ليست المرّة الأولى التي يؤدّي فيها التسريب الإعلامي، العفوي أو المقصود، إلى “تخريب” ملفّ وطني أو إنساني. هذا ما يذكره متابعون لقضية المحكومين اللبنانيين في دولة الإمارات العربية. بعد الهمس عن أنّ تسريب خبر زيارة وفيق صفا للإمارات قبل أيام كان أحد الأسباب التي حالت دون إنجاز المهمّة المطلوبة فوراً. وعودة المحكومين بالطائرة الخاصة نفسها، التي حملت مسؤول الحزب الأمنيّ إلى أبو ظبي.
هذا وظهرت روايات عدّة حيال التسريب. بعضها عزاه إلى “مصدر” في المبنى المخصّص للطائرات الخاصّة في مطار بيروت، من حيث أقلعت طائرة صفا. وبضعها الآخر عزا التسريب إلى حماسة زائدة من أحد المطّلعين على الصفقة، لإعلان إنجازها قبل الأوان. وفي الروايات كافّة، يؤكّد العارفون أنّها كانت “مصادر صديقة” للجهة الحزبية التي عملت على المهمّة.
في هذا السياق يروي المتابعون أنّه في أواخر عام 2020 كان اللواء عباس إبراهيم مهتمّاً بهذه القضية. فطلب المساعدة من أحد الوسطاء الفاعلين بصمت على خطوط إقليمية عدّة، بينها خطّ بيروت – أبو ظبي. وهو المسؤول الكتائبي السابق المحامي ميشال جبّور.
بالفعل وقبل يومين من نهاية عام 2020 نقل جبور الطلب إلى المسؤولين الفلسطينيَّين المقيمين في أبو ظبي، محمد دحلان وسمير المشهراوي. مع التمنّي بتدخّلهما لدى السلطات الإماراتية لمعالجة القضية.
لم يلبث الرجلان أن نقلا النتائج الإيجابية إلى الوسيط اللبناني. وأنّ قراراً إماراتيّاً صدر بالتجاوب مع التمنّي اللبناني، على أن يبدأ إطلاق المحكومين على دفعات. وبالفعل عاد جبور إلى أبو ظبي حيث أُطلق سراح ستّة من المحكومين في الأسبوع الأوّل من عام 2021. ثمّ أُطلق ثمانية آخرون في 2 شباط من السنة نفسها. وكان كلام جدّي عن إطلاق الباقين، وعددهم 25 محكوماً بعقوبات سجنيّة تتخطّى 25 عاماً، وإقفال الملفّ قبل عيد الفطر من تلك السنة.
ليست المرّة الأولى التي يؤدّي فيها التسريب الإعلامي، العفوي أو المقصود، إلى “تخريب” ملفّ وطني أو إنساني
لكنّ المفاجأة جاءت في اليوم التالي. إذ صدر في الإعلام المحسوب على الحزب كلام يقول إنّ إطلاق المحكومين يُبرز “حقيقة أنّ توقيفهم كان فعلاً تعسّفياً وظالماً من قبل السلطات الإماراتية (…) والإفراج عنهم اليوم ليس تصحيحاً للخطيئة التي ارتكبتها أبو ظبي. بل لا يعدو كونه إقراراً بالذنب. أمّا تصحيح الخطأ، فدونه اعتذارٌ علنيّ إماراتي من الموقوفين، والتعويض عليهم، نتيجة ما قاسوه جسدياً ونفسيّاً من جهة، وبسبب تعطّل أعمالهم ووسمهم بتهم لا صلة لهم بها، وهو ما يحول دون تحرّكهم بحرّيّة مستقبلاً من جهة أخرى”.
اعتُبر هذا الكلام استفزازيّاً. وهو ما أدّى إلى إجهاض الاتفاق على متابعة الملفّ، وإبلاغ الوسطاء باعتذار السلطات الإماراتية عن التعاون، بعد تلك الاتّهامات المباشرة والحملة العنيفة عليها. وكانت خطوات جدّية قد اتُّخذت لإنهاء القضية. بدليل اللوائح الكاملة التي كانت أُعدّت يومها وسُلّمت بالتفاصيل الكاملة حول المحكومين، تمهيداً لمعالجة ملفّاتهم قضائياً.
يُذكر أنّ السيناريو نفسه عاد وتكرّر قبل أيام، بكلّ التفاصيل التي أجهضت وساطة عام 2021. فالتشويش نفسُه عاد ليسُجّل إعلاميّاً. فبعد ساعات على كشف خبر زيارة صفا، ورد في الإعلام المحسوب على الحزب كلامٌ مفاده أنّ “جريمة توقيف مقيمين لبنانيين على أرض غير لبنانية واعتقالهم وتعذيبهم وحتى قتلهم بعدَ تلفيق التهم لهم لأسباب مذهبية وسياسية. كانت “حلالاً” بالنسبة إلى فريق لبناني سياسي – إعلامي “سيادي” معجب إلى حدّ الذوبان بدولة “الإقامات الذهبية” و”الحلم الأميركي” بصبغته الخليجية. بحيث كانت مجرّد الإدانة أو تناول خبر الموقوفين مستحيلاً عند هؤلاء ومتجاهَلاً من قبلهم”.
الإمارات تعاملت مع حزب ايران في لبنان عبر وفيق صفا الذي عاد حاملا 3 مطالب اماراتية محقة لاطلاق سراح جواسيسه
وإذ تزامن هذا الموقف الإعلامي مع وصول صفا إلى أبو ظبي، جاء الردّ الإعلامي عليه على لسان أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبد الخالق عبدالله، القريب من سلطات أبو ظبي. والذي غرّد قائلاً:
الإمارات تعاملت مع حزب ايران في لبنان عبر وفيق صفا الذي عاد حاملا 3 مطالب اماراتية محقة لاطلاق سراح جواسيسه
1- اعتراف صريح ان الموقوفين عملوا لصالح الحزب
2- تعهد بعدم تكرار اعمال تجسسية في الإمارات
3- وقف تهديدات الحزب ضد مصالح إماراتية
إقرأ أيضاً: وفيق صفا في الإمارات: إعلان فشل الزيارة لم يلغِ مفاعيلها
خلاصة هذين التسريب والتشويش كانت تأجيل معالجة الملفّ، على أمل ألّا تكون قد أُسقطت.