“رفح”: نتنياهو يتحدّى واشنطن – القاهرة – الدوحة

مدة القراءة 7 د

اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يستمرّ بـ”معركة رفح” على الرّغم من إعلان حركة “حماس” موافقتها على الورقة المصريّة الرّامية إلى إبرام صفقة تبادل للأسرى بين الحركة وإسرائيل. لماذا؟

يُدرِكُ نتنياهو أنّ الوقتَ يداهمه. فالانتخابات الأميركيّة باتت على الأبواب. والرّأي العام الغربيّ، الرّسميّ والشّعبيّ، باتَ يميل بغالبيّته نحوَ المُطالبة بوقف إطلاق النّار. حتّى الدّاخل الإسرائيلي باتَ يتحرّك أكثر من ذي قبل لدفع الحكومة إلى قبول صفقة التبادل.

لكنّ الواقع يقول إنّ نتنياهو يبحث عن “نصرٍ معنويٍّ” قبل أن يوافق على أيّ اتفاقٍ. طوال الأشهر الماضية، صوّر نتنياهو “معركة رفح” كأنّها أمّ المعارك، وباتت بالنّسبة له وحده، مسألة نصرٍ أو هزيمة. رفح لن تُعطي نتنياهو أكثر ممّا أعطته بقيّة مناطق القِطاع، التي دمّرها بالكامل، ولم يُحقّق أيّاً من هدفيْه المُعلنَيْن: تحرير الأسرى، والقضاء على حماس.

هذا ما أكّده مسؤولون إسرائيليّون لصحيفة “معاريف” بقولهم: “لا يوجد في رفح ما يُغيّر معادلة الحرب، وهي الورقة الأخيرة بيدنا”.

لم يُوفّر رئيس الحكومة الإسرائيليّة الهجوم الذي شنّته حماس على موقع كرم أبو سالم المُتاخم للحدود مع رفح. وقرّر أن يقتحمَ الجانب الشّرقيّ لرفح، حيثُ المعبر الحدوديّ بين قطاع غزّة ومصر.

يواجه نتنياهو معارضةً أميركيّة وعربيّة وغربيّة في عمليّة رفح. إذ نقلَ موقع “واللا” العبريّ عن مسؤول في البيت الأبيض قوله: “نعتقد أنّ صفقة التبادل هي الطّريقة الفضلى للحفاظ على حياة المُختطفين والامتناع عن اجتياح رفح”.

تجلّت المعارضة الأميركيّة لخطوة نتنياهو بالاتّصال الذي جمعه بالرّئيس الأميركيّ جو بايدن، ووصفته صحيفة “يسرائيل هيوم” بأنّه “قاسٍ”، إذ طالبَ خلاله الرّئيس الأميركيّ بإعادة فتح معبر كرم أبو سالم فوراً، والامتناع عن اجتياح رفح باعتبار الخطّة الإسرائيليّة للإجلاء لم تلقَ قَبولاً أميركيّاً.

مصر لا تعير اهتماماً فقط لنجاح دورِها كوسيطٍ بين حماس وإسرائيل، على الرّغم ممّا يتضمّنه ذلك من إقرارٍ بوزن القاهرة السّياسيّ في الملفّ الفلسطيني

كواليس ما قبل الهجوم

يكشفُ مصدرٌ دبلوماسيّ عربيّ لـ”أساس” أنّ موافقة حماس على الورقة المصريّة جاءَت بعد ضغطٍ قطريّ – مصريّ مشترك. جاءَ الضّغط بعدما قصفَت كتائب القسّام معبر كرم أبو سالم يومَ الأحد الماضيّ، فتعثّرت المُحادثات في الدّوحة.

كانت حماس تُحاول عبر الهجوم تحسين شروطها والضّغط على تل أبيب لإعلان موافقتها على وقفِ إطلاق النّار. رغم أنّ الوسطاء المصريّون والقطريّون أكّدوا لوفد الحركة برئاسة نائب يحيى السّنوار خليل الحيّة أنّ واشنطن والدّوحة والقاهرة يضمنون لحماس عدم عودة إسرائيل للتّحرّك عسكريّاً بعد انقضاء الهدنة في مراحلها الـ3، والتي تصل إلى أكثر من 4 أشهر. إذ ستكون الانتخابات الرّئاسية على بعد أسابيع قليلة، ونتنياهو سيكون غارقاً في المُعارضة الدّاخليّة، وقد لا يكون في السّلطة أساساً.

لكنّ وفدَ الحركة أصرّ على أن تُعلن تل أبيب التزامها بوقف شامل لإطلاق النّار بعد انقضاء المُدّة. وهذا ما رفضه الوفد الإسرائيليّ، فاشتعلت الجبهات مُجدّداً.

ماذا فعل بيرنز في الدوحة؟

هذا ما دفَعَ مدير وكالة الاستخبارات الأميركيّة (CIA) وليام بيرنز إلى التّوجّه للدّوحة مساءَ الأحد. بحسب معلومات “أساس”، فإنّ بيرنز اجتمَع لأكثر من 4 ساعات مع رئيس الوزراء القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني ورئيس جهاز أمن الدّولة القطريّ عبد الله الخليفي، وطلبَ منهما الضغط على قيادة حماس لقبول الاتفاق الذي توافق واشنطن على كلّ بنوده من دون استثناء.

تواصلَ القطريّون مع رئيس الحركة إسماعيل هنيّة، وخليل الحيّة طوال يومَيْ الأحد والإثنيْن، وحثّوهما على قبول الورقة المصريّة لسحب أيّ ذريعة من نتنياهو لاقتحام رفح والتّسبّب بكارثة إنسانيّة.

