يبدو أنّ مجلس الأمن الدّوليّ قد يكون بديلاً عن فشل مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس في الدّوحة. حيث من المُرتقب أن تشهد السّاعات القليلة المُقبلة حراكاً أميركيّاً في أروقة مجلس الأمن للتصويت على قرار يدعو لوقف إطلاق النّار في قطاع غزّة.
القرار الأميركيّ هذه المرّة لن يكونَ مناورةً كالذي سقَطَ قبل أيّام بـ”فيتو” روسيّ – صينيّ مُشترك. إذ تُشير المعلومات التي حصلَ عليها “أساس” أنّ القرار الذي ستوزّعه واشنطن على الدّول الأعضاء نالَ موافقة الدّول المعنيّة.
تُدرك واشنطن أنّ استمرار الحرب وإصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اجتياح مدينة رفح يعني ارتفاع إمكانيّة توسّع الحرب في المنطقة، وهذا ما لا يريده الرّئيس الأميركيّ على أعتاب الانتخابات الرّئاسيّة.
لهذا قد تلجأ واشنطن للمرّة الأولى منذ اندلاع الحرب في غزّة إلى مجلس الأمن، وذلك بعد أن أسقطت قرارات سابقة كانت تدعو لوقف فوريّ لإطلاق النّار.
من الطبيعي أن تكون المفاوضات على هذا القدرِ من التعقيد. فهي بالنّسبة لحماس وإسرائيل “حرب وجود” لا تشبه غيرها من الحروب. لا يُمكن أن ينتصر فيها الطّرفان. بل حرب إلغاء فيها منتصرٌ ومهزوم.
الخلافات بين الجانبيْن لا تدخل فقط في عناوين بنود الهدنة، بل في آليّاتها التنفيذية ومدتها الزمنية، بحسب ما يذكر مصدر دبلوماسي عربي لـ”أساس”.
دفعت هذه الخلافات برئيس وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركية وليام بيرنز إلى عودة جديدة إلى المنطقة. لكنّ المُفارقة أنّ عامليْن أساسيَّيْن تغيّرا عن زيارته الأخيرة قبل أسبوعيْن:
1- أعلنت إسرائيل استهداف نائب القائد العامّ لكتائب القسّام مروان عيسى. وهو الذي أكّدَت واشنطن على لسان مُستشار الأمن القوميّ مقتله بالغارات الإسرائيليّة.
2- مناورة أميركيّة في مجلس الأمن الدّوليّ لاستصدار قرار يُؤكّد “ضرورة التّوصّل إلى وقف لإطلاق النّار”.
لم تفشَل مُفاوضات الهدنة بين حماس وإٍسرائيل بعد. لكنّها أيضاً لم تُحقّق أيّ خرقٍ أساسيّ باتجاه النّجاح
بايدن عند أبواب مجلس الأمن
أما وأنّ مشروع القرار الأميركيّ في نيويورك سقط بفيتو مزدوج من روسيا والصّين، إلّا أنّه مناورة ورسالة واضحة لإسرائيل وحماس مُفادها أنّ إدارة بايدن قد لا تنتظر طويلاً قبل اللجوء إلى مجلس الأمن واستصدار قرار يدعو إلى “وقف فوريّ لإطلاق النّار”، وبهذا تتجنّب الفيتو المزدوج.
كان “أساس” قد نشر تفاصيل لقاء بيرنز مع نظيره الإسرائيلي ديفيد برنياع قبل أسبوعين في العقبة الأردنية. وكان من ضمنها تلويح المسؤول الأميركيّ بأنّ بلاده قد تلجأ إلى استصدار قرار لوقف إطلاق النّار عبر مجلس الأمن الدّوليّ.
زيارة بيرنز للدوحة كانت نتيجة “ليونة سياسية” أبدتها إسرائيل وحماس على مستوى البند المتعلّق بالأسرى. لكنّ الآليّات التنفيذية للمبادرة هي العقبة المستمرّة على مدى جولات بيرنز الـ6. بحسب معلومات “أساس” فإنّ مُقترح بيرنز يتركّز على الآتي:
هدنة لـ6 أسابيع مُقابل إفراج حماس عن 40 أسيرٍ حيٍّ من جميع الفئات العمريّة، على أن تُفرج إسرائيل بالمقابل عن مئات الأسرى الفلسطينيين، بينهم عددٌ من “أصحاب المؤبّدات”.
حروب مفاوضات الهدنة
في المبدأ، وبحسب مصادر “أساس” الأميركية، فإنّ تل أبيب وافقت على هذا المُقترح. لكنّها اشترطت أن يكونَ لها “الحقّ بتحديد عدد أصحاب المؤبّدات، وأن يكون لها الحقّ في إبعاد أيّ أسير منهم خارج فلسطين”.
أمّا حماس فطلبت أن تشمل هذه المرحلة الإفراج عن 30 من المحكومين بالمؤبّد، وهذا ما رفضته إسرائيل عبر رئيس الموساد ديفيد برنياع، الذي قال إنّ بلاده قد تقبل بـ5 فقط.
