السوداني بين حشد الدولة وعودة الصّدر

مدة القراءة 5 د

على الرغم من عجز القوى السياسية العراقية عن إنهاء الفراغ المستمرّ في موقع رئاسة البرلمان. بدأت مبكراً التفكير في المعركة الانتخابية البرلمانية المقبلة، المقرّرة في الربع الأخير من السنة المقبلة 2025 حسب المواقيت الدستورية لجهة التحالفات واللوائح.

 

الذهاب نحو التوقيت الدستوري وولاية تشريعية لمدّة أربع سنوات للبرلمان القائم، بمعنى أنّ هذه القوى أسقطت الالتزامات التي توافقت عليها عند تشكيل تحالف “إدارة الدولة” الذي أنتج الحكومة الحالية، وتحدّث عن إجراء انتخابات مبكرة تعيد إنتاج السلطة التشريعية ومعها السلطة التنفيذية. ولتصحيح الخلل الذي أحدثه انسحاب التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر من البرلمان والحياة السياسية.

قلق من الحشد

هذا الواقع والآليّات التي أُديرت بها السلطة التنفيذية خلال السنتين الماضيتين برئاسة محمد شياع السوداني، وتضخّم أدوار ونفوذ قوى وفصائل من داخل “الإطار التنسيقي” الشيعي على حساب قوى سياسية أخرى داخل السلطة، بحيث باتت توحي بأنّها “الحامل” والحامي والداعم لحكومة السوداني، مقابل الحصول على الحصّة الكبرى من المكاسب والمصالح. جعل من الصعب على القوى الأخرى، وتحديداً القيادات الأساسية في حزب الدعوة بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي القبول أو الاعتراف بهذا الواقع. في حين أنّ هذا الفائض من القوة والنفوذ بات يضغط على رئيس الحكومة الذي بات يلمس تقلّص استقلاليّته وأنّه مرتهن لهذين الدعم والتأييد.

السوداني على الرغم من وجوده على رأس السلطة التنفيذية والهامش الذي يتمتّع به يعتبر الجهة الأقدر على الإمساك بالتوجّهات السياسية للدولة

السوداني على الرغم من وجوده على رأس السلطة التنفيذية والهامش الذي يتمتّع به وما حقّقه من وجود شعبي، والمالكي الذي يعتبر الجهة الأقدر على الإمساك بالتوجّهات السياسية للدولة و”الإطار التنسيقي”، ومعهما الوسط السياسي العراقي، ينظران بعدم الارتياح إلى الدور الذي تمارسه الفصائل المسلّحة، التي تُعرف بفصائل الحشد. وإنّ التمايز الحاصل بين ما يمكن تسميته “حشد الدولة” و”حشد المقاومة” ليس سوى تقاسم أدوار يأكل من الدولة ومن نفوذ ودور القوى الأخرى. من هنا يبدو أنّ المخرج لهولاء في مواجهة تعاظم نفوذ هذه الفصائل هو البحث عن تحالفات جديدة تعيد إنتاج مراكز القوى والسلطتين التشريعية والتنفيذية من دون الدخول في صدامات مباشرة أو حروب إلغاء وإقصاء لأيّ من الآخرين، وإنّما إعادة إنتاج أحجامهم الطبيعية من دون مبالغات.

السوداني

أمام هذه الحقائق يبدو أنّ جميع هذه القوى لم تُسقط من اعتباراتها أنّ المرحلة المقبلة وانتخاباتها ستشهد حالة من المنافسة والاستقطاب الحادّين. وذلك على خلفيّة حالة الانتظار التي تمرّ بها وترقُّبها لما سيكون عليه موقف مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، أو حسب التسمية الجديدة التيار الشيعي الوطني، والتوجّهات التي سيتّخذها عند إعلان قرار العودة عن مقاطعة العملية السياسية واستئناف مشاركته في الحياة البرلمانية.

ستكون عودة الصدر عن قرار المقاطعة وفق معطيات مختلفة هذه المرّة، خاصة أنّه استفاد من العزلة السياسية التي مارسها بإعادة إنتاج قواعده الشعبية والتخلّص من الأثقال غير المنضبطة أو التي تشكّل علامات استفهام حول مصداقية مشروعه الإصلاحي. وبالتالي ستكون هذه العودة أكثر تأثيراً، وقد تجعل منه “بيضة القبّان” في تشكيل موازين القوى في إدارة الدولة والحياة السياسية.

تدرك القوى السياسية داخل البيت الشيعي أهمّية عودة الصدر هذه وبالتالي فقد بدأت بالتفكير جدّياً في كيفية استيعاب هذه العودة

ستكون عودة الصدر هذه المرّة محكومة بخلفيّة الأحداث التي شهدتها السنوات الثلاث الماضية، ومن المتوقّع أن تحمل نوعاً من المحاسبة لحلفاء الأمس الذين تخلّوا عنه وقطعوا الطريق على مشروعه لتشكيل حكومة غالبية وطنية، مقابل الحفاظ على مصالحهم ومكاسبهم، وبالتالي سيكون عليه التفتيش عن تحالفات جديدة قد تكون هذه المرّة داخل البيت الشيعي مع تنويعات مذهبية وقومية غير وازنة ولضرورات وطنية عراقية.

استيعاب الصدر

في المقابل تدرك القوى السياسية داخل البيت الشيعي أهمّية عودة الصدر هذه، وبالتالي فقد بدأت بالتفكير جدّياً في كيفية استيعاب هذه العودة والاستفادة منها، وتوظيفها من أجل تعزيز موقعها داخل الدولة والحفاظ على مكاسبها مستقبلاً. وفي مقدَّم هذه القوى تأتي بعض فصائل “حشد الدولة” المتضرّرة من نفوذ فصائل أخرى واستئثارها بكلّ المكاسب على حسابها. لذلك بدأت العمل لفتح قنوات تواصل بين “الصدر” ورئيس الوزراء السوداني الذي يعتزم الدخول في العملية السياسية بشكل أكثر جدّية من بوّابة الانتخابات البرلمانية المقبلة ورئاسة تحالف أو لائحة تكون أداة لفريقه السياسي وحزب “الرافدين” الذي يرأسه.

ترى هذه الجماعة أنّ التحالف بين السوداني والصدر سيضمن لها موقعها فيه، وبالتالي تضمن الحصول على النسبة الكبرى من مقاعد المكوّن الشيعي، الأمر الذي يسمح لهذا التحالف بأن يشكّل حكومة لا تخضع لضغوطات الآخرين وتكون أكثر حرّية في تشكيل الحكومة والإمساك بتوجّهاتها.

إقرأ أيضاً: السوداني يطلب انسحاباً أميركيّاً… من المنطقة؟

قد لا يتأخّر الصدر كثيراً بإعلان عودته إلى الحياة السياسية، بخاصة أنّ كلّ الأطراف من الخصوم والمقرّبين تؤكّد أنّ الاستعدادات لإعلان العودة وصلت إلى مراحلها الأخيرة وأنّ إعلانها بات قريباً، وبالتالي قد تشهد هذه المرحلة تسارعاً في حسم المواقف، سواء من قبل الصدر وقيادات تيّاره، الذين لا يبدون موقفاً سلبياً من إمكانية التقارب والتحالف مع السوداني، أو من جهة القوى السياسية الأخرى المنافسة أو المتخوّفة من هذه العودة، والتي تعمل جدّياً لبناء تحالفات تضمن لها البقاء داخل العملية السياسية والحفاظ على مكاسبها.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…