تحرّكت اللجنة الخماسيّة المعنية بلبنان مجدّداً استعداداً لما بعد الاتفاق على غزة. تسابق دولي لتقديم مساعٍ لبلورة حلّ من الجنوب إلى بعبدا. لم تحمل اللجنة أبعد من تمنٍّ ونصائح ببلورة تفاهم ينتج رئيساً كي يكون لبنان داخلاً في لعبة التسوية. ذهبت إلى السراي الحكومي بلا مبادرة، وتستعدّ لاستكمال جولتها في سباق ما بين وقف الحرب على لبنان، وبين المسعى الرئاسي.
كلّما تحركت اللجنة الخماسيّة المعنية بلبنان، أوحت أنّ جديداً طرأ على ملفّ رئاسة الجمهورية. فكيف إذا تزامن هذا التحرّك مع مفاوضات الاتفاق على هدنة لحرب إسرائيل على غزة… ومع حديث عن عودة وشيكة للموفد الأميركي آموس هوكستين. وبسبب المتّسع الزمني طويل بين زيارة اللجنة لعين التينة .حيث اجتمعت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وزيارتها الأخيرة للسراي الحكومي. رافقت بلبلةٌ طويلة الزيارة الأولى. بينما لم تخرج الزيارة الثانية عن سياق .تحرّكات تندرج في إطار “العلاقات العامة”. تلك التي يحرص .على صيانتها سفراء اللجنة ممثّلي الدول الخمس المعنيّة بالملفّ الرئاسي ولو بنسب متفاوتة.
تقول الرواية إنّ الاجتماع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حُدّد في أعقاب زيارة عين التينة. وكانت سبقته زيارة منفردة للسفيرة الأميركية للسراي. لكن ألغي على خلفيّة تباين في وجهات النظر بين سفيرة الولايات المتحدة ليزا جونسون وسفير عربي.
ثمّ تمّ تحديد موعد جديد بطلب من مرجعيات السفراء في دولهم التي طلبت إليهم استكمال لقاءاتهم مع المسؤولين. وأن تشمل البطريرك الماروني بشارة الراعي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب فور عودته من الخارج.
تمهّد اللجنة لعودة محتملة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت. تلك الزيارة التي يُستبعد أن تكون قبيل الاتفاق على هدنة على جبهتَي غزة والجنوب. حيث الجهد الدبلوماسي العربي والدولي يحتلّ أولوية على حساب الملفّ الرئاسي. أي أنّ وقف الحرب على لبنان تتقدّم على انتخاب رئيس.
في تحرّكها تكتفي اللجنة الخماسيّة المعنية بلبنان، بالحديث مع أحد طرفَي الثنائي الشيعي. وتستعيض بزيارته عن لقاء الحزب أو رئيس كتلته النيابية
ميقاتي تحدّث… “الخماسيّة” استمعت فقط
في ردّها على سؤال عن فحوى ما طرحه سفراء الخماسيّة في لقائهم مع ميقاتي، قالت مصادر مواكبة لـ”أساس”: “لم تحمل الجلسة أيّ جديد يمكن التوقّف عنده. وخلال نصف الساعة الذي استغرقته تولّى رئيس الحكومة الحديث لفترة أطول من ضيوفه”. واقتصر حديث السفراء على التركيز على مواصفات رئيس الجمهورية المطلوب انتخابه دون أن يدخلوا في لعبة الأسماء والمرشّحين. وهو ما خلّف الانطباع بأنّه تحرُّك في الوقت الضائع لم يحمل جديداً.
كلّ ما سعى إليه سفراء اللجنة هو خلق مناخ إيجابي ونفي الحديث عن خلافات فيما بينهم. وهذا ما حرصوا على تظهيره أمام عدسات المصوّرين لدى خروجهم من لقاء رئيس الحكومة وخوضهم في تشاور سريع حول برنامج لقاءاتهم المقترح بعد السراي.
تراجع وهج .اللجنة الخماسيّة المعنية بلبنان، ولم يعد لتحرّك أعضائها وقعه القديم. والسبب هو الميدان العسكري الذي يصعّب مهمّة السفراء ودولهم الراعية. إضافة إلى خلافات بين الدول الممثّلة في اللجنة الخماسية حول مقاربة الملفّ الرئاسي:
– لم تحِد قطر عن مبادرتها الرئاسية المنفردة، وطيف موفدها لا يزال حاضراً.
– الفرنسي يتحيّن الفرص لعودة موفده محاولاً شقّ الطريق للعب دور في المعادلة.
