أميركا: عودة الأب الضالّ

مدة القراءة 5 د

ثلاث وقائع عزّزت الموقف السعودي في المفاوضات مع واشنطن للتوصّل إلى اتفاقية أمنيّة أميركية سعودية:

1- الوضع الانتخابي المتأرجح للرئيس بايدن في سنة الانتخابات.

2- عزلة إسرائيل الدولية نتيجة مأساة حرب غزة واتّهامها بارتكاب أعمال إبادة ضدّ الفلسطينيين.

3- تمدّد الصين في الشرق الأوسط.

 

تشير التقارير الواردة من العاصمتين السعودية والأميركية إلى أنّ الاتفاق أصبح منجزاً بانتظار التوقيت المناسب لإعلانه بعدما استجابت واشنطن لمعظم هواجس الرياض ومطالبها. الاتفاقية الأمنيّة بحاجة إلى موافقة الكونغرس، خصوصاً الجانب المتعلّق بالمنشآت النووية السلمية التي ستساعد واشنطن في بنائها، ومن هنا الربط بين الاتفاقية الأمنيّة وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية التي بدورها ربطت التطبيع بالتزام إسرائيل مسار قيام الدولة الفلسطينية. سيكون من الصعب على إدارة بايدن تمرير اتفاق أمنيّ يشمل بناء منشآت نووية دون موافقة الكونغرس الأميركي حيث لأصدقاء إسرائيل القدرة على إسقاط أيّ قرار أو اتفاق لا يُرضي إسرائيل.

على الرغم من استجابة واشنطن لمعظم متطلّبات الرياض، إلّا أنّ ربط الاتفاقية الأمنيّة بالتطبيع مع إسرائيل سيشكّل سابقة في العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، التي تتمتّع بخصوصية ميّزتها عن سائر دول المنطقة لأنّها غير مرتبطة بإسرائيل. وهنا تجدر الإشارة إلى موافقة الكونغرس الأميركي على بيع السعودية طائرات أواكس للإنذار المبكر حين كان الأمير بندر بن سلطان سفيراً للمملكة في واشنطن في ثمانينات القرن الماضي على الرغم من معارضة إسرائيل، وهو ما اعتُبر آنذاك صفعة للّوبي الإسرائيلي.

وجدت واشنطن أنّها مضطرّة إلى العودة إلى وحول الشرق الأوسط حمايةً للسلم العالمي وحليفتها الأولى في الشرق الأوسط، إسرائيل

الإنكفاء الأميركي

الإدارات الأميركية المتلاحقة منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، انتهجت سياسة الانكفاء من الشرق الأوسط بعد عقود من الحروب المكلفة والتدخّلات المباشرة في صراعات الشرق الأوسط، بلغت ذروتها مع اجتياح العراق وما نتج عنه من إخفاقات. بدأت الاستدارة في اتجاه آسيا ومواجهة الصين. لكنّ حرب غزة أثبتت أنّ نظريات الانكفاء وإعادة التموضع أو التخندق ليست إلا أوهاماً، إذ وجدت واشنطن أنّها مضطرّة إلى العودة إلى وحول الشرق الأوسط حمايةً للسلم العالمي وحليفتها الأولى في الشرق الأوسط، إسرائيل. بدء واشنطن بالانكفاء عن قضايا الشرق الأوسط سمح للصين بالتمدّد تجاريّاً ولروسيا بتعزيز علاقاتها مع دول عربية كانت تُعتبر من مناطق النفوذ الأميركي. كما فتحت الباب لطهران للتمدّد في المنطقة وتهديد أمن واستقرار دولها.

واشنطن

واشنطن على المحك

لعقود من الزمن واشنطن حدّدت مصالحها في المنطقة: انتقال حرّ للنفط، أمن إسرائيل، مكافحة الإرهاب الدولي وعدم السماح بتطوير أسلحة دمار شامل. حين بدأت واشنطن الاستدارة والانكفاء عن مشاكل المنطقة تمّ تهديد جميع مصالح الولايات المتحدة، وتُركت الدول الصديقة لواشنطن، وتحديداً المملكة العربية السعودية، تواجه التهديدات الإيرانية، ما دفعها للبحث عن خيارات أخرى لحماية مصالحها. لذلك سيجبر الالتزام بالاتفاقية الأمنيّة المزعومة واشنطن على التدخّل لحماية المملكة من هذه التهديدات، وبالتالي سيضع التزام واشنطن على المحكّ إذا ما فضّلت الالتزام بسياسة الانكفاء عن مشاكل المنطقة المزمنة. عدم ثقة دول الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية بالتزامات واشنطن تعزّزت مع قرار بايدن حين وصل إلى البيت الأبيض برفع تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية حين كان الحوثيون يرسلون المسيّرات والصواريخ إلى الداخل السعودي، وكان سبق ذلك ردّ فعل أميركي خجول على ضرب منشآت شركة أرامكو من قبل إيران أثناء ولاية الرئيس السابق ترامب.

ستشكّل العودة الأميركية من خلال الاتفاقية الأمنيّة المزعومة عودة أميركية مباشرة إلى الشرق الأوسط

ستشكّل العودة الأميركية من خلال الاتفاقية الأمنيّة المزعومة عودة أميركية مباشرة إلى الشرق الأوسط، لكن ضمن قواعد جديدة تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الدول وليس فقط مصالح واشنطن وضرورة التنسيق مع دول المنطقة وعدم التفرّد في القرارات دون الرجوع إلى الحلفاء تجنّباً للمفاجآت كما حصل في الاتفاق الإيراني النووي وسياسة واشنطن تجاه الحوثيين.

إقرأ أيضاً: من يسمّي الرئيس الأميركي المقبل: الكارهون لترامب أم الغاضبون من بايدن؟

الاتفاقية الأمنيّة حين يتمّ إعلانها، ومن المؤكّد أنّها ستتضمّن ملحقات وتعهّدات سرّية، سوف تشكّل تحوّلاً كبيراً في المنطقة ليس فقط إذا تمّ ربطها بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، بل ولأنّها ستفرز دول المنطقة إلى محورين: محور حلفاء الولايات المتحدة، وفي المقابل محور الصين وروسيا اللتين ستتقرّبان أكثر إلى إيران لمواجهة الواقع الأمني والاستراتيجي الجديد. فالصين التي تخوض حرباً تجارية مع الولايات المتحدة ستتضرّر مصالحها بشكل كبير إذا ما تمّ توقيع الاتفاقية الأمنيّة. كما أنّ روسيا التي حقّقت تقدّماً دبلوماسياً كبيراً في السنوات الأخيرة في المنطقة، وتحديداً دول الخليج، ستعود إلى التموضع وراء حلفائها التقليديين.

 

 لمتابعة الكاتب على X:

@mouafac

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…