انتخابات إيران: “مهسا أميني” تصوّت لبيزشكيان؟

مدة القراءة 7 د

في مواجهة خمسة مرشّحين محافظين في انتخابات إيران الرئاسية، وبفعل احتمال تبعثر أصوات الناخبين المؤيّدين لهذا التيّار، تزيد حظوظ منافسهم الإصلاحي الوحيد مسعود بيزشكيان بالفوز في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجري هذا الأسبوع. أمّا إذا لم يوفّق في الجولة الأولى فتصير حظوظه شبه معدومة في الدورة الثانية.

 

منحت الدولة العميقة في إيران بيزشكيان فرصة استثنائية في انتخابات الرئاسة، عندما سمح مجلس صيانة الدستور له بالترشّح بعدما كان استبعده في دورة 2021 التي فاز فيها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.

ربّما كان هذا الاستثناء لمرشّح إصلاحي بالمشاركة يهدف إلى تشجيع الإيرانيين على الإقبال على صناديق الاقتراع بعدما أحرجت النظام النسبة العالية للمقاطعة في الانتخابات العامّة الأخيرة، وأظهرت تراجعاً في شعبيّته، الأمر الذي يمسّ شرعية الجمهورية الإسلامية. لكن لماذا اقتصر الأمر على مرشّح إصلاحي واحد في مواجهة خمسة محافظين سيتصارعون فيما بينهم على أكل الأصوات من صحن انتخابي واحد؟

في مواجهة خمسة مرشّحين محافظين في انتخابات إيران الرئاسية، وبفعل احتمال تبعثر أصوات الناخبين المؤيّدين لهذا التيّار، تزيد حظوظ منافسهم الإصلاحي الوحيد مسعود بيزشكيان

من هو بيزشكيان؟

بيزشكيان طبيب محبوب شعبيّاً ووزير سابق للصحّة في حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي. وقد توفّر له أصوله الأذرية وإتقانه الكرديّة بسبب ولادته في مهاباد، ومواقفه الإصلاحية وانتقاداته اللاذعة للعنف ضدّ المحتجّين على قتل الشابّة مهسا أميني، قاعدة انتخابية وازنة تجعله بين المرشّحين الثلاثة الأوائل في استطلاعات الرأي إلى جانب رئيس مجلس الشورى الحالي محمد باقر قاليباف والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي.

دفعت هذه المواصفات مجتمعة بالتيار الإصلاحي إلى تلقّف الفرصة وإنهاء الخلافات التي عصفت به بعد موت الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، والالتفاف حول المرشّح الذي كاد الإيرانيون ينسون اسمه قبل ترشّحه.

كان في مقدَّم الداعمين للرئيس السابق محمد خاتمي، ونائبه محمد رضا عارف، وإسحق جهانغيري نائب الرئيس المعتدل حسن روحاني. وأظهرت مختلف الأحزاب الإصلاحية دعمها للمرشّح الأذريّ الوحيد، وفي مقدَّمها المجلس التنسيقي الأعلى للقوى الإصلاحية، وحركة الأمل. كما أسهمت شبكة واسعة من الصحف، والمواقع الإصلاحية، ومحلّليها، منذ اللحظة الأولى، في دعم حملته الانتخابية.

جاء الدعم الأبرز من وزير الخارجية السابق جواد ظريف، الذي أحدث في لقاء انتخابي مشترك مع المرشّح ما وُصف بأنّه “عاصفة ظريف” ضدّ الأصوليين بعدما أفاض في انتقاد سياساتهم، وألقى بثقله وخبرته الدبلوماسية الكبيرة خلف بيزشكيان لسدّ الثغرة الكبيرة في ضعفه الواضح في التعامل مع السياسة الخارجية في مرحلة إيرانية حرجة في ظلّ التوتّر الإقليمي الخطير ووصول البرنامج النووي الإيراني إلى منعطف كبير.

منحت الدولة العميقة في إيران بيزشكيان فرصة استثنائية في انتخابات الرئاسة، عندما سمح مجلس صيانة الدستور له بالترشّح بعدما كان استبعده في دورة 2021

جذب “الأصوات الصّامتة” و”الرّماديّة”

لكنّ كلّ ذلك يبقى غير كافٍ لتحقيق الفوز بالضربة القاضية. ذلك أنّ النجاح في الجولة الأولى يتطلّب جذب “الأصوات الصامتة” و”الرمادية”، لا سيما جيل الشباب، إلى صناديق الاقتراع. وهي المهمّة الأصعب أمام قيادة التيار الإصلاحي التي تجاوز معظمها سنّ الكهولة. كما أنّ الطبيب مسعود لا يتمتّع بالكاريزما ولا بالجاذبية التي تمتّع بها خاتمي والرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني عندما خرقا كلّ التوقّعات بفوزهما الاستثنائي آنذاك.

