لقاء سفراء اللجنة الخماسيّة في قصر الصنوبر أمس (الثلاثاء)، مهد الطريق لعودة قريبة للمبعثوث الرئاسي الفرنسي “جان إيف لودريان”، لتحريك ملّف الانتخابات الرئاسية من جديد وتكريس عمل اللجنة في هذه المرحلة القائم على فكرة التآلف الثابت مع الأزمة اللبنانية، عبر السير بين مدارين الأول تضامني والآخر أممي.
يعمل المبعوث الرئاسي الفرنسي في لبنان جان إيف لودريان، مع اللجنة الخماسية في الآونة الأخيرة وفق مبدأين مكمّلين ومتمّمين لبعضهما، الأوّل خارجي والثاني داخلي لبناني:
1- المبدأ الخارجي: النظرية التي تفيد بأنّ اندلاع الحرب الشاملة غير واقع. حيث إنّ بنيتها التحتية الحقيقية المادّية والمعنوية غير مهيّأة ومحضّرة، مع عبق رسائل تطمينية إيرانياً وأميركياً. وهذا أمر إيجابي يقتضي الاستفادة منه في انعكاسة متماثلة على الساحة اللبنانية الداخلية.
2- المبدأ الداخلي: الغموض في حجم ما يعرف في “قواعد الاشتباك” تلك الضوابط المانعة الفاشلة. يضاف إلى ذلك توسّع أهدافها المنتقاة غير المحدّدة للجغرافيا والمساحة وحتى المسافة. تعتبر هذه الغشاوة فصلاً سلبيّاً على الساحة المحلية، لذا يقتضي الإسراع في منح الجسم اللبناني المناعة الواقية عبر الحلّ السريع للأزمة الراهنة، ومدخلها الفراغ في مقام رئاسة الجمهورية.
حراك خماسيّ هادئ
تلتزم اللجنة الخماسية خاصيّة الحراك الهادئ والنافع والحذر جداً. تعمل في أعماق الكواليس السياسية الدولية والإقليمية. لا ترسل فقاقيع سياسية على السطح، كما تعوّدت الأغلبية المحلّية في لبنان. وهو ما يشكّل في المباشر مادّة نقاش للمتربّصين بنقاط ومبدأ الخماسية، وفخّاً لهم كذلك.
تضع الخماسيّة في أولويّاتها:
1- الوصول السريع إلى حالة “البطلان الإجرائي” في مرحلة الشغور الرئاسي، وإلى إضاءة قصر بعبدا الرئاسي “تنفيذياً” من جديد.
2- الاستقرار في الرقعة اللبنانية حاجة ومطلب، حيث أدخلت المساحة بلاد الأرز المحلّية ضمن نطاق ما يسمّى ” المساحة الجغرافيّة الهجينة والخاصّة”.
3- تحصين نظام لبنان السياسي الحالي، وتأمين جهوزيّته بصفته دولة حقيقية بالحدّ الأدنى، استعداداً لمرحلة ما بعد الحرب.
يعمل المبعوث الرئاسي الفرنسي في لبنان جان إيف لودريان، مع اللجنة الخماسية في الآونة الأخيرة وفق مبدأين مكمّلين ومتمّمين لبعضهما
4- ضمان عمل المؤسّسات الدستورية والحكومية. هم الممثّلون الرسميون للجمهورية القيّمون على السيادة وبسط السلطة التامّة. إنّهم الشركاء الأساسيون في التعاون مع المجتمع الدولي والأممي المولجون تطبيق القرارات الدولية، وفي التنسيق أيضاً مع القوات الدولية اليونيفيل.
تدور العجلة الخماسية حاضراً في انسجام تامّ من خلال إطارين اثنين:
1- محلّي: يتمثّل بنشاط سفراء الخماسية في بيروت، واجتماعاتهم الدائمة فيما بينهم ولقاءاتهم مع رموز السياسة الوطنية وآخرها أمس في قصر الصنوبر.
2- دوليّ: يتألّف من ممثلي للدول المكوّنة للخماسية، سواء في أروقة الخارجية أو حتى في الحكومات المنفّذة لأيّ من دولها.
