائيل. “تزييت” هذه المبادرات، ولو شكليّاً، مستمرّ من جانب كتلة الاعتدال الوطني واللقاء الديمقراطي والتيار الوطني الحر لكن من دون أفق. أكثر من ذلك خلاصة زيارة الموفد البابوي بيترو بارولين، بتأكيد مصدر نيابي، فَضَحَت عمق الخلاف المسيحي-المسيحي والفجوة الكبيرة الفاصلة بين الخيارات الرئاسية المتضاربة.
عاين أمين سرّ دولة الفاتيكان عن قرب ما دأبت دولة الفاتيكان دوماً على التحذير منه: الصدام المسيحي-المسيحي والتوتّر الطائفي الذي ترجم في المقاطعة الشيعية للقاء بكركي بعد العظة الملتبسة والعالية السقف للبطريرك بشارة الراعي. والأهمّ المقاطعة المسيحية “بالشكل” للقاء بكركي وضيف الشرف الموفد البابوي، بعد تغيّب رئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب عن اجتماع الصرح وإيفاد ممثّلين عنهما. ولم تدُم الحجّة الأمنيّة التي تذرّع بها جعجع طويلاً، إذ رصد في اليوم التالي في أحد مطاعم جبيل يتناول العشاء إلى جانب النائب زياد حواط!
القلق الفاتيكانيّ إلى تزايد
بالتأكيد سينقل موفد الفاتيكان إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية بعد زيارة الخمسة أيام ما سيدفع بابا الفاتيكان إلى “القلق” أكثر على صيغة التعايش في لبنان والقلق أيضاً ممّا جرّته القيادات المسيحية من أزمات، من خلال أدائها وخلافاتها، على المسيحيين، مع حكمٍ مُسبق حمله بارولين من الفاتيكان إلى بيروت وسيردّده مجدّداً أمام البابا فرنسيس بأنّ “القوى السياسية تتحمّل جميعها مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وليس القادة المسيحيون المختلفون على اسم الرئيس فقط”. هنا تنقل شخصية سياسية التقت بارولين تسليم موفد البابا بواقع أنّ مفتاح الحلّ يبدأ من رئاسة مجلس النواب بحكم الصلاحية الدستورية التي تتيح الدعوة إلى الجلسات، وبعدها يتحمّل نواب الأمّة المسؤولية في انتخاب رئيس جمهورية من خلال التوافق على اسم وتجنّب فراغ طويل يرتدّ سلباً أوّلاً على المسيحيين أنفسهم وعلى البلد.
تفيد المعطيات عن توجّه باسيل لفتح قنوات تواصل ناشطة أكثر مع سفراء اللجنة الخماسية في ظلّ تسليمه برفض القوات لتغطية أيّ حوار
في السياق نفسه، يقول مصدر مطّلع على زيارة بارولين لـ “أساس”: “هي بالطبع زيارة جسّ نبض حمل فيها الموفد الفاتيكاني رسائل وتحذيرات في الوقت نفسه. لكنّ الغلّة التي عاد بها قد تحمل الكرسي الرسولي على الدخول بعمق أكثر في تفاصيل الأزمة على شكل مبادرة أو تنسيق أكبر بعيداً عن الأضواء مع العواصم المعنية بالأزمة اللبنانية منعاً لتحويل لبنان إلى ساحة فالتة مجهولة المصير مُزَنّرة بخطر الحرب وقنبلة النازحين السوريين وخطر الهجرة المسيحية المتزايدة أو تكريس أيّ صيغة تسوية قد تأتي على حساب المسيحيين وصيغة التعايش”.
هكذا لم تنفع مع استاتيكو العقم الرئاسي حتى الآن زيارات الموفدين الدوليين، وآخرهم بارولين والأمين العامّ المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، ولا حراك اللجنة الخماسية ولا المبادرات المحلية المتنقّلة من فشل إلى فشل.
باسيل في عين التّينة: أهليّة بمحليّة
آخر محطات مساعي التسوية “الأهليّة بمحليّة” تتجلّى في زيارة النائب جبران باسيل للرئيس نبيه بري يوم الإثنين في عين التينة حاملِاً ما يُفترَض أنّه مفتاح لحلحلة عقدة التشاور أو الحوار ثمّ فتح مجلس النواب لانتخاب الرئيس ضمن دورات متتالية. وللمرّة الأولى قد يطرح باسيل على الرئيس بري أسماء قد تكون مقبولة، برأيه، كخيار ثالث على أن لا تعمّم في الإعلام منعاً لحرقها بفعل عدم تحقيق التوافق السياسي عليها حتى الآن.
إقرأ أيضاً: لا مبادرة فاتيكانيّة وتكتّمٌ على “معطّلي” الرّئاسة!
تفيد المعطيات في هذا السياق عن توجّه باسيل لفتح قنوات تواصل ناشطة أكثر مع سفراء اللجنة الخماسية في ظلّ تسليمه برفض القوات لتغطية أيّ حوار ومحاولة عرقلة أيّ مسعى للتوافق على اسم مرشّح يحظى بغطاء رئيس التيار الوطني الحر، فيما يراهن باسيل على أنّ اللقاء مع النائب سامي الجميّل في الصيفي قد يفتح أفق التعاون أكثر مع “الكتائب” وبعض نواب المعارضة، وعندها قد يحصل حوار بمن حضر، وستكون نتيجته حواراً من دون القوات.
لمتابعة الكاتب على X: