من هو الحاكم الفعلي للعراق: رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أم الميليشيات الطائفية والإثنية المنتشرة في كلّ الأرجاء العراقية والمتحكّمة بمفاصل البلد من ميناء الفاو في أقصى الجنوب إلى معبر الخابور بوّابة الشمال بين كردستان وتركيا، والتي تستمدّ قوّتها من السند الخارجي؟ هل للسوداني القدرة على اتّخاذ قرار سياسي كبير أم مهمّته تقتصر على نقل قرار الحاكم الفعليّ، باعتباره “المدير العام للحكومة العراقية”؟
يتوجّه رئيس حكومة العراق محمد شياع السوداني إلى واشنطن حاملاً الأعباء الثقيلة والملفّات الشائكة في العلاقات العراقية الأميركية، في محاولة لإيجاد حلول لها. يذهب في أحشر الأوقات، في وقت تهدّد فيه إيران بالانتقام من الضربة الإسرائيلية القاسية التي تلقّتها في قنصليّتها في دمشق.
يقع العراق في وسط المدى بين طهران وتل أبيب. وهو الأكثر عرضة للاهتزاز على دويّ الانفجارات الصاروخية المحتملة في حال وقوع المواجهة. فهل يستطيع رسم علاقة ثنائية عراقية أميركية بعيدة عن التجاذبات الدولية والإقليمية، لا سيما أنّ لدى طهران ما لديها في العراق، ولدى واشنطن ما لديها فيه أيضاً؟ هل في استطاعة المسؤول العراقي، الذي تُطلق عليه صفة “المدير العامّ لحكومة المقاومة العراقية”، أن يكون وسيطاً فاعلاً بين إيران وأميركا؟
لماذا يزور السوداني واشنطن؟
يتوق السوداني إلى زيارة البيت الأبيض كي يظهر أمام العراقيين والفاعلين في الإقليم بمظهر الشخصية القادرة على التأثير الإيجابي. قد تكفي الصورة في المكتب البيضاوي لتعزيز حظوظه بتكليفه بولاية ثانية بعد الانتخابات العامة السنة المقبلة. لكنّها لا تكفي لجعله زعيماً عراقياً قادراً على اتّخاذ القرارات الكبرى وحاكماً فعليّاً لدولة حقيقية ذات سيادة.
السوداني محافظ سابق ووزير سابق، قبل أن يكون رئيساً معيّناً للوزراء. يعمل بجهد وانكباب ويسعى إلى تحسين صورة “المسؤول العراقي”. وهي الصفة التي صارت عنواناً للفساد والمحسوبيّات وانتهاك أصول الدولة والنظام والقانون. لكنّه نفسه وصل إلى قمّة السلطة بقرار قضائي مسيّس ينسف نتائج انتخابات عام 2021 من أجل “الإطار التنسيقي” الذي تقوده الميليشيات الطائفية المدعومة عموماً من طهران وتعمل بتوجّهاتها.
يتوجّه رئيس حكومة العراق محمد شياع السوداني إلى واشنطن حاملاً الأعباء الثقيلة والملفّات الشائكة في العلاقات العراقية الأميركية
جاءت به هذه الفصائل لتوفير الغطاء السياسي لها وليس لكي تكون خاضعة له. وعندما قرّرت هذه الفصائل، وبينها “حزب الله-العراق”، تعليق الهجمات ضدّ القواعد الأميركية في العراق وسوريا في مطلع العام الجاري… لم يكن ذلك تلبية لطلب من رئيس الحكومة. بل تنفيذاً لرغبة “قائد فيلق القدس” الراغب في تخفيف حدّة المواجهة مع الأميركيين من أجل مصالح إيرانية صرفة.
أُخرج رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه بقرار قضائي مسيّس، على غرار إقصاء حليفه “التيار الصدري” عن صدارة نتائج الانتخابات السابقة. وبقرار قضائي مماثل جرى التضييق على حكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني. قبل أن تتراجع حكومة السوداني عن قرارها بعدما جعل البيت الأبيض هذا التراجع والكفّ عن مضايقة أكراد مسعود البارزاني شرطاً من شروط إتمام زيارة واشنطن.