أمّا بقيّة النّقاط العالقة في التفاوض، فهي ضمن مُقترحات ومطالب مُضادّة. أبرز هذه النّقاط:
1- مُقترح أميركيّ أن يخرج القائد العامّ لكتائب القسّام محمّد الضّيف ورئيس الحركة في غزة يحيى السّنوار وشقيقه محمّد السّنوار ورَوحي مُشتهى من قطاع غزّة نحوَ وجهة “تُحدّد لاحقاً”، مع ضمانات ألّا تغتالهم إسرائيل في أيّ مكان.
تُؤكّد مصادر الحركة لـ”أساس” أنّها خلال مفاوضات الهدنة لم تطلب أيّ حماية لقادتها أو أيّ ضمانات، ولن تطلبَ ذلك
يُشكّل هذا البند مادّة للنقاش داخل حماس. إذ هُناك من يرفض القبول بهذه النقطة، وأمّا الفريق الآخر فيعتبر أنّها ضروريّة لحقن دماء الغزّيّين. علماً أنّ حماس لم يرِد على راداراتها السياسية مثل هذا البند.
في المقابل، تُؤكّد مصادر الحركة لـ”أساس” أنّها خلال مفاوضات الهدنة لم تطلب أيّ حماية لقادتها أو أيّ ضمانات، ولن تطلبَ ذلك، على عكس ما يُروّجه الإعلام الإسرائيليّ من أنّ ذلك جاءَ بناء على طلب حماس. فالمُقترح جاءَ أميركيّاً بطلبٍ إسرائيليّ.
2- عرضَت إسرائيل أن تنسحِب في مرحلة لاحقة من القطاع وتبقي جزءاً من قوّاتها على طريق صلاح الدّين الذي يصل شمال غزّة بجنوبه.
هذا البند رفضته “حماس”، وقالت إنّها تتمسّك بانسحاب الإسرائيليين بالكامل من القطاع، ولا مشكلة لدى قيادة الحركة أن يتمّ هذا الانسحاب على مراحل.
3- اقترحَ الأميركيّون عودة النّساء والأطفال والرّجال فوق الـ50 عاماً إلى شمال قطاع غزّة.
لم تُعارض تل أبيب مُقترح واشنطن. لكنّها تُصرّ على أن يكونَ لها “الحقّ” بالتدقيق في هويّات العائدين إلى الشّمال، وهذا ما رفضته حماس وقالت إنّها لن توافق إلّا على عودة غير مشروطة لسكّان شمال غزّة.
باختصارٍ، يُمكن القول إنّ البنود الخلافيّة بين حماس وإسرائيل هي الآتية:
1- عودة النازحين إلى شمالي قطاع غزة.
2- هويّة الأسرى الذين ستشملهم صفقة التبادل.
3- انسحاب الجيش الإسرائيليّ من القطاع.
4- تقديم ضمانات لإنهاء الحرب.
على إثر هذه النّقاط، أبلغَ الوفد الإسرائيليّ الجانب الأميركيّ الموافقة على مُقترح بيرنز بشأن الأسرى. وغادر برنياع ومعه رئيس الشّاباك رونان بار العاصمة القطرية إلى تل أبيب. وبقيَ وفدٌ يُتابع جواب حركة حماس الذي سيُسلَّم خلال 48 ساعة، وسيُبلَّغ إلى مجلس الحرب الإسرائيلي ليدرسه.
لكنّ “حماس” فوق الطاولة غيرها تحت الطاولة. والدليل على صحّة ذلك ما نقلته وكالة فرانس برس عن أحد قياديّيها قوله: “إنّ المواقف في مفاوضات الهدنة الجارية عبر الوسطاء في الدوحة متباعدة جداً”. واتّهمَ إسرائيل بتعمّد “تعطيلها ونسفها”.
تُدرك واشنطن أنّ استمرار الحرب وإصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اجتياح مدينة رفح يعني ارتفاع إمكانيّة توسّع الحرب في المنطقة
وأضاف: “المواقف في المفاوضات بين حماس والاحتلال متباعدة جدّاً لأنّ العدوّ فهمَ ما أبدته الحركة من مرونة على أنّه ضعف”. وأشارَ إلى رفضِ إسرائيل وقف إطلاق النار بالكامل وعودة النازحين إلى الشّمال وإدخال المساعدات بلا قيود.
إقرأ أيضاً: اتفاق الهدنة في غزّة: بيرنز يضغط.. والحزب “على الخطّ”
رجّح الجانب الإسرائيليّ وجهة التشاؤم على الحلحلة. إذ نقلت “كان 11” العبريّة عن مسؤول إسرائيلي قوله إنّ “المفاوضات كشفت عن فجوات كبيرة تتعلّق بمفاتيح إطلاق سراح الرهائن مقابل الأسرى. وقد تقدّمت الولايات المتحدة باقتراح تسوية وافقت عليه إسرائيل، في حين لم تردّ عليه حماس بعد”.
لمتابعة الكاتب على X: