السودان الكارثة المغيّبة: 18 مليون جائع

مدة القراءة 5 د

حرب الجنرالين في السودان، جعلت البلد الذي وصف بأنّه “سلّة غذاء العالم”، موطناً للموت والمجاعة. فمن لم يمت من السودانيين قتلاً أو بالرصاص يموت الآن عطشاً وجوعاً.

“الكارثة آتية لا محالة”، تقول مديرة برنامج الغذاء العالمي سيندي ماكين تعليقاً على الوضع المأساوي في البلد العربي الإفريقي الكبير. وتضيف أنّ المعارك التي أوقعت آلاف القتلى وأدّت إلى نزوح ثمانية ملايين شخص، باتت “تهدّد حياة الملايين كما تهدّد السلام والاستقرار في المنطقة بكاملها”.

قبل عشرين عاماً، شهد إقليم دارفور أكبر أزمة جوع في العالم. ووحّد العالم آنذاك جهوده لمواجهتها. ولكنّ السودانيين منسيّون اليوم. وتحذّر المسؤولة الأممية من أنّه ما لم يتوقّف العنف والصراع في السودان “فقد تخلّف هذه الحرب أكبر أزمة جوع في العالم”.

الجوع في السودان بات يسكن مخيّمات النازحين ومناطق القتال ويهدّد باجتياح طول البلاد وعرضها. بطون الأطفال خاوية ومشبعة بالألم والخوف. تفيد أرقام الوكالات الإنسانية الدولية أنّ خمسة في المئة فقط من السودانيين يستطيعون الحصول على وجبة كاملة في اليوم. 95 في المئة منهم يهدّدهم الجوع والعوز. قرابة خمسة ملايين على شفا الكارثة التي تسبق المجاعة الكاملة. هؤلاء أناس كانت لديهم أحلام وآمال. كانت لديهم أحاسيس ومشاعر. لديهم أحبّاء وأهل وأصدقاء. لكلّ واحد منهم حكايته الخاصّة وقصّته. إنّهم يموتون اليوم بالمجّان ولا يشعر بفراقهم سوى أحبّتهم. ما ينقل عمّا يجري من معاناة في البلاد أقلّ بكثير ممّا يحصل في الواقع من فظائع. الحرب لم تمزّق النسيج الاجتماعي فحسب، بل أدّت أيضاً إلى أزمة إنسانية فاقت التصوّر. في ظلّ صمت مطبق من أدعياء الوطنية والإنسانية في السودان وخارجه، وغياب كامل للصورة والخبر.

المجاعة في الأراضي الخصبة!

تهدّد المجاعة السودان الذي يمتلك أوسع الأراضي الخصبة بين الدول العربية والإفريقية. صارت هذه الأرض بوراً وخلاء في ظلّ الصراع المحموم على السلطة والحرب الأهلية وفقدان الأمن والسلامة. هاجرت النخب إلى الخارج. الملايين من الناس بلا عمل وبلا أجر أو باعوا ما يملكون. أرقام التضخّم تقفز بمتواليات هندسية.

الكارثة السودانية فظيعة، وأفظع ما فيها أنّها أزمة حاضرة ومستمرّة بلا انقطاع، والمتورّطون فيها كثر

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من نصف سكّان السودان، البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية عاجلة، حيث يواجه 18 مليوناً انعدام الأمن الغذائي الحادّ. وقتلت الحرب المستمرّة بين عساكر الجنرالين والعصابات المتورّطة فيها طمعاً بالنهب والسرقة والنفوذ آلاف المدنيين. ودمّرت المؤسّسات والمستشفيات والمدارس. وأجبرت نحو ثمانية ملايين شخص، نصفهم من الأطفال، على الفرار من منازلهم، في أكبر أزمة نزوح في العالم. تقول منظمة “أطبّاء بلا حدود”: “كلّ ساعتين يموت طفل في معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور حيث يعيش نصف مليون نازح”. والأمّهات في مخيّمات النزوح يُغتصبن أمام أطفالهنّ، ومن تنجو من الاغتصاب مهدّدة وأولادها بالموت جوعاً بسبب نقص الغذاء. وبينما يعاني العاملون في الإغاثة من صعوبات التنقّل تتعرّض قوافل المساعدات الإنسانية للسطو المسلّح من عصابات باتت تنتشر كالفطر.

السودان

حال مخيّمات النزوح في تشاد وجنوب السودان ودول الجوار الأخرى ليس أفضل. إذ يتفاقم الوضع أكثر بسبب فجوة التمويل التي يواجهها برنامج الأغذية العالمي والتي تبلغ حوالي 300 مليون دولار للأشهر الستّة المقبلة. وهو ما يهدّد بتحويل أزمة النزوح إلى كارثة جوع كاملة مع اقتراب موسم الجفاف وتفشّي الأوبئة والكوليرا.

 تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من نصف سكّان السودان، البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية عاجلة

الكارثة المستمرّة

تزداد أعداد النازحين والمفقودين والمنكوبين والضحايا مع اشتداد القتال. وأصبح قصف المدنيين وتدمير البنى التحتية والنهب والاغتصاب والتهجير القسري وإحراق القرى من الممارسات اليومية. وزاد الطين بلّة انقطاع شبكة الاتصالات وتوقّف خدمات الإنترنت بشكل كامل تقريباً في كلّ مدن السودان المعزول عن العالم الخارجي. وسط تحذير أمنيّ من تدهور الأوضاع بشكل أفظع. صار السودان اليوم أسوأ مكان للعيش في العالم. إنّه أحد أسوأ الكوابيس الإنسانية في التاريخ المعاصر بعد قطاع غزة.

إقرأ أيضاً: السودان الكبير مشرذم بين جيشين

الكارثة السودانية فظيعة، وأفظع ما فيها أنّها أزمة حاضرة ومستمرّة بلا انقطاع، والمتورّطون فيها كثر. لكنّها أزمة يجري تجاهلها بالكامل عربياً ودولياً. لا أحد يبالي بها إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً وأخلاقياً وأدبيّاً. هناك تفاوت صارخ ومشين بين حجم الموارد المستخدمة لشنّها وتسعيرها وإشعال نارها، وندرة الموارد القادرة على معالجة عواقبها. والأخطر أنّه في غياب أيّ فرصة لتسوية سياسية بين الأفرقاء المحلّيين، فإنّ الآتي بعد هذه الأزمة سيكون أشدّ قتامة وبشاعة منها. عندها كلّ شيء ممكن: التجزئة والتفتيت على الطريقة اليوغوسلافية، أو الإبادة الجماعية على الطريقة الإسرائيلية، أو انحلال الدولة على الطريقة الصومالية، أو المجازر الدموية العرقية على الطريقة الراوندية.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…