لكن إذا ما قرّر مقتدى الصدر صاحب التيار الأكثر شعبية في العراق العودة إلى الحياة السياسية، وأعاد التحالف مع البارزاني الزعيم الكردي الأبرز، ومع زعيم سنّيّ بارز كالحلبوسي، فهل يبقى للسوداني حظوظ في تبوّؤ منصبه مجدّداً؟ وهل تظلّ صورة العراق السياسية الداخلية على حالها؟
لماذا وافقت إيران على الزيارة؟
قد يكون الدافع وراء موافقة “الإطار التنسيقي” على زيارة واشنطن، رغبة طهران في تخفيف حدّة المواجهة على الساحة العراقية التي تُعتبر ساحة نفوذ أساسية لها وموردها الأبرز للعملات الصعبة، وفي تجنيب الفصائل العسكرية المدعومة منها ضربات أميركية قويّة تستهدف تصفية قادتها، وتجنيب المؤسّسات العراقية التابعة لفصائل المقاومة العراقية، وبينها وزارات ومؤسّسات رسمية، عقوبات أميركية محتملة. كما من مصلحة هذه الفصائل تعزيز مكانة السوداني كواجهة غير محظورة لقيادة العراق اسميّاً. وأن يكون قادراً على تنفيذ إخراج القوات الأميركية من العراق في إطار زمني محدّد ومتوافَق عليه.
لكنّ الردّ الأميركي على هذا المطلب كان سريعاً. إذ أعادت السفيرة الأميركية لدى بغداد ألينا رومانوفسكي الربط بين الوجود العسكري الأميركي وتنظيم “داعش” الذي قالت إنّه لا يزال يشكّل تهديداً في العراق، مضيفةً أنّ عمل التحالف الذي تقوده واشنطن مع العراق لهزيمة التنظيم بشكل كامل لم ينتهِ بعد.
تعتقد بغداد أنّها قادرة على مواجهة أيّ تهديد باقٍ من تنظيم “داعش” بشكل مستقلّ. ولم تعد ترغب في استضافة “التحالف الدولي”
“طرد” التّحالف الدّوليّ
تعتقد بغداد أنّها قادرة على مواجهة أيّ تهديد باقٍ من تنظيم “داعش” بشكل مستقلّ. ولم تعد ترغب في استضافة “التحالف الدولي” الذي تمّ تشكيله لهزيمة التنظيم قبل عقد من الزمن. لكنّ واشنطن تستغلّ وجود هذا التنظيم في سوريا المجاورة، وهجومه في 22 آذار في موسكو. للقول إنّ الانسحاب السريع لقوات التحالف لن يعرّض العراقيين للخطر فحسب. بل قد يزيد من زعزعة استقرار المنطقة. كما تستغلّ هذا الخطر لتقوية الجيش النظامي العراقي الذي أشرفت على تدريبه وتجهيزه على حساب قوات “الحشد الشعبي” المتحالفة مع إيران من أجل الاحتفاظ بأوراق قوّة في العراق وإبقاء التوازن قائماً مع الوجود الإيراني هناك.
لذا تجهيز القوات العراقية النظامية والحدّ من نفوذ الميليشيات، وعدم شراء الأسلحة الروسية وقطع الطريق أمام الشركات الصينية وتعزيز دور الشركات الغربية، ولا سيما النفطية الكبرى مثل “توتال”، لقطع مصادر التمويل الإيرانية من توفير الغاز لمحطّات الكهرباء العراقية. إضافة إلى إصلاح القطاع المصرفي العراقي والحدّ من تهريب الأموال إلى إيران… ستكون النقاط الأساسية التي تضعها واشنطن على جدول أعمال الزيارة.
إقرأ أيضاً: أزمة الكويت … “الطبل” قبل “العُرس”
هل يستطيع السوداني أن يقدّم للأميركي ما عجز عن تقديمه أسلافه. لا سيما في ظلّ أصعب الظروف التي يمرّ بها العراق والمنطقة؟ هل بإمكانه المخاطرة؟ أم هي محاولة يائسة أخرى قد تنقلب في لحظة ما على صاحبها؟ هل تقتصر على نقل رسالة تهدئة مباشرة من إيران إلى البيت الأبيض؟ وهل أرادتها واشنطن لأنّها ترى فيها اختراقاً بجذب دولة محسوبة على “محور المقاومة ” إلى دارها قبل وقف النار في غزة؟