مع ذلك يبقى احتمال فوز الطبيب الإصلاحي وارداً. ذلك أنّ الانتخابات الإيرانية المصمّمة بدراية فائقة تأتي عادة بنتائج مفاجئة وغير متوقّعة. بالعودة إلى الوراء قليلاً فإنّ ثلاثة رؤساء إيرانيين من أصل أربعة كان فوزهم مفاجأة غير متوقّعة. ليس هذا فحسب، بل إنّ الرؤساء الثلاثة لم تربطهم أيضاً أيّ علاقة وثيقة بالحرس الثوري. وحده الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي لم يشكّل فوزه مفاجأة بعدما أُقصي من طريقه كلّ المنافسين الأقوياء، لا سيما الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. ورئيسي هو أيضاً الوحيد الذي كان يتمتّع بعلاقة جيّدة مع الحرس الثوري، لكنّه لم يكن يوماً عضواً في هذا الجهاز القويّ.

روحاني وأحمدي نجاد وخاتمي

قبله شكّل فوز الرئيس المعتدل حسن روحاني عام 2013 مفاجأة كبرى، عندما فاز في الجولة الأولى وبالضربة القاضية على أربعة من المرشّحين المحافظين المدعومين من الحرس الثوري: محمد قاليباف وسعيد جليلي وعلي أكبر ولايتي ومحسن رضائي.

أمّا سلفه أحمدي نجاد فأحدث أكبر المفاجآت بتغلّبه على أحد أبرز قادة الثورة الإسلامية هاشمي رفسنجاني. صحيح أنّه انضمّ في شبابه إلى الحرس، لكنّه سرعان ما تحوّل إلى خصم لهم، حتى إنّه وصفهم في خطاب تلفزيوني بـ”الإخوة المهرّبين” مشتكياً من فساد قادتهم ونشاطاتهم غير القانونية.

الانتخابات الإيرانية المصمّمة بدراية فائقة تأتي عادة بنتائج مفاجئة وغير متوقّعة

كانت المفاجأة الكبرى عام 1997 حين حقّق محمد خاتمي فوزاً كاسحاً على منافسه المدعوم حينذاك من مراكز القرار الإيرانية المحافظة كافّة، رئيس مجلس الشورى علي أكبر ناطق نوري. وهو أيضاً لم يكن على وئام مع قادة الحرس الذين حذّروه من أنّهم سيتحرّكون إذا لم يتّخذ إجراءات صارمة ضدّ المحتجّين على القمع الذي تمارسه ميليشيا “الباسيج” على الشباب والطلاب والفتيات أثناء ولايته الثانية.

خامنئي: “تفشّي” المؤسّسات و”تداخلها”

تُظهر علاقة الرئاسة بالحرس الثوري أنّ نهج المرشد الأعلى علي خامنئي يتمثّل في إبقاء المؤسّسة الثانية بعيدة عن المؤسّسة الأولى تماشياً مع أسلوبه العامّ القائم على منع بروز الشخصيات القويّة والحيلولة دون نشوء مراكز قوى تهدّد موقعه. وربّما هذا هو السبب الأساس وراء تفشّي إنشاء عدد كبير من المؤسّسات المتنافسة ذات المسؤوليات المتداخلة والمتشابهة. وحتى إبراهيم رئيسي نفسه الذي كان يتمتّع بدعم كبير من الحرس ويقيم علاقة وثيقة مع المرشد لم يكن يضطلع بدور أساسي في صناعة القرار، على ما تفيد بذلك مصادر عدّة ضليعة بالشأن الإيراني.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تعرف… ولا تعترف

قد يفضّل المرشد التعامل مع شخصية تكنوقراط معتدلة وملتزمة قواعد النظام وأسسه وغير راسخة الجذور في المؤسّسات، ولا تملك حيثية تنظيمية أو شعبية على غرار بيزشكيان، نقيضة لشخصية قاليباف أو جليلي المجبولين بإرث سياسي وطموحات كبيرة. ومن شأن وجود شخصية كهذه على رأس السلطة التنفيذية ليس فقط تهدئة المعارضة الداخلية للنظام والنفوس الثائرة على الأزمة الاقتصادية والتخبّط الاجتماعي، وتوجيه رسالة طمأنة إلى الخارج في اللحظة السياسية المفصليّة التي تمرّ فيها المنطقة، وإيران في القلب منها، بل كذلك معالجة المخاوف الدولية في شأن تخصيب اليورانيوم وغسل الأموال. علماً أنّ موقع رئاسة الجمهورية في إيران لا يؤثّر كثيراً في جوهر السياسات الإيرانية، ذلك أنّ هذه المهمّة تبقى حكراً على المرشد وفريقه الخاصّ.

ثمّة فرصة لبيزشكيان لإحداث المفاجأة الرئاسية الإيرانية الرابعة. فهل ينجح مبضع الجرّاح في تكرار ما فعلته كاريزما السيد خاتمي عام 1997 وعمامة روحاني البيضاء عام 2013؟ أم صار التيّار الإصلاحي خارج الزمن الإيراني وبات من الملحّ البحث عن إطار جديد يلبّي طموحات الأجيال الإيرانية الصاعدة؟

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…