في المقابل، كانَ المصريّون أيضاً يضغطون على حماس. وهذا ما كان جليّاً بعدما نقلت قناة “القاهرة الإخبارية” عن مسؤول كبير قوله إنّ قصف حماس لمنطقة كرم أبوسالم تسبّبَ في تعثّر مفاوضات الهدنة.

تواصلَ القطريّون مع هنيّة، وخليل الحيّة طوال يومَيْ الأحد والإثنيْن، وحثّوهما على قبول الورقة المصريّة لسحب أيّ ذريعة من نتنياهو لاقتحام رفح

مصر لا تعير اهتماماً فقط لنجاح دورِها كوسيطٍ بين حماس وإسرائيل، على الرّغم ممّا يتضمّنه ذلك من إقرارٍ بوزن القاهرة السّياسيّ في الملفّ الفلسطيني. لكنّ الأهمّ بالنسبة إلى المصريين هو قطع الطريق أمام أيّ محاولة اجتياحٍ إسرائيليّة لرفح قد تدفع عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى دخول الأراضي المصرية. وهذا هو التّحدي الذي تتجنّبه القاهرة، وهاجسها أن يتحوّل وجودهم من مؤقّت إلى دائم، وأن يُوطَّن هؤلاء في سيناء كما سبق أن كشفت خطّة إسرائيلية في بداية الحرب.

القراءة العسكريّة

يرى العميد الرّكن المتقاعد خليل الحلو في حديث لـ”أساس” أنّ السعي الإسرائيلي إلى السّيطرة على معبر رفح “خطوة بديهيّة لحصار المدينة، كونه الممرّ الوحيد للخروج من غزّة. وهي خطوة سهلة تتيح للجيش الإسرائيلي التّحكّم بحركة دخول وخروج شاحنات المُساعدات، وذلكَ بعد إقفال معبر كرم أبو سالم. وهي ورقة تضغط بها تل أبيب على حماس”.

يعتبر الحلو أنّ المفاوضات في القاهرة انهارت من اليوم الأوّل بعد إعلان نتنياهو نيّته اجتياح مدينة رفح مع أو بدون صفقة تبادل. لكنّه في الوقت عينه يقول إنّ حماس أظهرت أنّ لديها “مهارة سياسيّة أكثر من نتنياهو، فقبلت بالاتفاق على الرغم من أنّه “ملغوم”. وهذا ما دفع مجلس الحرب الإسرائيليّ للموافقة على عمليّة رفح”. لا يغفل العميد الحلو الإشارة إلى أنّ العلاقات بين واشنطن وتل أبيب ستشهد تعقيدات بسبب رفض الولايات المتحدة للعمليّة وإصرار إسرائيل عليها، خصوصاً بعد شقوط عشرات الضحايا من المدنيين.

بحسب الحلو فإنّ الحديث بين أميركا وإسرائيل لن يكون حول المفاوضات، بل عن تخفيف أضرار العمليّة، التي لن تقف. بل ويتوقّع الحلو أن تصرّ واشنطن على الآتي:

1- ضمان وصول المساعدات لإطعام مليون شخص في غزّة.

2- تجنّب سقوط الضحايا من المدنيين.

3- السّماح للوكالات الإغاثيّة باستكمال مهامّها في القطاع، وذلك بعدما أعلنت هذه المنظّمات أنّها لن تغادر رفح على الرغم من التحذيرات الإسرائيليّة.

يعتبر الحلو أنّ المفاوضات في القاهرة انهارت من اليوم الأوّل بعد إعلان نتنياهو نيّته اجتياح مدينة رفح مع أو بدون صفقة تبادل

المعركة ستستمرّ لأسابيع إضافية

يتوقّع الحلو أن تستمرّ المعركة لعدّة أسابيع، إلّا إذا استسلمت حماس، وهذا غير وارد. إذ تُمسِك الحركة بورقتيْن أساسيّتين في المعركة:

1- ورقة الأسرى الإسرائيليين.

2- ورقة الأنفاق الدّفاعيّة.

هذا يعني أنّ القراءة التي ترى أنّ السّيطرة الإسرائيليّة على معبر رفح بمنزلة خطوة كبيرة نحو سقوط حماس والسّيطرة على المدينة… هي تقديرٌ خاطئ. بحسب الحلو، فإنّ معركة رفح لن تكون نزهة على الإطلاق، تماماً كسائر المعارك في القطاع التي سقَطَ فيها حوالي 600 قتيل في صفوف الجيش الإسرائيلي. فالتعامل مع الأنفاق والمجموعات المُسلّحة في المدن ليس سهلاً.

يكشف الحلو أنّ العمليّات ضدّ الجيش الإسرائيلي في شمال ووسط غزّة لا تأتي بغالبيّتها من الأنفاق، بل من التّجمّعات السّكنيّة. هذا يعني أنّ حماس تلقى تضامناً في صفوف الغزّيّين، وهذا ينطبق على رفح أيضاً. إذ تشير الإحصاءات إلى أنّ 70% من سكّان القطاع يؤيّدون الحركة، وهذا ليس تفصيلاً في قلب المعركة.

إقرأ أيضاً: الصهيونية والصهيونية المسيحيّة ومعاداة الساميّة (1/4)

في الوضع السّياسيّ، يرى الحلو أنّ بقاء قيادات حماس على قيد الحياة سيمنع أيّ طرف من أن يُقدّم نفسه بديلاً عن الحركة لإدارة القطاع، بما في ذلك السّلطة الفلسطينيّة. يكشف لـ”أساس” أنّ قيادات حماس مارست الترهيب بحقّ كلّ طرف مستقلّ حاول أن يقدّم نفسه بديلاً اجتماعيّاً أو سياسيّاً للحركة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…