– المصري يظهر في العملية الرئاسية، وقد أوكل لسفيره في لبنان علاء موسى تظهير الموقف عقب كلّ لقاء. متحدّث ضليع بالتلاعب بالألفاظ. يقول كلّ شيء ولا شيء في الوقت عينه. فهو قال: “إنّنا نتحرّك بعض الأحيان كلجنة خماسية، وفي بعض الأحيان الأخرى نتحدّث بشكل ثنائي. لكن في الوقت ذاته نعبّر عن وجهة نظر الخماسية”. موقف يتناقض مع الواقع حيث لا يخفى وجود امتعاض من التحرّك القطري المنفرد. وتقليل من حجم التحرّك الفرنسي والتعاطي معه من منطلق الباحث عن دور.
مصدر سياسي رفيع ثمّن لـ”أساس” عمل اللجنة الخماسيّة انطلاقاً من كونها تمثّل دولاً كبرى لغالبيّتها حضورها القوي في لبنان
كذلك أكّد موسى أنّ “العملية ليست بالسهولة ومعقّدة وتخضع للظروف المحيطة بها”. وتمنّى عدم “الربط المباشر بين ما يحدث في غزة ولبنان”. وفرّق بين ما تتمنّاه اللجنة وبين الواقع الذي فرض ربط الرئاسة بالاتفاق على وقف الحرب وإرجاء بتّ شأنه إلى ما بعد تهدئة جبهة الجنوب.
– وهذا ما سلّم به الموفد الأميركي آموس هوكستين الذي قرّر أن يتحرّك بعد التوصّل إلى هدنة في غزة يسري مفعولها على جبهة الجنوب. وذلك لوضع تنفيذ القرار 1701 على سكّة البحث مع الحزب بواسطة الحكومة اللبنانية.
كما يُنقل عن هوكستين قوله لمقرّبين إنّ أيّ اتفاق يجري التوصّل إليه في الجنوب يحتاج إلى ضمانة لنجاحه واستمراريّته. وهو ما يشير إلى أنّ انتخاب الرئيس سيكون هو الضمانة لأيّ استقرار منشود من الوجهة الأميركية في حال نجاح هوكستين في مهمّته.
الحزب ينأى بنفسه عن “الخماسيّة”
في تحرّكها تكتفي اللجنة الخماسيّة المعنية بلبنان، بالحديث مع أحد طرفَي الثنائي الشيعي. وتستعيض بزيارته عن لقاء الحزب أو رئيس كتلته النيابية. لأنّ الحزب يعتبر نفسه بمنأى عن تحرّكها. ويقلّل من شأنه على اعتبار أنّ القرار ليس متوقّفاً على أعضائها. أولويّة الحزب لجبهة الجنوب وعينه على اتفاق غزة.
ليس مؤكّداً أن تسري هدنة غزة على الجنوب من ناحية إسرائيل. .فهي قد تستمرّ في الحرب على لبنان. وهو ما يفتح على احتمال حرب واسعة. ويقول الحزب إنّه أوقف البحث في الرئاسة حين أطلق أوّل صاروخ إلى الداخل الإسرائيلي.
تمهّد اللجنة لعودة محتملة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت. تلك الزيارة التي يُستبعد أن تكون قبيل الاتفاق على هدنة على جبهتَي غزة والجنوب
بالموازاة يراقب الحزب حواراً أميركياً إيرانياً لم يتبلور رئاسياً في لبنان بعد. لكنّ مصادر دبلوماسية غربية تتحدّث عن أنّ انتخاب رئيس للجمهورية سيكون في صلب أيّ اتفاق وشيك مع الحزب بعد وقف النار في غزة. سيعاود هوكستين مساعيه، وسيكون انتخاب الرئيس ضمانة لأيّ اتفاق. وهو ما يعزّز احتمال انتخابه في الربيع في حال نجاح الموفد الأميركي في مباحثاته مع الحكومة اللبنانية.
إقرأ أيضاً: بورتريه لـ”الخماسية”: هكذا ستصنع رئيساً
مصدر سياسي رفيع ثمّن لـ”أساس” عمل اللجنة الخماسيّة انطلاقاً من كونها تمثّل دولاً كبرى لغالبيّتها حضورها القوي في لبنان. واستدرك بالقول إنّ المشكلة في عدم وجود بيئة سياسية متوافقة في الداخل تبلور عملها أو تدفع به إلى الأمام. ورحّل المصدر استحقاق الرئاسة إلى ما بعد الاتفاق بشأن غزة. حينئذٍ يصبح الحديث منطقياً وإلا فلا إمكانية لمعالجته أو وضعه موضع بحث داخلي أو خارجي.