تأتي اجتماعاتها الدولية الإقليمية والمحلّية مكمّلة ومتينة الخطوات. تجتمع في هذه الأيام استجابة للحاجة المحلّية المحدقة، والمناخات الإقليمية والدولية الممكنة، من أجل تثبيت التدابير اللبنانية الضرورية. لقد أضحت اللجنة الخماسية جسماً واحداً. لا يوجد في داخلها خلافات على الأسس العريضة، بل هنالك تمايز في تفسير بعض النقاط. تقع كلّها تحت مظلّة البيان الثلاثي الذي صدر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو المنطق الغائب عن العديد من أطراف الأمر الواقع في لبنان. ليس في ذلك أيّ رهبة مصيرية، سلبية أو معرقلة ومجمّدة. الذي يشكّل البيان الثلاثي المدخل الرئيسي والجسر الوحيد لأيّ حلّ.
تركّز المساعي الصديقة على الاستفادة من أيّ فرصة وظرف وواقعية دولية وإقليمية ضمن منطقين:
1- التوافق المحلّي على تسوية منتجة لتوازن أجنحة الدولة أمنيّاً لمرحلة ما قبل حرب غزة، وسياسياً في تطبيق الطائف والقرارات الدولية.
2- الدعمين العربي الإقليمي والدولي من خلال تمكين لبنان من الاستفادة من “الفجوات الفارغة”. إذ تشكّل رسائل التهدئة غير المباشرة والمبطّنة ترياقها الأصيل.
جوجلة لودريانيّة لسلسلة من الأفكار
يشدّد المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في جولاته وكواليسه على جوجلة مجموعة من الأفكار، بطريقة مختلفة نوعية. ليست نظرية فقط، وتساعد سلال الكتل العمليّة المساعدة في ترسيخ الحلّ. ترفع في النهاية على شكل مسوّدة ونموذج للعصف الذهني والتفكير على صوت مرتفع.
تسعى الخماسية بشكل مكثّف إلى تحقيق ربحية واحدة فقط، وهي حماية “لبنان” ورسالته التاريخية في المنطقة
لا تريد الخماسية تسمية هذه النقاط بالتقرير أو حتى اللائحة حالياً، لأنّها لا تتّخذ من نفسها صاحبة الأمر والقرار، فهي فقط خليّة صديقة وناصحة تنطلق في مسعاها من احترام الاستقلال والسيادة اللبنانيَّين، ومن أنّ المشكلة السياسية الحالية في لبنان هي مجرّد أزمة محلّية. وينبغي على الأفرقاء اللبنانيين فقط حلّها. تعرف الخماسية عدم إمكانية تحقيق هذه الأمور إلا من خلال الدعم وضخّ مناخات التوعية المشجّعة، إضافة إلى حثّ الأطراف اللبنانية عبر تحفيز عملية التواصل البنّاء فيما بينهم وبطرق متنوّعة غير كلاسيكية، من أجل تحقيق التقاطع المناسب المحقّق للخرق الرئاسي.
تسعى الخماسية بشكل مكثّف إلى تحقيق ربحية واحدة فقط، وهي حماية “لبنان” ورسالته التاريخية في المنطقة. لا ترى في الأزمة “أزمة دستورية” وإنّما أزمة تطبيق وتنفيذ. تتّفق فيما بينها على عدم إمكانية الاستمرار في نمطية “القواعد الضابطة المسمّاة “قواعد الاشتباك” بين الحزب والكيان الإسرائيلي وتتعاون من أجل الحفاظ على الدولة وتأمين استمرارية ودوران عجلاتها المؤسّساتية . تلحّ على تحصين سيادة الجمهورية الثانية واحترام دستور ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) .
إقرأ أيضاً: لبنان يستفيق من “غيبوبة” غزّة: حراك رئاسيّ جدّيّ؟
اتّخذت الخماسية شعار “اللافيتو” على أحد، لكنّها تشدّد على “الفيتو العريض” على أيّ حلّ لا يضمن التوازن والتوافق. تشدّد بعزم على كلمة “الوفاق” التي سبقت كلمة “الوطني”، التي تشكّل اتفاق الطائف. من هنا يأتي ثقل ومركزية “الخيار الثالث” وليس الشخص الثالث المحدّد والمعيّن بالذات. تريد تطبيق حلّ مانع استمراريّ يضع حدّاً لتعاظم فكر الدويلة على الدولة. لذا تعتبر الخماسية أنّ الخيار الثالث هو المدخل الرئيسي لهذا السبيل، و”الخلاصة المتوازنة” المقرونة بكلّ المتحوّلات المحلية والإقليمية، القادرة على قيادة السفينة اللبنانية الميثاقية في المرحلة المقبلة، والتي قطعت وجمّدت كلّ احتماليات البلوغ لأيّ شخصية طرف سدّة الحكم، وقلّلت حظوظ وصولها إلى سدّة الرئاسة في لبنان.
لمتابعة الكاتب على X: